أثناء بحث المرأة العراقية عن حقوقها الاجتماعية، تصطدم بعائق النص الديني الذي يقدم لها حقوقها لكن بشروط، ما ينفي عنها صفة الحقوق. كما تصطدم بعائق العرف الاجتماعي الذي ما زال محافظًا على مرجعيته الذكورية، بلا قيد أو شرط.

بغداد: ينبري اصحاب النظرة المحافظة في المجتمع العراقي إلى اتهام المرأة وأنصار تحررها بالسعي إلى ترسيخ مفاهيم الثقافة الغربية في علاقتها بالرجل، ودورها في المجتمع، منتقدين الانفتاح الاعلامي والاجتماعي الذي اتاح اشاعة هذا المفهوم، الذي تجسده فعاليات المرأة في المجتمع الغربي، والمسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية التي تمجّد دور المرأة، وتظهرها في بعض الاحيان متفوقة على الرجل، ليس فكريًا فحسب، بل وجسديًا ايضًا.
رأيان
يرى سليم الياسري، الطالب في كلية الشريعة، أن أي تشريع إسلامي يخص المرأة له مقاصده في حفظ كرامتها، ومنع الرجل من استغلال جسدها وقدراتها، بينما يرى آخرون في النظم الدينية تعزيزًا لذكورية المجتمع، وتسلط الرجل على المرأة، أمًا وأختًا وزوجة وابنة.
وأحد الامثلة التي يسوقها الياسري مسألة الحجاب. يقول: quot;مهما سعى البعض إلى وصفه بأنه اذلال للمرأة وتعويق لحريتها، فإنه حجر الزاوية في الحفاظ عليها من نظرة الرجل الجنسية، فحين تسأل امرأة عراقية عن سبب تحجبها، تجيبك أنها اختارته بنفسها، من دون ضغط، وأنها تشعر بقيمتها وابتعادها عن الابتذال والوضاعة التي سببتها الثقافة الغربية للرجلquot;.
ويضيف الياسري: ثمة دليل آخر وهو حرص المسلمات المقيمات في الغرب على ارتداء الحجاب، على الرغم من علمانية المجتمع هناك وانفتاحه، فهل هناك من يجبرهن على ارتداء الحجاب هناك؟ بالتأكيد، لاquot;.
ويختم قائلًا: quot;هؤلاء العلمانيون يعانون من الانفصام، فنساؤهم وبناتهم يرتدين الحجاب عن طيب خاطر.
التقاليد الغربية
ثمة من يتهم التقاليد الغربية بالسعي إلى استخدام المرأة في الاثارة الجنسية، عبر استغلال جسدها وحتى صوتها وملابسها، في الافلام والموسيقى والغناء وفي عروض الازياء. ويؤكد هذه الافكار الشيخ على الكعبي من النجف، إذ يرى أن هؤلاء يتكلمون عن التحريم الجنسي في التشريعات الاسلامية ويتغاضون عن الاباحة الجنسية التي تسببها الثقافة الغربية، والتي جعلت من المرأة سلعة مبتذلة.
غير أن المدرس كامل فاضل، والمعروف بأفكاره العلمانية بين اصدقائه وطلابه، يشير إلى أن طبيعة العصر تحتم تفسيرًا عصريًا للمفاهيم الاسلامية في ما يخص دور المرأة في المجتمع، quot;فأغلب التشريعات الاسلامية والتقاليد العشائرية تنطلق من أن مكان المرأة هو المنزل، ودورها في المجتمع هو انجاب الاطفال وتربيتهم، وأنها يجب أن لا تتخلى عن ذلك الا للضرورات القصوى فقط، فهذه النظرة المحافظة ترتبط بشكل وثيق بمفهوم التّحريم الجنسيّ، وأنها تعني في مجملها مضامين جنسيّة متطرّفة إلى طبيعة الرّجل وطبيعة المرأة، وإلا ما سبب تحريم السّلام باليد بين الرّجل والمرأة، ومنع الاختلاط؟quot;.
يقول فاضل: quot;تركز كل هذه المفاهيم على النيّة السيئة، في المرأة وفي الرجل، ولا تركز على النيّة الحسنةquot;.
حقوق مشروطة
يعدّد الياسري الكثير من حقوق المرأة التي انعم الاسلام عليها، كحقها في القضاء والنفقة والخروج من البيت والسفر إذا كان زوجها موافقًا، وإبداء زينتها أمام محارمها وزوجها، ورفض المعاشرة الزوجية إذا كان لديها عذر، اضافة إلى حقها في معصية أوامر الزوج إذا كانت تتعارض مع الإسلام، وحقها في المشاركة السياسية.
لكن فاضل يشير إلى الكثير من الحقوق المنقوصة وغير المعترف بها. يقول: quot;حتى الحقوق التى قدمت لها فيها اشتراطات موافقة الرجل أو اشتراطات محددة أخرىquot;.
وأحد الحقوق الغائبة بحسب فاضل عدم مساواة المرأة مع الرجل في الميراث، وعدم استطاعتها تزويج نفسها من دون ولي أمرها. يتابع: quot;لا يحق للمرأة ولاية عظمى لقول الرسول (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، كما أن سفر المرأة يشترط الإذن من زوجها، ورفضها المعاشرة مربوط بعذر، وينقص من حق المرأة ايضًا في إبداء زينتها أمام غير المحارم وغير الزوج، كما ليس لها الحق في خلع الحجاب في الأماكن العامةquot;.
ويتابع فاضل: quot;لا تتساوى شهادة المرأة مع الرجل أمام المحكمة في الأمور المالية، ولذلك أرى أن القوانين الغربية اكثر ملائمة للعصر في ما يتعلق بدور المرأةquot;.
انتقاص الحقوق
ينطلق رجل الدين السني عبد القادر محمد في افكاره المعارضة لمساواة المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات، إلى قواعد شرعية ومنطقية ايضًا، كما يقول. فهو يرى أن من الظلم المناداة بالمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق لأنه تجاوز على الأحكام الشرعية والفطرة السوية والطبيعة التي خلق بها الله المرأة، و هي دعوات تؤدي إلى تجريد للمرأة من أنوثتها وفطرتها.
ويرى الباحث الاجتماعي ليث الخفاجي أن هناك من يسعى إلى تغييب دور المرأة في المجتمع، مؤمنًا بأن الدور الذكوري يجب أن يبقى مهيمنًا، لأنه يناسب طبيعة المجتمع المسلم.
يرد الخفاجي اسباب عدم الاعتراف بحقوق المرأة والنظر بدونية تجاهها إلى الازدواجية في الرجل العراقي، quot;فبينما يصف المرأة بالجنس اللطيف وأجمل المخلوقات، فإن سلوكياته تجاهها لا تدل على ذلك، إذ يلجأ إلى شتمها و ضربها وقتلها أحيانًا، وإلى السلوك العنيف الذي يتميز به الرجل العراقي، وإلى الاحباطات التي جعلت من المرأة وعاءً لتفريغ شحنات الغضب والألمquot;.
المرجعية الذكورية
تضيف الناشطة النسوية سهيلة رحيم اسبابًا أخرى، منها الجهل واختلال قيم الثقافة الاجتماعية والعادات والتقاليد الاجتماعية التي تستند إلى مفاهيم ومعتقدات خاطئة وأفكار نمطية تتجسد في تصوير المرأة على أنها وصمة عار على أهلها اذا ما ارتكبت ما يخالف التقاليد والعادات.
وترى المحامية والناشطة النسوية ابتسام رسول أن الرجل يسعى إلى تأكيد مرجعيته للعائلة والمجتمع بشكل عام، عبر الاستناد إلى قواعد شرعية أو أعراف عشائرية، quot;وليس غرضه الالتزام بأصول الدين قدر استغلاله هذه الاصول لتحقيق غاياته الخاصةquot;.
أحد الامثلة على ذلك، بحسب ابتسام، هو مفهوم الرجل قوَّام على النساء، وتفضيل الرجال على النساء، يتخذ منه الكثير من الرجال حجة لتأكيد سلطتهم وتسلطهم، من دون ادراك المعنى الحقيقي للقوامة.
وترى ابتسام أن القوامة لا تتحمل في تفسير معانيها اكثر من فكرة أن هناك اختلافاً في أصل الخلقة، وبالتالي هناك تفاوت في التكاليف والأحكام، وليس تسلطًا وفرض مرجعية ذكورية.
غير أن من النساء الملتزمات دينيًا، يقفن ايضًا إلى جانب تأكيد مرجعية الرجل وقوامته، اذ ترى زينب أن المرأة تحتاج إلى القوامة. وتقول: quot;اشعر بالسعادة وأنا ارى زوجي هو القوام وارفض مساواتي بزوجي أو الاستعلاء عليهquot;.