بينما تعتبر مدينة غازي عنتاب التركية، التي تقع على بعد 40 ميلاً من الحدود السورية، واحدة من المدن المزدهرة التي يقدر عدد سكانها بـ 1.3 مليون نسمة، إلا أنه ليس من الصعب العثور على الإشارات الدالة على احتدام الحرب في الجارة سوريا.


بدأ الاقتصاد التركي المحلي يفقد قدراً من بريقه، رغم أنه مازال يحظى بحالة من النشاط. وقد تقلصت الصادرات إلى سوريا بمقدار النصف منذ العام 2010، وها هي تواصل الانخفاض.

قبل بضعة أعوام، كان الكثير من السوريين الذين يقصدون غازي عنتاب من تجار حلب الأثرياء، حيث يصلون إلى هناك عبر السيارة في مدة تقلّ عن ساعتين. ومعظم الموجودين هناك الآن من اللاجئين، في وقت يفتقر فيه الآلاف منهم للقدرة أو للرغبة في الاستقرار في مخيمات تركية إلى جانب الحدود.

ربما يتذمر السكان المحليون في بعض الأحيان من تأثير تدفق السوريين على أسعار الإيجارات، وإن كان معظمهم يبقى متعاطفًا مع المواطنين السوريين، الذين يلوذون بالفرار من بطش نظام الأسد.

وهو التعاطف الذي أرجعته مجلة التايم الأميركية إلى أسباب عدة، منها العلاقات الأسرية والدينية، حيث إن غالبية السكان في غازي عنتاب من المسلمين السنة مثل الوافدين السوريين.

وقد تسبب نشر الناتو لبطاريات صواريخ باتريوت على طول حدود تركيا الممتدة على مسافة 560 ميلاً مع سوريا، خلال الأسابيع الأخيرة، رداً على طلب رسمي من جانب تركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في إشعال تظاهرات غاضبة في كل أنحاء البلاد.

وبالنظر إلى عمق المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في تركيا، أوضحت التايم أنه لم يكن من المستغرب أن تنشب تظاهرات صغيرة كذلك في غازي عنتاب، حيث وصلت هناك مجموعة من صواريخ باتريوت الأميركية خلال الشهر الماضي. ومازال يحظى نشر تلك الصواريخ، في غازي عنتاب على الأقل، بموافقة صامتة.

قال في هذا الخصوص جوخان باسيك، وهو أستاذ في جامعة زيرف في غازي عنتاب، إنه ومنذ أن بدأت قذائف المدفعية السورية تضل طريقها إلى تركيا خلال فصل الخريف الماضي، لاسيما منذ هذا الهجوم الذي تسبب في مقتل خمسة أشخاص في بلدة أكاكالي الحدودية، وقد بدأت المخاوف تتزايد لدى السكان المحليين بشأن خطر شن هجوم على نطاق واسع.

تابع باسيك حديثه بالقول إن صواريخ باتريوت هذه تتم ملاحظتها هنا باعتبارها آلية لتهدئة تلك المخاوف. فيما أشار مسؤولو الناتو إلى أن البطاريات الست، التي أرسلتها ألمانيا وهولندا والولايات المتحدة، ويتولى مهمتها ما يقرب من 1200 جندي تابعين لقوات الحلف، ستحمي 3.5 ملايين مواطن من أي تهديدات قذائف محتملة.

وقد تم الإعلان عن تشغيل البطاريات الهولندية والألمانية، التي تقع على بعد 100 ميل غرب و60 ميلاً شمال الحدود السورية، على الترتيب، في مطلع الأسبوع الماضي. فيما سيتم تشغيل صواريخ باتريوت الأميركية بكامل طاقتها بحلول الأسبوع المقبل.

مضت المجلة تنوه في الإطار ذاته بأن نشر تلك البطاريات ما هي إلا عملية رمزية عند أحد المستويات، خاصة وأن تركيا قد سبق لها دون جدوى من قبل أن حاولت إقناع الناتو بالتدخل على نحو أكثر قوة في سوريا، كالإقدام مثلاً على فرض منطقة حظر طيران لحماية المواطنين الذين يتعرّضون للقصف من جانب قوات نظام الأسد.

غير أن القوى الغربية تواصل رفضها الانخراط بشكل مباشر في الصراع. لكن هذا لا يعني أن قيمة صواريخ باتريوت قيمة خادعة. فهناك أقاويل تتحدث عن أن سوريا تمتلك مخزونًا ضخمًا من الصواريخ المتوسطة المدى، بما في ذلك صواريخ SS-21 وصواريخ سكود بي إس سوفيتية الصنع.

وطبقاً لتقارير خاصة بحلف الناتو، فقد أطقت قوات النظام بالفعل أكثر من 20 صاروخاً من مثل هذه الصواريخ على معاقل للثوار داخل الأراضي السورية خلال الشهر الماضي بمفرده. وعبّر المسؤولون الأتراك عن تخوفهم من أنه إذا وجد الأسد نفسه في خطر، فإنه قد يستخدم ترسانته ضد تركيا، التي تعتبر شريان الحياة الرئيس للثوار، الذين يناضلون من أجل إسقاط النظام. وسوف تلعب صواريخ باتريوت في مثل هذا السيناريو دوراً حيوياً في الدفاع عن البلاد.

وقال نيك دي لاريناغا من مجلة جينز ديفينس ويكلي: quot;لكن من غير الوارد حتى الآن أن تختار سوريا أو العناصر السورية المارقة شنّ هجوم مركز بالصواريخ الباليستية ضد تركيا، إلا إذا كانت لدى تركيا الجدية بخصوص التدخل في الصراع. ويبدو أن التهديد الأكثر عملية في تلك المرحلة يأتي من الصواريخ السورية التي تطلق على معاقل الثوار، وتكمل طريقها إلى تركياquot;. فيما أكد مسؤولون من حلف الناتو أن طبيعة عملية النشر التي يقومون بها للصواريخ ذات طبيعة دفاعية بشكل تام.

وأشار أنطوني كوردسمان، من مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية، إلى أنه وفي الوقت الذي قد يكون فيه من الممكن من الناحية التقنية استخدام إمكانات صواريخ باتريوت في إسقاط الطائرات، فإن القيام بذلك سيتطلب نقل البطاريات إلى المناطق الحدودية. وأضاف كوردسمان أن النشر الحالي قد يجبر الطيارين السوريين على التفكير مرتين قبل الدخول في نطاق صواريخ باتريوت. فالردع ليس دوماً مسألة مواصفات وقدرات فنية.