رصد مراقبون تصريحات لافتة لرئيس الحكومة العراقية غداة زيارته لواشنطن حول وساطة أميركية لإعادة العلاقات إلى طبيعتها مع المملكة العربية السعودية.


قوبلت تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الأسبوع الماضي لقناة (الحرة) الأميركية حول تطبيع العلاقات مع السعودية بترحيب شعبي واسع، ومن مختلف أطراف الطيف السياسي والديني على الساحة العراقية.

وكان المالكي كشف عن الوساطة الأميركية لإعادة العلاقات بين البلدين بقوله: quot;نعم هم يقومون الآن بهذا الدور وقد حاولوا سابقًاquot;، مشيرًا الى quot;أنهم ـ أي المسؤولين السعوديين ـ اذا ارادوا تغيير الاتجاه واقامة علاقة متكافئة وحسن جوار ومصالح مشتركة فاهلاً وسهلاً، وانا على استعداد أن استقبل مسؤولين منهم أو أن ازور السعودية لإنهاء هذا الخلافquot;.

يذكر أن المالكي كان زار نهاية تشرين الاول (أكتوبر) الماضي الولايات المتحدة لمدة أربعة ايام، اعقبتها بعد يومين زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى السعودية، حيث التقى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وعدداً من القيادات والمسؤولين السعوديين.

وأضاف المالكي quot;اننا لا نجد مصلحة في علاقات غير جيدة مع أية دولة ونعمل على إقامة علاقات طيبة مع جميع الدول، وأن العراق يتمتع حاليًا بعلاقات جيدة مع مختلف دول العالمquot;.

قوة العراق

وتابع رئيس الحكومة العراقية: quot;نحن نريد منطقة هادئة ونريد عراقاً له علاقات في المنطقة، لأن قوة العلاقات مع دولها،التي ليست لدينا الآن مشكلة معها،سواء ايران أو تركيا أو الكويت أو الامارات، هي قوة للعراق وللمنطقة ودفع للارهاب والارهابيين وللطائفيين الذين يعيشون على هذه الخلافاتquot;.

وظلت العلاقات متوترة بين البلدين الجارين منذ سقوط نظام صدام حسين العام 2003 حيث تفجرت قضايا خلافية كثيرة بين بغداد والرياض حول مسائل استراتيجية إقليمية كبرى، لعل أبرزها الإرهاب والدور الإيراني في العراق.

وشهدت العلاقات زيادة في حدة التوتر على خلفية الأزمة السورية وتصادم موقفي البلدين منها حول الحل السلمي وأطراف هذا الحل، فضلاً عن اتهامات متبادلة في شأن التدخلات العسكرية ودعم الجماعات المسلحة التي تقاتل نظام بشّار الأسد، بينما تتهم الرياض حكومة المالكي بأنها فتحت الساحة العراقية لعبور الدعم الإيراني للنظام السوري.

شروط الرياض

وربط مراقبون بين تصريحات المالكي حول الرغبة في تطبيع العلاقات مع الرياض واعتزامه الترشح لولاية ثالثة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وكانت مصادر سياسية رفيعة المستوى كشفت في الأوان الأخير أن المملكة العربية السعودية وضعت عدداً من الشروط على المالكي لتمرير ولاية ثالثة له كرئيس وزراء مقبل.

وقالت المصادر إن quot;الرياض اشترطت على المالكي مقابل أن تصوت الكتل السنية في العراق على منحه ولاية ثالثة، عدة شروط يطبقها المالكي في سلة واحدة، والسعي الحقيقي لتطبيع العلاقات معهاquot;. ولفتت المصادر الموثوقة الى أن quot;ابرز الشروط تتمثل بتسمية وزراء سنة تحددهم المملكة يتولون ملفات الداخلية والدفاع والخارجية والمالية، بالتشاور مع السفارة السعودية في بغدادquot;.

وبينت أن quot;واحدة من تلك الشروط تقضي بجعل السفارة السعودية على غرار السفارة الاميركية من موقع استراتيجي واهمية ومساحة، وابعاد السفارة الايرانية من موقعها الحالي في منطقة الصالحية الى موقع آخر عبر نهر دجلةquot;، ونوّهت الى أن quot;الرياض ستلتزم كبادرة حسن نية على تقليل منسوب الاعمال الارهابية في العراق، بداية الامرquot;.

رسائل ود مسبقة

يشار الى أن رئيس الوزراء العراقي كان وجه عشية انعقاد القمة العربية في بغداد العام الماضي حين صرح في اول مارس/ آذار 2012 بأن أول زيارة بدأ بها إلى الخارج كانت إلى السعودية، موضحاً quot;هذا يعكس شعورنا بأهمية المملكة في المنطقة وأثرها على الاستقرار والأمن، وليس بيننا وبين المملكة حواجز حتى لا نتحدث مباشرة بعيداً عن الوساطة، فالوسطاء عادة ما يفسدون العلاقة بين الدولquot;.

وكانت السعودية قد عينت في أواخر شهر شباط (فبراير) الماضي 2012 فهد بن عبد المحسن سليمان الزيد، سفيرها في عمّان، ليكون أول سفير سعودي غير مقيم في العراق منذ عام 1990 عندما غزا رئيس النظام السابق صدام حسين دولة الكويت، ويعد تسلم السفير مهام عمله من الناحية الدبلوماسية جزءاً من عودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ 22 عامًا.

مبادرات عراقية

وإلى ذلك، فإن محللين سعوديين كانوا رأوا أن مبادرات وفود عراقية لزيارة الرياض في شباط (فبراير) 2013 لتقديم واجب التعزية للمملكة العربيَّة السعوديَّة، قيادة وشعبًا، في وفاة الأمير سطام بن عبدالعزيز، أمير الرياض الراحل، أظهرت أن المملكة في قلب كل العرب، وأنها على علاقة طيبة مع الجميع، quot;وإن كانت النائبات تقرّب المختلفين فإنّه من الطّبيعي أن يظهر ذلك بين الأشقاءquot;.

وكان وفدان عراقيان على مستوى عالٍ، أحدهماكان برئاسة السيد أسامة النجيفي رئيس مجلس النوَّاب العراقي وضمَّ وزير الماليَّة رافع العيساوي ووزير الزراعة عز الدين الدوله وعددًا كبيرًا من النوَّاب، وآخر برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس التحالف الوطني الشيعي والكتل البرلمانية المكوَّنة من التحالف، زارا الرياض لتقديم واجب العزاء.

وحيث كانت زيارة الوفدين العراقيين للرياض وإن كانت لتقديم العزاء، إلا أن المراقبين لم تخفَ عنهم أبعاد هذه الزيارة التي تتوافق مع الإشارات والمواقف التي كانت سبقت هاتين الزيارتين. فقد رصد المراقبون تصريحات وأقوالاً إيجابيَّة صدرت عن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، الذي حرص أن ينوّه بمواقف القيادة السعوديَّة من مختلف القضايا الإقليميَّة.

وحينها، كرَّر المالكي إشاداته في أحاديث صحفية نشرت في صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية، وبعد ذلك في لقاء تلفزيوني في محطة (دريم) المصريَّة، كما انعكست مواقف المالكي هذه على أقوال ومواقف حلفائه السياسيين، الذين، كما قال المراقبون، اكتشفوا بعد وقت طويل أن المملكة العربيَّة السعوديَّة لم يصدر منها شيءٌ يؤذي العراق، بل كانت مساندة وحمت العراق من أيّ تدخلات، quot;ويكفي أن حدودها مع العراق التي تُعدُّ أطول حدود بريَّة مع دولة أخرى لم تخترق ولم يتم فيها أيّ تسلَّل للعناصر الإرهابيَّة، التي عانى منها العراقquot;.