تجري مفاوضات على قدم وساق مع رجال أعمال من عهد مبارك للتصالح معهم مقابل رد الأموال التي حصلوا عليها من دون وجه حق. وإذ يعدّ الإخوان التصالح في مصلحة الاقتصاد، تحذر المعارضة من صفقات يفلت بها الفاسدون من المحاسبة على قتلهم المتظاهرين.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: تحاول جماعة الإخوان المسلمين احتواء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، فلجأت إلى إطلاق مبادرة للتصالح مع رجال الأعمال المنتمين إلى النظام السابق والمتهمين بالفساد، تهدف إلى استعادة الأموال التي حصلوا عليها بطرق غير مشروعة، مقابل الخروج من السجن، أو حصول رجال الأعمال الهاربين إلى الخارج على الأمان.

مفاوضات جارية
بدأ الإخوان عملية التصالح منذ شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، بحسب ما قالت مصادر حزب الحرية والعدالة لـquot;إيلافquot;. أضافت هذه المصادر أن تصاعد الأحداث السياسية، مثل ما يعرف بأحداث محمد محمود الثانية، وأعمال العنف، التي وقعت في محيط قصر الاتحادية، ثم معركة الاستفتاء على الدستور، ساهم في إعاقة عملية التصالح واسترداد الأموال، أو إرسال رسائل اطمئنان إلى رجال الأعمال المصريين المقيمين في الخارج، أو التفاوض مع الهاربين للعودة وضمان عدم الزجّ بهم في السجون.

كما أكدت أن عملية التصالح يقودها رجال أعمال ينتمون إلى الإخوان، مثل حسن مالك، صاحب مبادرة تواصل، التي تهدف إلى التواصل مع رجال الأعمال في الداخل والخارج، وأسامة فريد، إضافة إلى رجال أعمال محسوبين على نظام مبارك، ممن يتمتعون بسمعة جيدة، مثل محمد فريد خميس وصفوان ثابت ومنصور عامر ومحمد المصري وأحمد السويدي.

كشفت هذه المصادر عن مفاوضات تجري مع رجال أعمال في الخارج، منهم رشيد محمد رشيد، وزير الصناعة السابق المقيم في الإمارات، وناصف ساويرس، شقيق نجيب ساويرس، وحامد الشيتي.

ولفتت إلى أن هؤلاء لا يواجهون تهمًا بالفساد، لكنهم قلقون من استشراء العداء لكل من كانت له صلة بالنظام السابق، وبعضهم يطالب بضمانات تشريعية أو دولية، تضمن لهم الحصانة من أية ملاحقات قضائية في المستقبل، وعدم مصادرة أموالهم تحت أية ظروف.

لمصلحة الاقتصاد
غير أن قضية التصالح مع رموز من عهد مبارك متهمين في قضايا تتعلق بالفساد، يقبعون في السجون حاليًا، هي القضية الأكثر إثارة للجدل. فهناك من يرفضها خشية إفلاتهم من العقاب في قضية قتل المتظاهرين، بينما يرى آخرون أنها جيدة، وأنها تدعم الاقتصاد المصري، الذي يعاني الانهيار.

قال الخبير الاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم إن مبدأ التصالح مع المتهمين في الفساد أو الاستيلاء على أموال الدولة، معمول به في كل دول العالم.

وأشار إلى أن هناك تجربة في جنوب أفريقيا طبّقها الرئيس نيلسون مانديلا مع رموز الحقبة العنصرية، ويمكن تطبيقها في مصر.
أضاف لـquot;إيلافquot;: quot;التصالح مع المتهمين بنهب أموال الدولة في عهد النظام السابق يعود على خزينة الدولة بنحو 20 مليار دولار، وهذا المبلغ سيدعم الاقتصاد، الذي يعاني الانهيار، لا سيما وأن عجز الموازنة يقترب من حدود 200 مليار جنيهquot;.

إلا الدم
أشار عبد العظيم إلى أن التصالح مع هؤلاء يعني ردهم الأموال أو العقارات أو الأراضي، التي حصلوا عليها بغير وجه حق، ولا يعني التصالح في قضايا قتل المتظاهرين، quot;لأن القانون المصري لا يعترف بالتصالح في قضايا الدمquot;.

وقال المستشار بهاء أبو شقة لـquot;إيلافquot; إن القانون المصري يجيز التصالح مع المتهمين في قضايا التهرّب الضريبي، كما يجيز التصالح في قضايا المال العام، شريطة رد الأموال أو الممتلكات التي تحصل عليها المتهمون بغير وجه حق، quot;لكن الحكومة لا تملك حق التصالح مع المتهمين في قضايا قتل المتظاهرين، مقابل دفع الدية أو التنازل عن القضايا، ومن يملك هذا الحق هم أسر الشهداء والمصابون أنفسهم، وهم المعروفون بأولياء الدمquot;.

ولفت إلى أنه لن يتم الإفراج عن أي من المتهمين بالدم، لا سيما وأن هناك قاعدة قانونية، تقول إنه لا إخلاء سبيل في قضايا القتل خشية التأثير على الشهود.

أضاف أبوشقة: quot;التصالح يوفر على الدولة ما بين ثلاث إلى عشر سنوات ليتم استرداد الأموال المجمدة في الخارج، كما إن الدولة الأجنبية تشترط إجراء محاكمات عادلة أمام قضاء عادي، وليس استثنائيًا، وأن تكون الأحكام نهائية وباتة، وصدور الأحكام النهائية يستغرق نحو ثلاث سنوات على الأقل، ويحق للدول الأجنبية رفضها، ورفض رد الأموال المجمدة لديها إلى مصرquot;، مذكرًا بقضية نواب القروض والمتهرّبين من دفع الضرائب.

قانون غير دستوري
سياسيًا، ترى المعارضة أن التصالح مع رموز الفساد من المنتمين إلى النظام المخلوع تواطؤ مع الذين أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية في مصر على مدار عقود طويلة من الزمان.

قال عبد الغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، لـquot;إيلافquot; إن التصالح ليس مرفوضًا كليًا، quot;لكن المرفوض هو عقد صفقات سياسية، يتم بموجبها إفلات المتهمين بالفساد وقتل المتظاهرين من العقاب، خصوصًا أن القانون الذي سيتم بموجبه التصالح مشكوك في دستوريتهquot;.

وأوضح شكر أن فى المادة الأولى من القانون تنصّ على انقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة إلى المستثمر من دون باقي المتهمين معه فى الواقعة نفسها، quot;وذلك يمثل مخالفة صريحة لمبدأ المساواة، وبموجب هذا القانون سيتم التعامل مع الرئيس السابق وزوجته وزوجات نجليهما وجميع مسؤولي النظام السابق كمستثمرين ورجال أعمال، في حين أنهم ليسوا كذلك، بل ينطبق عليهم قانون الاختلاس، الذي يقضي بسجن الموظف المختلس، ورد المال الذي اختلسه، وتغريمه بمبلغ مماثلquot;.