تفاجأ المراقبون من التحول الذي طرأ على الموقف الجزائري بخصوص التدخل الأجنبي في المنطقة، وسماح الحكومة الجزائرية للطيران الحربي الفرنسي باختراق أجوائها لضرب الجماعات المتطرفة في مالي، لا سيما وأن الجزائر رفضت ذلك أثناء المحادثات الإقليمية والدولية حول الأزمة المالية.

باريس: ثمة ما دفع بالسلطات الجزائرية إلى تغيير موقفها الرافض للتدخل في أزمة مالي، وإلى الموافقة على استخدام الطائرات الفرنسية مجالها الجوي لدحر فلول التطرف في مالي. هذا التحول المفاجئ أعطى الفرصة لظهور قراءات مختلفة له، انطلاقًا من معطيات وفّرتها الأزمة الحالية وطبيعة النظام في الجزائر، ثم علاقة هذا الأخير المؤلمة مع سنوات الدم والرصاص بسبب الإرهاب.
تكتم جزائري
أتى أول انتقاد للتعاطي الجزائري مع التدخل الفرنسي من الصحف الجزائرية، التي لم تخفِ استنكارها لما أسماه بعض الأقلام بالصفقة السرية بين باريس والجزائر، خصوصًا أن وسائل الإعلام الجزائرية لم تعلم بالموافقة الجزائرية للطيران الحربي الفرنسي بعبور أجوائها، بل كان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس هو من كشف عن ذلك للصحافة، ما وضعه الاعلاميون في خانة التكتم الذي يعكس الضعف الجزائري في التعامل مع وسائل الإعلام، بينما قال آخرون إن الحكومة تجنبت الحديث في الموضوع عمدًا لأنه قد يهيج الخلايا الإسلامية المتطرفة النائمة، ويزج الجزائر في متاهة أخرى لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
يتوافق عدد من المراقبين على أن الحكومة الجزائرية كانت تعي مسبقًا أن هذا القرار سيثير حفيظة نخبة جزائرية معروفة بحساسيتها تجاه فرنسا، تتشكل أساسًا من نشطاء جبهة التحرير الوطني السابقة، ومن قدماء جيش التحرير والجمعيات التي ينشطون فيها، والتي قد ترى في ترخيص حكومتهم للطيران الحربي الفرنسي بالتحليق في أجواء بلادهم مسًا بالسيادة الوطنية، كما عبرت عن ذلك مجموعة من الأحزاب المحلية في بيان مشترك لها.
لكن طبيعة النظام في الجزائر أفرزت قراءة ثانية لا يمكن الجزم بصحتها، انطلاقًا مما تداولته بعض الصحف من معلومات تفيد استعداد عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة منذ الصيف الأخير، وهو بذلك يحاول كسب صمت باريس التي قد تنتقد مناورات محيط الرئاسة الجزائرية بهذا الخصوص، في فترة لم تعد أخطاء الزعماء السياسية مقبولة، بعد هبوب رياح التغيير على المنطقة العربية.
شراكة قوية
يقول مهدي يازي رومان، الباحث الجامعي في القانون والعلوم السياسية والمنتخب باسم الحزب الاشتراكي الحاكم في مدينة بونتان: quot;إن الدعم الجزائري لفرنسا في حربها ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة في مالي يسعدنا. فالدولة المالية وجدت نفسها في وضع جد صعب واستنجدت بفرنسا للتدخل عسكريًا، وكنا نتفرج على انهيار دولة تحت هجمات الإرهابيين. لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي، وبالتالي من الطبيعي أن تدعم الجزائر فرنسا في هذه العمليةquot;.
يضيف: quot;كان من الواضح أن الخطر الإرهابي بلغ قمته في هذه المنطقة، التي تحولت إلى فريسة لجماعات متطرفة منذ اندلاع الثورات العربية، وأعتقد أن الدعم الجزائري المقدم لفرنسا ما هو إلا جانب من إطلاق شراكة بين البلدين ترغب فيها الدبلوماسية الفرنسية ويسهر عليها هولاند وفابيوسquot;.

الرأي العام متقلب
فرض احتجاز رهائن في الجزائر على هذا البلد انخراطًا أكبر في الأزمة المالية، إذ وجد نفسه واقعًا في ورطة مع المجتمع الدولي بسبب النهاية المأساوية التي انتهت إليها عملية الرهائن في إن أميناس. وبدا أن الحدود الجزائرية المالية لم تكن مراقبة جيدًا، ما سيدفع بالجزائر إلى أن تعيد ترتيب أوراقها الأمنية في المنطقة، وأن تتعاطى مع المسألة بأكثر حزم.
يرى فيليب هوغون، مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، أن عملية احتجاز الرهائن ستقود لا محالة إلى تدويل هذا النزاع، ملزمة القوى الغربية الانخراط فيه. وفي مقابل ذلك، يمكن أن يقود ذلك إلى مضاعفة غموض الموقف الجزائري بالنظر إلى الانقسام داخل أجهزة الدولة والرأي العامquot;.
ويرى هوغون أن هذه الحرب quot;أعد لها جيدًا، مع طرح الكثير من السيناريوهات الممكنة، وتوسع العمليات الإرهابية وحجز الرهائن في الدول المجاورة كان محتملًا، لذا بدا التدخل في مالي ضرورةquot;.
ولوحظ في الأيام الأخيرة انتعاش طفيف في شعبية الرئيس فرانسوا هولاند. لكن التدخل العسكري، بحسب هوغون، ليس هدفه رفع مستوى الشعبية، فعلى المدى القصير يخلق وحدة وطنية ويقوي شعبية قائد الحرب، لكن الرأي العام متقلب، وأي خسائر في أرواح الجنود الفرنسيين تغيّرهquot;.