تتغيّر المعادلات وتنقضي الخطط الأمنية ويبقى جرح باب التبانة- جبل محسن نازفًا، مهددًا لبنان برمته بفتنة لا قيامة منها. فليلة الأمس كانت الأعنف، ونام الكثيرون في العراء هربًا من أزيز الرصاص، والجميع يريد يد الدولة من حديد، لكن كل واحد يريدها معه.


بيروت: ثمة من يتساءل اليوم في لبنان، عن حسن نية طبعًا، إن كانت الأزمة أقوى وأخطر في سوريا أم في لبنان نفسه. وما حسن النية هنا من باب التهاون في الأمر، وإنما من باب التمني أن تعود عاصمة الشمال اللبناني إلى حياتها الطبيعية، خصوصًا أنها تعيش منذ الاثنين الماضي أجواء معركة كسر عظم، كما يقول جانبا الصراع في باب التبانة السنية وجبل محسن العلوي.
ميدانيًا
لا يمكن للمرء أن يستغرب أن تمر على طرابلس ليالٍ من الاشتباكات العنيفة جدًا، مع توقع تصاعد هذا العنف. فميدانيًا، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر أمني اليوم الجمعة قوله إن اشتباكات هي الأعنف تجددت ليل امس الخميس بين باب التبانة وجبل محسن، استخدمت فيها الاسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية ومدافع الهاون، ادت إلى مقتل شخص من باب التبانة واصابة 12 شخصًا بجروح، بينهم ضابط وجندي في الجيش اللبناني، ما يرفع حصيلة الضحايا منذ الاثنين إلى خمسة قتلى و47 جريحًا. وتتواصل أعمال القنص اليوم الجمعة، ويعمل الجيش اللبناني على الرد على مصادرها.
طالت الطلقات النارية أحياء في داخل طرابلس، دفعت بعشرات المواطنين للنزوح من منازلهم، بعدما ناشدوا الجيش اللبناني تأمين طريق آمن لخروجهم إلى مناطق اكثر أمنًا. وامتلأت الحدائق العامة بالهاربين، وناموا العديد منهم في العراء.
واستمرت المدارس مقفلة لليوم الخامس في منطقة الزاهرية، التي تضم اكبر عدد من المدارس الرسمية والخاصة، وانعدمت حركة السير في دوار ابو علي والملولة بسبب اعمال القنص.
جبهة مصغرة
لا يختلف اثنان على أن الصراع السني العلوي الطرابلسي يسير يدًا بيد مع الصراع الداخلي السوري. فمنذ اندلاع هذا الصراع، لم يتوانَ سنة طرابلس عن الاعلان جهارًا عن عدائهم للنظام السوري، الذي يواليه الحزب العربي الديمقراطي، أي حزب علي عيد وابنه العلويين في جبل محسن. وشيئًا فشيئًا، صارت طرابلس جبهة مصغرة عن الخريطة السورية الكبرى، منذ تسللات تل كلخ، حتى تفجير مسجدي التقوى والسلام، مرورًا بمسألة quot;سماحة-مملوكquot; ومعركة القصير.
يرى سنة طرابلس، ومنهم تحديدًا من يمسك بلجام المحاور ومسلحيها، أن لا هدوء في المنطقة طالما أن الجيب السوري في المدينة موجود. فكان التهديد مرارًا باجتياحه، والخلاص من قذائف الجبل. وفي كل مرة يخرج مثل هذا الكلام، تنهار أعصاب المسؤولين اللبنانيين، ويتنادى أركان المجلس الأمني العسكري إلى الاجتماع، ليقروا خططًا أمنية للمدينة، تدوم يومًا أو يومين، ليعود الجيش طرفًا ثالثًا، يرد على مصادر النيران، من دون أن يرد إلى المدينة أمنها.
معادلة جديدة
واليوم، منذ الاثنين الماضي، يبدو أن الوضع مختلف تمامًا. فثمة عوامل عديدة تصب الزيت على النار، لتشعل الفتنة التي يحاول العديد من الأطراف، في المدينة وخارجها، إبقاءها في سباتها. منها التهديد السوري النظامي بفتح معركة القلمون في ريف دمشق، أي المنطقة الممتدة من الزبداني إلى داريا،حيث تضع المعارضة السنية السورية المسلحة في مأزق حقيقي إن تمكن الجيش السوري وحزب الله من فتح ثغرة تقطع طريق الثوار السوريين بين العاصمة وريف حمص، رغم أن هذا صعب ميدانيًا، لكنه ليس مستحيلًا، كما تضع السنة اللبنانيين في وضع حرج، خصوصًا أن هذه المعركة تفتح بالضرورة معركة عرسال، التي يتوعدها حزب الله في كل مناسبة بالويل والثبور.
من هنا، وتداركًا لما يمكن أن يحصل، تؤكد مصادر مقربة من قادة المحاور في طرابلس أن فتح معركة القلمون لن يمر على طرابلس مرور الكرام، بل سيكون ثمنه الوجود العلوي المسلح، لذا رفعوا معادلة جبل محسن مقابل القلمون. وبرأيهم، إن كانت معركة القلمون صعبة ومكلفة للفريقين السوريين، تبدو معركة اجتياح جبل محسن أقل صعوبة، لكن أكبر كلفة وأشد أثرًا على الداخل السياسي اللبناني، إذ لن يتمكن أحدٌ في المدينة وخارجها من لجم الفتنة، التي ستتفلت من كل عقال. ومن هنا يدعو الجميع إلى التعقل، والسعي الى ثني حزب الله عن المشاركة في معارك القلمون، طالما أن الجيش السوري النظامي لن يتمكن وحده من السيطرة على المنطقة المستهدفة.
دور الدولة
وفي الأمن أيضًا، ثمة عامل آخر، وهو التحقيقات القضائية التي أسفرت عن كشف دور معين لأفراد وقياديين في الحزب العربي الديمقراطي في تنفيذ تفجيري التقوى والسلام، ما دفع بالعديد من القيادات السنية في طرابلس إلى دعوة الدولة اللبنانية، التي تبدو لهم اليوم وكأنها تدافع عن جبل محسن، لتدخل الجبل وتقبض على المتهمين، الذين جاهر رفعت علي عيد، المسؤول الفعلي للحزب العربي الديمقراطي، بأن أحدًا لن يستطيع المس بهم، ولحل هذا الحزب وملاحقة أفراده. فقد كشفت التحقيقات في تفاصيل التفجيرين اللذين حصلا في 23 آب (أغسطس) الماضي تورط 11 شخصًا في العملية، بينهم مسؤول امني سوري، وعلويون من جبل محسن.
فمفتي طرابلس، الشيخ مالك الشعار أكد أن طرابلس تقف على عتبات الدولة، لتقول إنها جزء أساس من الوطن، إذ رأى أن المدينة حكم عليها بعد 7 أيار أن تكون مسرحًا لتفجير الاحقاد. أضاف في تصريح صحافي: quot;آن الأوان لأن تحسم الدولة أمرها وتوقف المعتدين في طرابلس، وتضع كل الحسابات جانبًا، وتضرب بيد من حديد في المدينة، فالناس ينتظرون حسمًا من الدولة في طرابلس كي لا يفقدوا ثقتهم فيهاquot;. وختم قائلًا: quot;نأمل أن يشعر أبناء الشمال بالأمن، وبأن الدولة قادرة على أن توقف الأصوات المهددةquot;.
يد من حديد
أما الضرب بيد من حديد فدعوة تجمع اللبنانيين، لكن لكل وجهة نظرتها. فعبد المجيد صالح من الحزب العربي الديمقراطي يؤكد أن الجبل لا يشتبك مع أحد، إنما الاشتباكات حاصلة بين باب التبانة والجيش اللبناني، داعيًا الجيش إلى الضرب بيد من حديد. وكذلك يدعو النائب محمد الجسر، منسق تيار المستقبل في الشمال، الدولة إلى الضرب بيد من حديد، ومراده أن تدخل الدولة إلى جبل محسن، وتنزع سلاح الحزب العربي الديمقراطي، الذي قال الجسر اليوم في تصريح صحفي إنه ينفذ مؤامرة خارجية على المدينة وعلى لبنان، وينبغي وقفه عند حده.
وكذلك دعا وزير السياحة في حكومة تصريف الاعمال فادي عبود، الموالي لقوى 8 آذار، في حديث اذاعي العناصر المقاتلة في طرابلس إلى الاقتناع بأن الدولة جدية بخطوتها في السيطرة على الأمن في المدينة، مؤكدًا وجود تأثير خارجي على ما يجري فيها، مشددًا على وجوب الرد على مصادر النيران من دون تمييز والضرب بيد من حديدquot;.