تتحدث زوجة عادل عبد الباري الإسلامي المشتبه فيه عن تجربتها في التنقل بين السجون لزيارة زوجها في بريطانيا، ومعاركها مع البيروقراطية والنضال لتربية أسرة في ظل ضغوط غير عادية. وتقول quot;بعد 20 عاماً من القلق، قد أكون قادرة على استعادة نفسي... ربماquot;.


كيف تشعر امرأة رجل مسجون في بريطانيا منذ 13 عاماً يحارب الترحيل للولايات المتحدة بتهمة الإرهاب، ثم تراه يخسر تلك المعركة؟. في مقتطف من كتاب فيكتوريا بريتين، تتحدث رجاء، زوجة عادل عبد الباري، عن تجربتها في التنقل بين السجون لزيارة زوجها، ومعاركها مع البيروقراطية والنضال لتربية أسرة في ظل ضغوط غير عادية.

التقت رجاء بعادل عبد الباري، الرجل الذي سيصبح زوجها، في العام 1981 بعدما انتقلت عائلتها المصرية من الريف إلى شقة بالقرب من وسط القاهرة.

في تلك الأيام كانت رجاء فتاة شابة ترتدي الجينز الضيق والقمصان القطنية، مع شعر طويل يتدلى إلى خصرها، على الرغم من إصرار والديها على أن تجمعه في ضفيرة، وكان لا يسمح لهم بوضع الماكياج.

من الموسيقى إلى الدين
في جامعة القاهرة، وجدت رجاء نفسها تدرس التجارة بدلاً من الفن أو الموسيقى، التي لطالما أرادت أن تتخصص بها، ولذلك عندما صدرت نتائج الامتحان المدرسي النهائي لم تكن جيدة بما فيه الكفاية.

لم تمر فترة طويلة حتى بدأت زميلاتها في الجامعة بإقناعها بارتداء الحجاب، وبأن شعرها الجميل يحتاج تغطية، وسرعان ما دفعنها إلى ارتياد مسجد الكلية، حيث تقول إنها quot;وجدت السلام والهدوءquot;.

دروس... وغرام
بدأت رجاء وشقيقتها بمتابعة دروس أكثر صرامة في الإسلام، وترددتا إلى صفوف إسلامية، يقوم فيها رجل دين بالتبشير من وراء ستار، حتى لا يرى الفتيات. وذات يوم، بعد انتهاء اليوم الدراسي، التقت رجاء بأستاذ الدراسات الإسلامية في الشارع، وأعجبت بوسامته ولحيته المشذبة، فتصورت أنه سيكون من الجميل أن تكون زوجة له.

خيام سوداء تودي بحياة السادات
في وقت لاحق تحقق حلمها عندما جاء وعائلته لخطبتها من والدها، فكان الزواج. في ذلك الوقت، كانت مصر تتقلب في التوتر السياسي والديني، ففي 3 أيلول/سبتمبر 1981 كان الرئيس أنور السادات يشنّ حملة على الزعماء الدينيين والسياسيين والصحافيين وضباط الجيش وغيرهم، وسخر من الفتيات اللواتي ترتدين الشادور، واصفاً إياهن بـ quot;الخيام السوداءquot;.

اغتيل السادات بعد هذه التصريحات بوقت قصير خلال عرض عسكري، على يد مجموعة من الضباط الإسلاميين الشباب، وخلفه قائد عسكري آخر، حسني مبارك.

بعد عودته من الدراسة في اليمن، تزوج عادل برجاء بشكل رسمي (العقد الإسلامي المكتوب)، فاعتقدت الشابة المصرية أن الحياة التي كانت تحلم بها على وشك أن تتحقق، لكن سرعان ما ألقي القبض على زوجها مع آلاف من معارضي نظام مبارك. وأمضت رجاء ستة أشهر في محاولة للعثور على زوجها في مصر، فتنقلت من سجن إلى آخر، حتى عثرت عليه، وقد أصبح ضحية لشتى أنواع التعذيب، من الشنق والصعق بوساطة الكهرباء، إلى الحبس الانفرادي.

دعم الزوج لا يروق الأهل
انتقل عادل إلى المستشفى لبعض الوقت، ثم إلى سجن عادي، من دون أن تعرف رجاء متى سيتم الإفراج عن زوجها. هذه الحال أدت إلى توتر كبير في العلاقة بين رجاء وعائلتها، فعلى الرغم من أنها كانت تعيسة، إلا أنها لم تقبل بالتخلّي عن زوجها في محنته.
quot;كنت مراهقة عنيدة. لقد صبرت وتحمّلت من أجله، فقد كان أول رجل في حياتي، وكنت أرغب في دعمه، فهذا واجبيquot; تقول رجاء.

نقاب ولحية وحرق صور عائلية
تحدثت الزوجة المصرية عن طريقة عادل في تربية أبنائه ndash; حتى من السجن ndash; فقد أثّر في ابنه، وأقنعه بأن يطيل لحيته، وطلب من ابنته أن ترتدي النقاب، كما أحرق كل الصور العائلية، وأرغم رجاء على البقاء في المنزل، وهو أمر نفذته حينها، لكنها تندم عليه اليوم.

خرج عادل من السجن، لكنه بقي طوال السنوات الأولى من حياتهما الزوجية في دخول وخروج من السجن كل ستة أشهر، حتى تحولت رجاء إلى امرأة بائسة لا تعرف الفرح.

في نهاية المطاف غادر عادل إلى الولايات المتحدة، ومن ثم في وقت لاحق إلى المملكة المتحدة. وكان قد أنهى دراسته في السجن، وأصبح محاميًا ذائع الصيت في مجال حقوق الإنسان، ولديه اتصالات قوية مع منظمة العفو الدولية أثناء سنوات الاعتقال في مصر.

في عام 1990، اكتسب عادل حق اللجوء إلى المملكة المتحدة، وذلك بعد ثلاث سنوات من وصوله إليها. لاحقاً، انضمت رجاء وأطفالها إلى عادل، حيث عاشوا حياة عائلية هادئة في لندن.

في ذلك الوقت، لم تكن رجاء تجيد الانكليزية، وبالكاد كانت تخرج من المنزل، بالطبع مع زوجها وأصدقائه وزوجاتهم. وتقول: quot;فعل كل شيء لي وللأولاد هنا في لندن. كنت سعيدة لأنه كان معي، وكان يلعب مع الأطفال، ويأخذنا إلى الحديقة. لقد حظينا بالحياة العادية التي لم نعرفها في مصرquot;.

القاعدة قلبت الموازين
في صيف العام 1998، فجّر تنظيم القاعدة سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، مما أسفر عن مقتل 220 شخصاً وإصابة 5000 تقريباً. انتهت الحياة الطبيعية بالنسبة إلى رجاء في لندن، إذ سرعان ما وجدت الشرطة البريطانية في منزلها يفتش عناصرها غرف النوم وملابس الأطفال، ويمزقون صفحات من أي كتب تتضمن أرقام هواتف، بحثاً عن عادل.

اقتيد عادل بعيداً، وأرغمت رجاء وأطفالها الخمسة على صعود حافلة نقلتهم إلى أحد الفنادق، حيث بقيت لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، من دون أية معلومات عن زوجها أو سبب احتجازها في فندق، ومن دون أن تتصل بعائلتها في مصر، فشعرت باليأس والوحدة.

عندما عادت أخيراً إلى منزلها، وجدت أن الشرطة قد قلبته رأساً على عقب، والأدراج مفتوحة، وقد كسر الباب الأمامي والبوابة المعدنية التي دخلوا عبرها، ولم تعرف رجاء ماذا ستفعل، إذ إن زوجها هو الذي يملك القرار الحكيم بشأن الخطوة المقبلة.

لا مبررات للاعتقال
بعد خمسة أيام، عاد زوجها إلى المنزل، واستأنف الحياة الأسرية من دون مناقشة ما حدث. ووجدت الشرطة البريطانية أنه لم يكن هناك مبرر لتوجيه تهم بالإرهاب إلى عبد الباري.

لكن بعد ستة أشهر، لاحظت رجاء أكثر من مرة أن أحدهم يراقبها، فقالت لزوجها، الذي أبلغ اشرطة. لكن أعيد اعتقاله بعد أسبوع، وطلب تسليمه من قبل الولايات المتحدة للتهمة نفسها، واعتماداً على الأدلة نفسها التي رأى القضاء البريطاني أنها غير صالحة.

بين عامي 2002 و2008، أمضت المملكة المتحدة ست سنوات في محاولة التوصل إلى قرار تسليم عادل للولايات المتحدة. وعمل المحامون على تقديم العديد من المراجعات القضائية، بما في ذلك التقارير الطبية التي تحذر من الاكتئاب الخطر الذي تعرّض له والخطر في أن يقدم على الانتحار في السجن.

أم عازبة
خلال تلك السنوات، مر الكثير من الأحداث التي لم يستطع عادل التواجد فيها إلى جانب عائلته: وفاة والدته، حفل زفاف ابنته، وتحوّل أطفاله إلى رجال. طوال هذه الفترة، كان عادل بمثابة شبح لا يمكن الوصول إليه، مما ترك رجاء، بين عشية وضحاها أمًا عازبة، مرتبطة بزوجها فقط من خلال مكالمة هاتفية يومية من السجن.

تقول رجاء: quot;خلال الزيارات إلى السجن، كنت أجلس فقط وأشاهد الأطفال يتحدثون مع والدهم ويلعبون معه. وكنت أفكر في سري كم أنه من الظلم ألا يعرفوا شيئاً عن والدهم، وأن الطريقة الوحيدة لرؤيته هي من خلال قضبان السجنquot;.

تسللت سنوات من الاكتئاب داخل منزل رجاء في السنوات الماضية، فكانت تكافح مع ستة أطفال في عزلة تامة، ونادراً ما تتصل بعائلتها في مصر، حتى ذبلت الروابط بينهم. وفي العام 2004، توفيت والدتها، فلم تستطع حضور الجنازة، لأنها لا تملك جواز سفر، وهو أمر لا تغفره لنفسها.

منازل مدرسية خوفًا من الانحراف
في شقتها في لندن، كانت رجاء تسمع قصصًا عن المخدرات والعنف والجريمة، فأخرجت الأطفال من المدرسة خوفاً عليهم وعلمتهم في المنزل. هذه المسؤولية سببت لها إرهاقاً شديداً، لا سيما في ظل عدم توافر المدخول وشح المال، فمرت أيام طويلة نامت فيها على الأرض، من دون تدفئة في الشتاء، مما أدى إلى معاناتها من مشاكل صحية كثيرة.

تزوجت ابنة رجاء البكر بابن عمها في سنّ صغير، وهو زواج مدبّر من قبل عادل أثناء وجوده في السجن. وسرعان ما وجدت رجاء نفسها مضطرة لتربية أحفادها، الذين كانوا يقضون معظم وقتهم في منزلها.

صفوف حياكة وجوائز جامعية
بعدما طال احتجاز زوجها وراء القضبان، انضمت رجاء إلى صفوف للخياطة، وارتادت الجامعة، بعدما أقنعت زوجها بذلك. وعانت الكثير لإقناع الكلية بقبولها، لا سيما بسبب ضعف لغتها الانكليزية، لكن في النهاية نجحت في دخول الجامعة، حيث استعانت بالكتب، وزارت المتاحف، وبحثت عبر الانترنت، لتتعلم المزيد عن مهنتها الجديدة. وتمكنت رجاء من إثبات نفسها في هذا المجال، فصممت العديد من قطع الملابس، التي حازت جوائز من قبل إدارة الجامعة.

عودة quot;البريطانية الباردةquot; إلى مصر
في نهاية العام، نجحت رجاء بامتياز، وتم قبولها في الدراسات العليا على مدى سنتين، على الرغم من أن زوجها قال لها إنه يفضّل أن تبقى في المنزل. كان عادل يشعر بالقلق على زوجته، حتى إنه حذرها من ألا تسافر إلى مصر عندما حصلت على جواز سفرها في العام 2009، لكنها أصرّت على السفر لرؤية عائلتها في القاهرة. ما إن وصلت إلى منزل والديها، حتى أدركت حجم الوحدة التي كانت تعيش فيها، لكن بعد فوات الأوان، إذ إن العائلة وجدت أن ابنتها أصبحت quot;بريطانية باردةquot;.

في أواخر عام 2010 تم نقل زوجها ومجموعة صغيرة من الرجال إلى السجن في مانشستر لارتين، حيث بقي لسنوات. وسرعان ما صارت المكالمات الهاتفية تتمحور حول الشكاوى من سوء المعاملة وقلة الاحترام من قبل حراس السجن العنصريين، مع قوانين جديدة بأن تكون المكالمات الهاتفية باللغة الإنكليزية، وليست باللغة العربية. وبما أن مانشستر كانت بعيدة عن مركز إقامة رجاء، لم تتمكن من زيارة زوجها.

بعد فترة من الوقت، أبلغ عادل زوجته أنه متجه نحو إضراب عن الطعام للاحتجاج على المعاملة التي يلقاها، فعرّفت الفتيات أن والدهن سوف يموت، وقضين ليالي من البكاء، ومحاولة التواصل مع المحامين، للطلب بتنظيم زيارات طارئة له.

مرت الآن أربعة أشهر منذ أن شاهدت رجاء وأطفالها عادل في السجن. بعدما أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان رفضاً لاستئنافه النهائي في خريف عام 2012، تم جلب بعض أغراضه الشخصية من منزله في لندن إلى السجن. ومنذ ذلك الحين توقفت اتصالاته اليومية.

البحث عن استعادة النفس
تحدثت رجاء مرتين عبر الهاتف مع عادل من سجنه في نيويورك، وتحدث مع أطفاله معظم الوقت، ثم ألقى التحية على زوجته التي تعرف أنه في الحبس الانفرادي، ولا يرى إلا المحامين بانتظار المحاكمة في أكتوبر/ تشرين الأول.

الآن تقضي رجاء أيامها وحيدة في لندن، وتقول: quot;أنا أحيا من أجل أطفالي فقط. بعد 20 عاماً من لا شيء سوى القلق، قد أكون قادرة على استعادة نفسي...ربماquot;.