لأن كل أمر مسيس في لبنان وعرضة ليكون سببًا للتوتر، يتخوف المراقبون من أن تشكل انطلاقة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مدخلا لتوتر سياسي جديد، يعيد البلد إلى دوامة التجاذبات.

بيروت: كشف مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن وضعه اللمسات الأخيرة على القرار الإتهامي المعدل، في جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري، لافتًا إلى أنه سيكون جاهزًا بنسخته النهائية في السادس من شباط (فبراير).
لكن غالبًا ما تأخذ الملفات المختلفة في لبنان طريقها إلى التوظيف السياسي. فقد شهد ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تحديدًا الكثير من الاستغلال بين الفرقاء السياسيين، لا سيما بعد أن أصدر الادعاء مذكرات توقيف بحق أربعة قياديين من حزب الله، مشيرًا إلى تورطهم في الجريمة، ما دفع بالحزب إلى رفض تسليم هؤلاء لمحكمة أميركية إسرائيلية.
ومع ترقب كل ما يصدر عن المحكمة، يخشى اللبنانيون أن يكون المقبل من القرارات بابًا إضافيًا للتوتر في بلدهم. إلا أن رشيد درباس، نقيب المحامين السابق في طرابلس، يقول لـquot;إيلافquot;: quot;من الجانب النظري والعلمي، لا يجب أن يكون هناك رابط بين عمل المحكمة والمناخ السياسي الداخلي، فالمحكمة أنشئت وأخذت طريقها للعمل في بيئة محايدة، وبالتالي لا تتأثر بالواقع اللبناني المأزومquot;.
يضيف: quot;نعرف أن الأمور في لبنان غالبًا ما تأخذ طريقها إلى التسييس، وبالتالي فإن الخيار الأفضل لتجنب أي ردات فعل هو تحصين الجبهة الداخلية، من خلال تواصل الأفرقاء المعنيين واتفاقهم على تحييد الشأن القانوني في المحكمة عن الواقع السياسي المتشنج في البلدquot;.
كشف الشهود
هل لإصدار القرار الاتهامي الجديد علاقة في كشف أسماء بعض الشهود؟ يجيب درباس: quot;كشف الشهود يتناقض مع قواعد حماية الشهود، لكن في الحقيقة لا توجد آلية لحمايتهم وهذه نقطة ضعف يجب أن تعمل المحكمة على تلافيهاquot;.
واستدرك بالقول: quot;طالما أن آلة القتل في لبنان مستمرة في عملها، فإن أي شاهد لن يجرؤ على الإدلاء بشهادته بعد كشف أسماء هؤلاء الشهود، ما لم تكن هناك آلية واضحة لحمايتهمquot;.
أما تمويل المحكمة، فيقول درباس إنه مرتبط بشكل مباشر بسلطة الوصاية على الحكومة وما إذا كانت تريد استمرارها أم لا، quot;وبالتالي إذا كانت الجهات التي أوجدت هذه الحكومة لا تريد استمرارها فهي ستمنع التمويل الذي يستحق في آذار، وبالتالي تدفع برئيس الحكومة إلى الاستقالة، لكن اعتقادي أن التمويل سيتم بطريقة تشبه إلى حد بعيد ما حصل في المرة الأولىquot;.
قيد التأجيل
يظن درباس أن الجلسة الأولى للمحكمة، المقررة في 23 شباط (فبراير) المقبل، قد تؤجل بالتوافق بين فريقي الإدعاء والدفاع. ويلفت إلى أن التحقيق مستمر وإن انطلقت جلسات المحاكمة، وبالتالي فإن الإدعاء سيتاح له في اي وقت إصدار لائحة إتهام معدّلة، quot;والأمر ذاته ينطبق على الدفاع الذي يمكنه تقديم دفوع جديدة تنظر فيها المحكمةquot;.
ويشير الناطق باسم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مارتن يوسف، في تصريح صحافي إلى أن إتخاذ القرار في شأن موعد بدء المحاكمة يعود إلى قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة، دانيال فرانسين، إما بالإستجابة إلى طلب الدفاع أو مخالفته. ويرى يوسف أن عدم معارضة الإدعاء إرجاء الموعد المقرر سابقًا، لا يُلزم فرانسين بل يعود له أن يقدّر ما إذا كان موجب الإرجاء متوافرًا في القضية أم لا.
وتابع: quot;إذا اتخذ فرانسين قرارًا بإرجاء المحاكمة سيُعيّن تلقائيًا موعدًا آخر لهاquot;، مؤكدا أن تسليم المستندات المطلوبة يجب أن يتم قبل موعد بدء المحاكمة quot;لأنه أحد المعايير التي تجعل المحاكمة جاهزةquot;.
في سياق متصل، يؤكد درباس أن المحكمة الخاصة بلبنان استمدت مفهوم المحاكمات الغيابية من قانون المحاكمات الجزائية اللبناني. يقول: quot;المتهمون الأربعة لن يسلّموا إلى المحكمة، لذا سيحاكمون غيابيًاquot;.
تخوف مزدوج
إلى ذلك، تبدي مصادر قضائية في اتصال مع quot;إيلافquot; مخاوف من أمرين. وتقول: quot;نحن أمام تعديل في لائحة الاتهام، وبالتالي هناك احتمال ولو ضئيل لإدخال أسماء جديدة ربما تكون سوريّة أو تنتمي إلى حزب الله أو منظمات أخرى، وبالتالي لدينا مخاوف أمنية من أن يكون اتهام مسؤولين سوريين مبررًا لنظام الأسد لافتعال أعمال تخل بالأمن الهش، كالتفجيرات أو الاغتيالات أو تحريك لجبهة جبل محسن - باب التبانةquot;.
تضيف المصادر: quot;الخوف الثاني هو أن يعمد حزب الله إلى التصعيد السياسي في الداخل، خصوصًا أن الوضع الراهن لا يحتمل المزيد من الإرباك، وبالتالي قد يستفيد حزب الله من هذه الفرصة لافتعال مشكلة لا نعلم طبيعتها، لتوظيفها سياسيًا وقطف نتائجها على مستوى الانتخابات، وأغلب الظن أن مصلحة حزب الله تقضي بتأجيل الانتخابات ليبقى الوضع على ما هو عليه بانتظار تبيان الموقف في سورياquot;.