مرت الشهور الماضية بصعوبة في الهند، إذ حملت معها أخبارًا كئيبة مع المزيد من تفاصيل الاعتداء الجنسي الوحشي الذي وقع في كانون الاول (ديسمبر) الماضي، إلى جانب تقارير يومية عن حالات الاغتصاب الجديدة المبلغ عنها في جميع أنحاء البلاد.


بيروت: تعرضت امرأة (29 عامًا) في ولاية البنجاب الشمالية للخطف، واغتصبها ستة رجال بعد أن استقلت الحافلة في زيارة عائلية بمدينة غورداسبور. في الوقت نفسه تقريبًا، ألقي القبض على سبعة رجال في ولاية هاريانا، يشتبه باغتصابهم عددًا من النساء خلال سبعة أشهر.
وألقي القبض على اثنين من المسؤولين في ولاية تشاتيسجار، على خلفية اعتدائهما جنسيًا على فتيات قاصرات في مدرسة للبنات. وقبضت الشرطة في ولاية اوتار براديش على شاب بعد اغتصابه فتاة في الرابعة عشرة من عمرها... ويبدو أن القائمة طويلة.

تحول إعلامي

ليس العنف الجنسي حال فريدة من نوعها في الهند، ولا الاضطرابات التي تشهدها البلاد منذ تعرض طالبة طب (23 عامًا) لاغتصاب جماعي على حافلة في نيودلهي يوم 16 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ووفاتها منذ اسبوعين. لكن الذي تغير جذريًا في الاسابيع الاربعة الماضية هو مقدار التغطية الإعلامية التي تحظى بها هذه الجرائم، والتي يقول خبراء إنها في ارتفاع منذ سنوات.
فمنذ بضعة أشهر فقط، كانت الصحف الصادرة باللغة الإنكليزية في الهند تشير إلى أنباء عن الاعتداءات الجنسية بأخبار تدفنها بين صفحات مكتظة باليوميات السياسية في البلاد. أما اليوم، تتصدر أخبار الاعتداءات الجنسية العنيفة الصفحات الأولى.
يرى المراقبون أن هذا التحول ليس سيئًا على الإطلاق. فالتغطية الإعلامية الواسعة التي حصلت عليها احتجاجات هذا الشهر واعتداء 16 كانون الأول (ديسمبر)، ساهمت بشكل كبير في تسليط الضوء على هذا الحادث، وأدى إلى سوق خمسة مشتبه بهم من أصل ستة إلى المحاكمة في نيودلهي، وساعدت في دفع الجهود لإرغام المسؤولين على تحسين مقاييس الأمن والسلامة في العاصمة.

مغالاة حساسة

قالت رانجانا كوماري، مديرة مركز البحوث الاجتماعية في نيودلهي لصحيفة تايم: quot;أصبحت مسألة الاعتداء الجنسي على جدول الأعمال السياسي، وهو أمر لم يحدث من قبلquot;، مشيرة إلى أن هذه المشكلة ستصبح محور حديث رئيس الوزراء وجزءًا أسياسيًا من بياناته.
ورأت كوماري أن التغطية الإعلامية الواسعة لحالات الإغتصاب تسرع عمل الشرطة، واستجابتها لحالات الاعتداء الجنسي في جميع أنحاء البلاد. كما هناك بعض التغييرات المتوقع أن يتم إجراؤها على قانون العقوبات في البلاد.
وبالرغم من شعور العديد من المراقبين بالإرتياح إلى تحول هذه المشكلة قضية عامة وعلنية بعد أن بقيت زمنًا طويلًا خارج الحياة اليومية، إلا أن تدفق تفاصيل حادثة 16 كانون الأول (ديسمبر) وغيرها من الحالات التي ظهرت منذ ذلك الحين مخيف.
يقول شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة إنديان اكسبريس: quot;بالرغم من ايجابية الإضاءة الإعلامية على هذه القضايا، إلا أن بعض وسائل الإعلام قد ذهب بعيدًا جدًا، كقرار إحدى القنوات إعادة تمثيل حادثة الاعتداء على الضحية ورفيقها الذكر في 16 كانون الأول (ديسمبر)quot;.

محاكمة إعلامية

من غير الواضح ما ستكون عليه آثار الصخب الإعلامي على وقائع المحاكمة القادمة، التي ستعقد خلف أبواب مغلقة وفقًا للإجراء العادي القانوني في حالات الاغتصاب في الهند.
تقول فيرما مانغلا، وهي مسؤولة في جمعية المحامين غير الحكومية في نيودلهي: quot;في الحالات الحساسة والخطيرة، نشهد عادة ظاهرة يمكن أن نطلق عليها إسم المحاكمة الإعلاميةquot;.
تضيف: quot;على سبيل المثال، إذا كان صديق الضحية، الشاهد الوحيد للجريمة، قد أعطى تصريحًا أو مقابلة لوسيلة إعلامية في وقت سابق، فإن ذلك يمكن أن يستخدم ضدهquot;.
أما السؤال فإلى متى سيستمر هذا الانتباه الإعلامي للعنف ضد المرأة. لن تكون الإجابة المنطقية quot;إلى الأبدquot;، لكن بعض الإعلاميين المخضرمين يشعرون بأن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة. فالهند تشهد اليوم دخول الجيل الأول من النساء إلى معترك العمل، والرجال يكافحون من أجل التأقلم مع هذا الواقع، ما يجعل المرأة صاحبة سلطة، وما يؤثر في المجتمع الهندي.
يبدو أن هذا المجتمع قد عبر في الشهر الماضي خطًا لا يمكنه الرجوع عنه. فالشرطة تشعر بالإحراج، وعدد كبير من السياسيين يتراجعون ويخفت بريقهم. وقالت كوماري: quot;لا يمكن ترهيبنا والتعتيم علينا كما كان يحدث في الماضي، فالأمور يجب أن تتغير نحو الأفضلquot;.