أعيد الاعتبار للرئيس محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد إلغاء الملكية، من خلال إنشاء موقع إلكتروني يعرض مفاصل حياته ومواد أرشيفية عنه تنشر للمرة الأولى، وذلك في احتفال جرى في بيت السناري الأثري، التابع لمكتبة الإسكندرية.

شهد بيت السناري الأثري، التابع لمكتبة الإسكندرية، احتفالية كبرى بتدشين موقع الرئيس محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر العربية بعد إلغاء الملكية، افتتح خلالها معرض للصور الفوتوغرافية رصد مراحل حياة نجيب الإنسانية والعسكرية، ونصبت شاشة كبيرة عرضت مقاطع نادرة لمحمد نجيب رئيسًا. كما تم عرض محتويات الموقع الإلكتروني، حيث قام فريق العمل برقمنة حوالى 900 صورة نادرة خاصة بالرئيس نجيب، و200 وثيقة، و675 عنوانًا صحفيًا، و23 غلافًا يحمل صورته، و23 مقطعًا مرئيًا، و16 مقطعًا صوتيًا، بالإضافة إلى سيرة ذاتية مفصلة. وينفرد الموقع بنشر 97 خطابًا للرئيس محمد نجيب لأول مرة في تاريخ مصر.
إعادة اعتبار
على هامش الاحتفالية التي حضرها حفيده محمد يوسف نجيب، ونخبة من الكتاب والمثقفين والأكاديميين، وزعت نسخة مجانية من كتيب محمد نجيب الذي أصدرته مكتبة الإسكندرية احتفاء بتاريخ الرئيس، من تحرير وإعداد الباحثين الدكتور خالد عزب وعمرو شلبي. يقول عزب في مقدمته لهذا الكتيب إن مشروع توثيق حياة الرئيس محمد نجيب إعادة اعتبار لأول رئيس لمصر بعد ثورة 23 يوليو 1952، والذي وضع قامته وقيمته داخل المؤسسة العسكرية والمجتمع المصري كضابط حظي باحترام الجميع وتقديرهم، سواءً على مستوى الأداء العسكري أو الولاء والإخلاص للوطن، من أجل نجاح الثورة. ويؤكد شلبي، مدير المشروع، حرص ذاكرة مصر المعاصرة على تصحيح التاريخ وتوثيقه، وتقديم صورة صادقة عنه، من خلال العديد من المشاريع التاريخية الفريدة الموثقة بالصور والوثائق والفيديو، ويأتي على رأسها موقع الرئيس الراحل محمد نجيب http://naguib.bibalex.org، والكتيب الذي يلقي الضوء على نجيب من خلال مجموعة صور ووثائق فريدة تُنشر لأول مرة.
ويأتي هذا الموقع في سلسلة مواقع رؤساء مصر التي أطلقتها المكتبة، إلى مواقع جمال عبد الناصر وأنور السادات، وبهذا العمل تتم السلسلة لتعيد الاعتبار للرئيس الذي سقط عمدًا من ذاكرة مصر خلال الفترة الماضية، وتعيده إلى مكانه الذي يليق به، من خلال أرشيف رقمي يضم مجموعة من الصور والوثائق والمواد الأرشيفية.

تواريخ مختلفة
ومحمد نجيب يوسف، قائد ثورة 23 يوليو 1952 وأول رئيس لمصر، سليل أسرة عسكرية اشتهرت بالشجاعة والإقدام. كان والده ضابطًا في الجيش المصري في السودان، واشترك في حملة دنقلة الكبرى ضد الثورة المهدية. ولا أحد يعرف تحديدًا تاريخ ميلاد نجيب، فقد ذكر في مذكراته أنه حائر بين ثلاثة تواريخ لميلاده: 28 حزيران (يونيو) 1899، و19 شباط (فبراير) 1901، أو 7 تموز (يوليو) 1902. التاريخ المثبت في ملف خدمته بالجيش هو 19 شباط (فبراير) 1901، إذ ولد في ساقية معلا بالخرطوم ونشأ فيها. وعاش في السودان إلى أن أتم دراسته الثانوية، ثم عاد إلى مصر والتحق بالمدرسة الحربية في العام 1917. ارتبط نجيب بالسودان ارتباطًا عميقًا، فهناك بدأ حياته العملية ضابطًا في الجيش المصري عقب تخرجه في الكلية الحربية، وأطلق السودانيون لاحقًا اسمه على أحد أكبر شوارع الخرطوم باعتباره رمزًا لوحدة وادي النيل. عمل هناك حتى مقتل السردار الانجليزي في العام 1924، ثم عاد إلى مصر. ورغم مسؤولياته العسكرية، إلا إنه كان شغوفًا، بالعلم فحصل على إجازة الحقوق في أيار (مايو) 1927، ثم حاز على دكتوراه في الاقتصاد السياسي في العام 1929، كما نال دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ثم شهادة أركان حرب في العام 1939. وبدأ في إعداد أطروحة الدكتوراه، لكن طبيعة عمله العسكري حالت دون إتمامها.
روح التمرد
تشبع نجيب بروح التمرد والثورة منذ كان ملازمًا ثانيًا في الكتيبة 16 مشاة في الجيش المصري بالسودان. فعندما اندلعت ثورة 1919 في القاهرة، أصرّ على تحدي رؤسائه من الإنجليز، وسافر إلى مصر سرًا. وكانت الروح الوطنية عند نجيب مقدمة على القواعد العسكرية، لذلك لم يخف إعلان تأييده لسعد زغلول عندما ذهب مع مجموعة من الضباط الصغار في ملابسهم العسكرية إلى مقر إقامة زغلول، الأمة ليعبروا عن رفضهم لنفيه إلى جزيرة سيلان.
وعقب حادثة 4 شباط (فبراير) 1942، حين حاصرت خلاله الدبابات البريطانية قصر الملك لإجباره على إعادة مصطفى النحاس إلى رئاسة الوزراء أو التنازل عن العرش، قدم استقالته من الجيش احتجاجًا على التدخل الإنجليزي السافر في شؤون مصر الداخلية. لكن الملك رفض الاستقالة، فاضطر للعودة إلى صفوف العسكر. واشترك في حرب فلسطين وجرح ثلاث مرات، كان آخرها في معركة التبة في دير البلح في 23 كانون الأول (ديسمبر) 1948، وهي أهم المعارك التي خاضها في فلسطين، وعددها 21 معركة. كانت بداية صلته بتنظيم الضباط الأحرار من خلال لقائه مع عبد الحكيم عامر، عندما عين أركان حرب في اللواء الذي يرأسه نجيب أثناء حرب فلسطين، ثم عرفه بجمال عبد الناصر، قبل أن يلتقي ببقية الضباط الأحرار. وكان عبد الناصر مؤسس التنظيم ورئيسه. وحين وقع حريق القاهرة في العام 1951، وحدث الصدام بين نجيب والملك فاروق الذي قام بترقية حسين سري مديرًا لسلاح الحدود بدلًا منه، بدأ التشاور جديًا بين نجيب والضباط الأحرار لتغيير الأوضاع جذريًا. وبدأت المواجهة الفعلية أثناء انتخابات نادي الضباط، إذ استقر رأي الضباط الأحرار على ترشيح نجيب رئيسًا لمجلس إدارة النادي ضد مرشح الملك حسين سري عامر باشا، وهي المواجهة التي عجلت بقرار الثورة.
قصة الثورة
وفي العام 1952، أذاع البكباشي محمد أنور السادات أول بيان للثورة بلسان القائد الأعلى للقوات المسلحة، محمد نجيب. وفي 26 تموز (يوليو) 1952، أجبر الثوار الملك فاروق على التخلي عن العرش، وعلى إقامة حكومة جديدة برئاسة سياسي مستقل مخضرم هو علي ماهر ذات السمعة الحسنة. وشكل نجيب أول وزارة في 10 أيلول (سبتمبر) 1952، بعد يوم واحد من تعيينه حاكمًا عسكريًا، إلا أنه اشترط على الوزراء قبول وثيقة إصلاح الأراضي قبل أداء اليمين الدستورية في قصر عابدين. واتسمت مجالس الوزراء بدءًا بهذا المجلس بسيطرة الأعضاء البارزين في تنظيم الضباط الأحرار، وخصوصًا أعضاء مجلس قيادة الثورة، على المناصب الرئيسية مع تطعيم الوزارة ببعض العناصر التكنوقراطية التي يستدعي وجودها التخصص والخبرة. ولما تأكد لمجلس قيادة الثورة أن الوقت أصبح مواتيًا للتخلص النهائي من تركة العهد الملكي، ألغى الملكية وأعلن الجمهورية في 18 حزيران (يونيو) 1953، وبالتالي سقطت أسرة محمد علي التي تولت عرش مصر نحو 150 سنة. وأصبح نجيب رئيسًا للوزراء وللجمهورية في الوقت ذاته.
وتوالت الأحداث، فبعد وقوع أزمة 1954 وتقديم نجيب استقالته ثم عودته مرة أخرى إلى الحكم بضغط التظاهرات الشعبية، حاولت جماعة الإخوان المسلمين اغتيال عبد الناصر في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1954، فانتهز ناصر الفرصة لقمع الإخوان والإطاحة بنجيب متهمًا إياه بمساندتهم. فتقرر تحديد إقامة نجيب وعائلته في قصر المرج، ومنعت عنه الزيارة. بقي هناك حتى أفرج عنه السادات في العام 1971. وفي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، تقرر تخصيص فيلا في القاهرة لإقامة نجيب. وتوفي عن عمر يناهز ٨٤ عامًا، بعد صراع مع المرض دام لأكثر من ٤ سنوات، إثر إصابته بغيبوبة في مستشفي كوبري القبة العسكري، وأمر مبارك بتشيع جنازته عسكريًا من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر.