تحاول مجالس الحكم المحررة من قبضة قوات النظام إيجاد أنظمة وقوانين وحتى قوات شرطة لإدارة الحكم المحلي في تلك المناطق، لكن الجوع الذي يعانيه الناس قد يدفع السكان للثورة على ثورتهم بعدما طال أمد الحرب.

تابع محمد موسى بقلق عمل خباز البلدة على ضوء مصباح يدوي لتصليح جزء من الفرن العتيق ، وهو مصدر البلدة الرئيس لإطعام اهلها.
ويمضي موسى (33 عاما) معلم اللغة الانكليزية سابقا ورئيس المجلس البلدي الجديد في البلدة الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية على بعد كيلومترات قليلة من خطوط القتال ، جل وقته في معركة لا تمت الى الحرب بصلة وكل ما يريده معالجة النقص في كل ما تحتاجه البلدة تقريبا.
وقبل أقل من شهر كان سكان بلدة تيلاليان البالغ عددهم 3800 شخص يأكلون الخبز مرتين تقريبا في الاسبوع وكان مجيئه يثير تدافعا بين مئات العائلات. وكانت الكهرباء والماء يأتيان بصورة متقطعة بالإضافة إلى شح الدواء أو وقود التدفئة.
وقال موسى لصحيفة نيويورك تايمز ان الأهالي quot;سيثورون على الثورة لأنهم جياع ليس لديهم ما يأكلونهquot;.
محاولة خلق نظام
وإذ لا تلوح بوادر حسم في حرب سوريا المستعرة منذ عامين شُكلت عشرات المجالس المحلية الجديدة في بلدات تحت سيطرة المعارضة مثل تيلاليان. وتعمل هذه المجالس لا من أجل تخفيف وطأة الحرمان وازمة المواد الضرورية فحسب بل انها تحاول تشكيل محاكم وقوات شرطة وتوفير خدمات اجتماعية. وتعتبر جهود هذه المجالس تجربة سوريا الأولى في الادارة الذاتية بعد عقود من استبداد النظام وادارته المركزية البيروقراطية.
وتكافح هذه المناطق من اجل الصمود والانتصار على نظام بشار الأسد في نزاع أخذ يصبح بصورة متزايدة حرب استنزاف وصراع ارادات. ولكن القادة المدنيين في هذه البلدات يقولون انهم يحاولون انتزاع السلطة من الكتائب المسلحة التي تتصارع على الموارد والأرض لملء الفراغ الذي تركه انسحاب النظام. ويتجسد هذا التحدي في مجلس بلدة تيلاليان الذي اضطر الى الاعتماد الكامل على ما تقدمه معارضة الخارج المدعومة من الغرب أو الفصائل المسلحة المتنازعة فيما بينها على النفوذ ، بما فيها جماعات اسلامية متطرفة.
كهرباء 4 ساعات في اليوم
ولكن مجلس تيلاليان ، بعد ثلاثة اشهر على تشكيله ، يستطيع التفاخر بإنجازين هما توفير الكهرباء اربع ساعات في اليوم وحصة غذائية يومية من رغيفين لكل بالغ وطفل. واضفى هذا مصداقية وشرعية حتى بنظر وجهاء البلدة وشيوخها الذين كانت تساورهم شكوك في البداية.
وقال مصطفى عثمان (39 عاما) خطيب جامع البلدة لصحيفة نيويورك تايمز quot;ان الشباب هم مستقبل سورياquot; مشيرا الى انه كان المبادر الى ترشيح شباب مثل موسى لعضوية مجلس البلدة.
وتعكس هذه المنجزات الخليط المتناقض من الصمود والهشاشة الذي اتسمت به الحياة في ريف تيلاليان الواقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة على امتداد نحو 65 كلم من الحدود التركية في شمال شرق سوريا.
ألغام تصد قوات النظام
ويقول مواطنون من سكان البلدة انها لم تتعرض لتهديدات النظام بالهجوم عليها منذ الخريف الماضي عندما قام مقاتلو المعارضة بزرع الألغام في الطرق والمنافذ المؤدية اليها. والخطر الأكبر هذه الأيام يأتي من طيران النظام الحربي ولكنه يركز غاراته على بلدات أكبر مثل اعزاز وماريا. كما ان الطائرات لا تحلق في الأجواء الغائمة متيحة لأهل البلدة الخروج والسير في الشوارع حتى مغيب الشمس.
وعندما قرر القادة المحليون في تيلاليان تشكيل حكومة محلية موقتة في كانون الأول/ديسمبر الماضي بدأوا جمع شيوخ يمثلون نحو 24 عائلة كبيرة لانتخاب مجلس من بينهم.
ولكن الاجتماع انفضّ وسط شجارات بين الحاضرين. وقال خطيب الجامع عثمان quot;انهم لم يتمكنوا من الاتفاق على أي شيءquot;. إذ كان كثيرون منهم ما زالوا خائفين من ربط اسمائهم بسلطة المعارضة ، quot;لكي لا يُذبحوا مع عائلاتهمquot; ، كما لاحظ موسى مازحا. واضاف quot;ان الشيوخ يعتقدون ان بشار الأسد قوي جدا ولن يرحل ابدا ولكننا نعتقد ان تفكيرهم هذا ليس صحيحا لأننا نرى كل يوم ان نظامه يتلاشى ويزولquot;.
الشباب يقودون المجلس
وبعد ان يئس خطيب الجامع من اتفاق شيوخ العائلات الكبيرة اعلن عثمان بعد صلاة الجمعة العام الماضي عن تشكيل مجلس جديد واستعداده لسماع تظلمات الأهالي. وبعد ساعتين استدعى عثمان خمسة شباب بينهم موسى وقال لهم انهم اعضاء في المجلس بقرار احادي منه.
وجميع اعضاء المجلس الخمسة خريجون من جامعة حلب ليس لديهم اي خبرة قتالية. اثنان في السادسة والعشرين من العمر وواحد في السابعة والعشرين والأكبر سنا في الرابعة والثلاثين وموسى بالطبع. ويضم المجلس عثمان والقائد العسكري في البلدة مصطفى جابر البالغ من العمر 38 عاما . وحتى ذلك الوقت كانت مساهمة الشباب الوحيدة في الحرب تشكيل لجنة اعلامية. ونظر الشيوخ باستهجان الى تسليم شؤون بلدتهم إلى شبان كهؤلاء مطالبين بأشخاص بمستواهم يمكن التفاهم معهم. ولكن الكتيبة المحلية رفضت مطلبهم. وقال موسى ان المجلس المدني يأخذ بعض سلطة الكبار ومن هنا تذمرهم.
ولدى كل كتيبة من الكتائب التي تنضوي غالبيتها بصورة فضفاضة تحت لواء الجيش السوري الحر في المنطقة ، هيئة اغاثة وجناح سياسي لتعزيز موقعها بعد سقوط بشار الأسد . وقام لواء التوحيد من بلدة ماريا ذات يوم بمصادرة نحو طن من الدقيق من مخزون بلدة تيلاليان المتناقص اصلا.
وقال احمد الخطيب مسؤول الاغاثة في لواء التوحيد ان ليس من حق موسى ان يقدم مطالب لأن بلدته لم تدفع ثمنا باهظا في القتال ضد قوات النظام.
ولكن شباب المجلس سارعوا الى سد العجز ، وبألف دولار قدمه ائتلاف المعارضة تمكنوا من تصليح المحولات لاعادة الكهرباء التي تحتاجها البلدة لضخ الماء من بئرها. ثم بدأوا يتفاوضون على الكهرباء مع الكتيبة التي سيطرت على مولدات سد تشرين.
ولتوفير الخبز ناشد مجلس تيلاليان بلا جدوى المنظمات الانسانية الدولية التي تعمل عبر الحدود داخل الأراضي التركية. ثم حاولوا شراء الدقيق عن طريق بلدة تل رفعت وفي النهاية جربوا حظهم مع مدينة حلب المدمرة نفسها.
وقال اعضاء في مجلس البلدية ان الحل جاء من جبهة النصرة التي أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الارهابية. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن عضو المجلس موسى عن جبهة النصرة quot;اعطونا الدقيق بسعر يقل 20 في المئة عن سعره في السوق السوداءquot;. وقاطعه ادهم ناصر (34 عاما) وهو معلم آخر في المجلس قائلا quot;ان جبهة النصرة تسيطر الآن على أهم الأشياء في الحياة ـ مثل الدقيق والماء والكهرباء ـ لكي تجعل الناس ينظرون الى جبهة النصرة على انها النموذج ، الشيء الأمثل. وهذه الخطة واضحة جدا لنا لكن اللعبة لن تنطلي علينا لأن مستقبلنا ليس مع جبهة النصرة. فنحن لا نحتاج الى افغانستان في سورياquot;.