كان ميدان التحرير في القاهرة قبلة الثوار الأحرار المخلصين لبلدهم، أسقطوا فيه حكم الرئيس حسني مبارك خلال 18 يومًا. اليوم، وبعد عامين على الثورة، يسرح البلطجية في الميدان، ويمرح تجّار المخدرات، ما أفقد المكان رومنسيته النضالية.
القاهرة: منذ إندلاع ثورة 25 يناير، كان ميدان التحرير وما زال رمزًا لتلك الثورة التي أبهرت العالم بسلميتها ورقي المشاركين فيها. كان الساسة الأجانب يحرصون على زيارته، وإلتقاط الصورة التذكارية وسط الجماهير، لكنه الآن صار مكانًا خطرًا، يتحاشى هؤلاء الضيوف زيارته.
مع إحياء الذكرى الثانية للثورة، بدا واضحًا أن الميدان الشهير لم يعد يحتفظ بطهارته ونقائه، بل شابه الكثير من المظاهر السلبية التي أثرت على صورته، لدرجة أن أحد الكتاب وصفه بميدان التحرش والإغتصاب.
وأغلق الثوار ميدان التحرير منذ يوم 24 كانون الثاني (يناير) الماضي، ووضعوا المتاريس والقطع الحديدية والأسلاك الشائكة في المداخل المؤدية إليه من كافة الجوانب، ولم يعد مقصدًا للسيارات. عدد قليل جدًا من السيارات يمكنها أن تمر، بعد أن يدفع سائقها مالًا لبلطجية استغلوا الأمر لتحقيق مكاسب.
وكانت quot;إيلافquot; شاهد عيان على إختراق سيارتين للميدان من ناحية المتحف المصري، يوم السبت 16 شباط (فبراير) الجاري في العاشرة مساء، دفع سائقاها مالًا لأثنين كانا يحرسان المدخل. وهاتف أحدهما شخصًا آخر ليفتح الطريق من الناحية الأخرى لتمر السيارتان.
إتجارٌ وتعاطٍ
وتنتشر في ميدان التحرير خيام المعتصمين من المتظاهرين السلميين، الذين يعترضون على حكم الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، لكن تتناثر أيضًا في أوساط المعتصمين أعداد كبيرة من البلطجية الذين يرتدون زي الباعة الجوالين، يتحولون إلى مجرمين محترفين خلال المظاهرات الحاشدة، يمارسون عمليات التحرش العنيف والإغتصاب الممنهج للفتيات والنساء اللواتي يرتدن الميدان، بل أن بعضهم يمارس تجارة المخدرات والسرقة سواء بالمغافلة أو بالإكراه تحت تهديد السلاح.
وكانت quot;إيلافquot; شاهد عيان أيضًا على تعاطي مجموعة من الشباب للمخدرات في وسط ميدان التحرير، حيث تنتشر المقاعد التي يضعها بعض الباعة لتقديم الشاي والقهوة والمشروبات الساخنة.
وتنشب معارك حامية بالأسلحة البيضاء، وأحيانًا النارية، في ما بين الباعة الجوالين أو بينهم وبين المعتصمين. كانت آخرها مساء الإثنين 18 شباط (فبراير)، حيث استخدم المعتصمون والباعة السلاح الناري كالخرطوش، وزجاجات المولوتوف، إلى جانب الحجارة والعصي.
وكانت quot;إيلافquot; شاهد عيان أيضًا على ستة شباب وفتيات، لا تتعدى أعمارهم السادسة عشرة، يترنحون تحت تأثير المخدرات أو الخمر، وكل شاب يضع يده على كتف فتاة في اسلوب غير محتشم. تحركوا ناحية المتحف المصري، وذابوا في الظلام.
فقد رومنسيته
ولا ينكر المعتصمون في ميدان التحرير أنه فقد رومانسيته، أو الروح الملائكية التي ظهر بها خلال 18 يومًا احتشد خلالها فيه المصريون، ولم يبرحوه إلا بعد رحيل الرئيس السابق حسني مبارك.
وقال محمود جمال، الذي يعتصم بالميدان إحتجاجًا على حكم مرسي منذ الذكرى الثانية للثورة، لـquot;إيلافquot;، إن الظروف تغيّرت طوال العامين الماضيين، وجرت في الميدان مياه كثيرة واختلطت المياه النظيفة بالمياه الآسنة.
وقال إن الميدان لم يعد يمتلك الكاريزما نفسها التي كانت لديه خلال 18 يوماً الأولى من عمر الثورة، لا سيما بعد أن اندس فيه المجرمون والبلطجية الذين ينتهزون أي فرصة من أجل تحويل التظاهرات إلى إشتباكات عنيفة.
وأضاف أن الباعة يمثلون مشكلة خطيرة للمعتصمين في الميدان، quot;لا سيما وأن غالبيتهم بلطجية ومسجلون خطر، وتابعون للشرطة أو يتلقون أموالًا من تيارات سياسية معينة من أجل تلويث سمعة الميدان، إما بتعاطي المخدرات أو إختلاق المشاكل والمعارك مع المعتصمين أو المارة أو أصحاب المحال التجارية، أو القيام بعمليات تحرش أو إغتصاب بحق المتظاهراتquot;.
ولفت جمال إلى أن الثوار عادة ما يلجأون إلى تطهير الميدان من وقت الى آخر، quot;وتتولى اللجان الشعبية عملية تأمين الميدان فتكافح البلطجية والباعة، خصوصًا المعروف عنهم سوء السمعةquot;.
فتح الميدان
ووصف اللواء سيد شفيق، مدير المباحث الجنائية بالقاهرة، ما يحدث في الميدان بالأعمال المخزية. وقال في تصريحات صحافية: quot;ثمة قوى سياسية تغض الطرف عن المتواجدين بميدان التحرير نتيجة لضغوط، وعلى هذه القوى رفع الغطاء عمن دنس الميدان أيقونة الثورة المصريةquot;.
وأضاف: quot;يحتمي كثير من المجرمين والخارجين عن القانون في الميدان، لأن الشرطة تتجنب دخوله، ومن يحب بلده لا يغلق ميدان التحرير ويعطل مصالح الناسquot;، داعيًا التيارات السياسية رفع الغطاء عمن يتواجدون في التحرير. وقال: quot;الداخلية قادرة على فض هذا الاعتصام خلال ساعاتquot;.
وتجري مفاوضات حاليًا بين بعض شباب الثورة ووزارة الداخلية من أجل فتح الميدان أمام المرور. لكن شباب الثورة يشترطون إزالة كافة الحواجز الخرسانية التي تغلق الشوارع المؤدية للميدان، وتوفير الحماية للمعتصمين والتعهد بعدم التعرض إليهم.
التعليقات