على مجلس الأمن الدولي العمل لمنع وقوع كارثة إنسانية جديدة، وهذه المرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق. فقبل عشر سنوات، بدأت الحكومة السودانية بعمل عسكري ضد الجماعات المسلحة في دارفور، أدى إلى مقتل أكثر من 300.000 شخص، وتشريد 3 ملايين آخرين، في ما وصفته لجنة تحقيق الأمم المتحدة بأنه جرائم ضد الإنسانية.


سرعان ما تحوّلت دارفور، وهي منطقة لم تكن معروفة سابقاً في غرب السودان، إلى مرادف لأكثر الصراعات الحديثة وحشية.
زار السياسيون من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، منطقة دارفور، وعادوا منها بذكريات حية للشعب السوداني، وحكايات عن المعاناة التي أصابتهم. كما تجوّلوا في مخيمات اللاجئين، حيث استمعوا إلى قصص العنف واليأس.

مغتصبة أفضل من أرملة
القصص التي سمعها السياسيون في المنطقة المنكوبة كانت مرعبة، ولا يمكن على عقل أن يتصوّرها، فكيف يمكن لأحد أن يصدق أن النساء اخترن جمع الحطب والماء، عوضاً من الرجال، لأنهن شعرن بأنه من الأفضل أن يتعرّضن للاغتصاب بدلاً من أن يقتل أزواجهن.

في إحدى القرى المهجورة، تقف هياكل متفحمة لمبان سابقة، ومجموعة من الحفر، كدليل على عمليات التفجير الأخيرة. وأوضح جنود الاتحاد الأفريقي أن الجميع فرّوا فجأة بسبب طائرات أنتونوف السودانية العسكرية التي تحلق فوق رؤوسهم.

كل من زار دارفور شاهد معاناة الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد، الذين يلتمسون العلاج من المنظمات الدولية، مثل منظمة أطباء بلا حدود، وذلك لأن الصراع أدى إلى تدمير المحاصيل الزراعية، وبالتالي تجويع الأبرياء ببطء وألم.

هذا المشهد القاتم، حيث النساء والأطفال يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، كان المؤشر الأوضح إلى المأساة التي تعيشها دارفور.

المجرمون يغزون
اليوم في دارفور، يستمر البؤس في ظل تجوّل المجرمين المتهمين بحرية في الشوارع، وتصاعد العنف على أساس يومي، في حين أن أكثر من 3 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية.

أما الأمر الأكثر خطورة هو الفكرة المخيفة بأن تتكرر الأحداث المروعة، لا سيما وأن الحكومة السودانية قضت 18 شهراً في استخدام التكتيكات الوحشية نفسها المستخدمة في دارفور، لسحق التمرد المسلح في جزء آخر من السودان.

جنوب كردفان والنيل الأزرق، وغالباً ما تسمّيان quot;المنطقتينquot;، هما اثنتان من الزوايا غير المعروفة في واحدة من أكبر البلدان في أفريقيا، والتي قد تلقى قريباً المصير المؤسف عينه، الذي لقيته دارفور، ما لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات عاجلة.

كما هي الحال في دارفور، فقد حوصر المدنيون في المنطقتين، معظمهم من النساء والأطفال، في تبادل لإطلاق النار، بينما تستمر القوات المسلحة السودانية في شنّ الحرب بعيداً عن أنظار وسائل الإعلام العالمية.

عزل المنطقتين للتهجير
في محاولة لدفع السكان من أراضيهم عبر التخويف والتجويع، منعت حكومة السودان تقديم المساعدة الإنسانية إلى المنطقتين، إضافة إلى استهداف المدنيين في القصف الجوي العشوائي والهجمات البرية، كما تم تحديد الهجمات بعناية بهدف تعطيل الزراعة ومواسم الحصاد.

وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 1.2 مليون شخص نزحوا من منازلهم أو تأثروا بموجة العنف، كما إن العديد منهم يعيشون على وجبة واحدة كل خمسة أيام؛ ويحذر الخبراء من أن أجزاء من جنوب كردفان والنيل الأزرق تواجه احتمالًا حقيقيًا بأن تشهد مجاعة من صنع الإنسان بحلول إبريل /نيسان 2013. وقد استنفدت آليات المواجهة إلى حد كبير، فيما تحدثت التقارير عن أن السكان يتناولون الجذور والأوراق ويعيشون في الكهوف.

مجلس الأمن ينأى بنفسه
مع حلول ذكرى مرور عشر سنوات على النزاع في دارفور، فقد حان الوقت للتعلم من دروس التاريخ. منذ عقد من الزمان، أهمل مجلس الأمن الدولي الفظائع، التي ارتكبت في دارفور، وفشل في الاعتراف بتهديد هذا الصراع للسلام في أنحاء المنطقة كافة، مما أدى إلى عواقب وخيمة.

ويبدو أن هذه المأساة على وشك أن تتكرر، فمجلس الأمن، المؤسسة الأعلى في العالم للأمن والسلام وحماية الشعوب، يقف بصمت إلى حد كبير أمام محنة شعب المنطقتين، ولا يدعم الاتحاد الأفريقي في إنهاء المعاناة.

يجب ألا نسمح للتاريخ بأن يعيد نفسه، بعد أزمة دارفور، قال العالم quot;هذا لن يحدث مرة أخرى أبداًquot;. اليوم، وبعد عشر سنوات، هناك احتمال قوي بأن يتكرر في المنطقتين، ولا بد من إثبات عكس ذلك. مئات الآلاف من الأرواح معلقة في جنوب كردفان والنيل الأزرق. ما نحن بحاجة إليه هو قيادة عالمية موحدة لمنع كارثة من صنع الإنسان وشق الطريق إلى السلام.