طوكيو: بين فوكوشيما وجاكرتا ثم اوكيناوا، يكثر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي من تنقلاته المتسارعة ويفرض على وزارئه وتيرة شديدة الصعوبة، حتى ان بكين تسمع صوته، في ما يمثل موقفا حازما يعجب على ما يبدو اليابانيين الذين اتعبهم السياسيون المصابون quot;بالوهنquot; والمتشابهون.

وفي خطابه حول السياسة العامة الذي القاه الاثنين الماضي امام اعضاء مجلسي النواب والشيوخ بعد شهر على عودته الى الحكم، قال رئيس الوزراء ان quot;اخطر ازمة تواجهها اليابان في الوقت الراهن هي فقدان ثقة اليابانيينquot;.

وخلال ولايته الاولى في 2006 و2007، كان شينزو آبي يتطلع الى quot;يابان جميلةquot;. وبعد ست سنوات ادرك ان quot;نبل الروح اليابانيةquot; لم يعد كافيا لبلاد غارقة في ازمة ويصعب عليها التعامل مع عالم يتغير فيه ميزان القوى.

وقال quot;لا بد من يابان قوية، وهذا لا يمكن لاحد غيرنا، نحن اليابانيين، ان يبنيهquot;.

ولم يتجاوز خطابه عشرين دقيقة خلافا لخطابات سلفه التي تتجاوز الساعة احيانا. وبذلك يثبت رئيس الحزب الليبرالي الديموقراطي انه يركز على الامور الاساسية وبشكل سريع.

ويرى الجميع ان نشاطه ديناميكي ويخضع لاخراج جيد وترويج اعلامي قوي. وهذا ما تدل عليه اجندته المثقلة بالمواعيد من اجتماع حول الازمة الجزائرية (ان اميناس) واعادة اعمار ما دمره التسونامي الى مقابلة مع حائز جائزة نوبل للطب شينيا ياماناكا وجولة في آسيا وتفقد العسكريين في اوكيناوا.

وباختصار، فان الشعور بان هناك طيارا يمسك بمقود الطائرة يثير الحماسة، لا سيما ان المسار يبدو واضحا وان كل الوزراء مثله في الواجهة ارسلوا الى مختلف انحاء البلاد او الى الخارج.

والنتيجة هي ان اخر الاستطلاعات تفيد ان حكومته تحظى بتاييد ما بين 65 الى 68% من المستطلعين، اي اكثر مما كان يحظى به حين حقق فوزه الانتخابي في 16 كانون الاول/ديسمبر، وهو حدث نادر في بلد غالبا ما تنخفض فيه شعبية الحكومة بسرعة وبشدة.

ويستنتج من هذه الارقام ان الامل يعاود اليابانيين بعد الخيبة الكبيرة التي سببها الحزب الديموقراطي الياباني الذي انتخب بنسبة كبيرة في اب/اغسطس 2009 لكنه لم يف باي من وعوده الجذابة تقريبا، فانقلب الناخبون عليه في كانون الاول/ديسمبر وquot;عادوا الى احضانquot; الحزب الليبرالي الديموقراطي من دون اوهام.

ومن دون التخلي عن اي من نزعاته القومية وعن ثوابته (الاصلاح الدستوري والملف الكوري الشمالي والدفاع عن الاراضي) التي بنى عليها مسيرته السياسية، يريد شينزو آبي الان ان يصبح براغماتيا.

وفي دلالة على حنكته السياسية، يماطل رئيس الوزراء في ملفات حساسة مثل النووي، لكنه يهاجم عندما تندلع ازمة لانه ادرك ان الفعل افضل من رد الفعل.

ولذلك اختصر جولة في جنوب اسيا عندما احتجزت مجموعة اسلامية مسلحة 17 يابانيا في الجزائر بعد ان انتقد صراحة التدخل العسكري الجزائري، اثر مقتل عشرة يابانيين.

ويؤيد 75% تقريبا من مواطنيه تعديل القانون حول قوات الدفاع الذاتي كي تتكمن من التدخل لاغاثة مواطنيهم من اي خطر يواجهونه، الامر الذي ليس ممكنا حاليا.

واتخذ ايضا موقفا صارما ازاء الصين بشان جزر سنكاكو المتنازع عليها (دياوو بالنسبة للصينيين)، مؤكدا ان سيادة اليابان quot;غير قابلة للمساومةquot;. لكن ذلك لم يمنعه من اقتراح عقد قمة مع بكين quot;لاعادة بناء علاقات ثنائية ضروريةquot;.

ولم يتردد في ارغام حاكم البنك المركزي لفتح باب الموارد النقدية.

اما بشان وزيره للمالية تارو آسو، فانه ضرب بعرض الحائط انتقادات المستشارة الالمانية انغيلا ميركل وبعض القادة الاجانب الذين اتهموا اليابان بالتلاعب بالعملات.

ويثير هذا الموقف الصارم اعجاب المستثمرين في بورصة طوكيو الذين يتكهنون منذ اسابيع حول حماسة آبي، وهو نهج سياسي نسب اليه وارتبط باسمه الى حد ان المؤشرات تجاوزت مستويات لم تبلغها منذ سنتين ونصف السنة وادت الى انخفاض منشود لسعر الين.

غير ان quot;الرياح المواتيةquot; التي يستفيد منها آبي في الوقت الراهن قد تتغير عند ادنى زلة قدم قد يقوم بها هو شخصيا او احد وزرائه. وهو يدرك ذلك لا سيما انه تعثر في 2007 بعد سنتين فقط من الحكم.