غزة صغيرة وسكانها في تزايد مستمر، بينما فرص العمل فيها في تناقص، ما دفع بالبعض إلى فتح المقاهي للشبان العاطلين عن العمل كي يروحوا عن أنفسهم، ولينفسوا عن قنوطهم من بلد لا أفق له.
غزة: شهدت مدينة غزة منذ سنوات قليلة إقبالًا كثيفًا على إنشاء المقاهي الخاصة بالشباب، لأن استشراء البطالة بين صفوف الشباب دفعهم إلى ارتياد المقاهي وتدخين النارجيلة، وحضور مباريات كرة القدم في المقاهي. ويقول الشاب محمد الخطيب، صاحب مقهى صغير في غزة، لـquot;إيلافquot; إن الفراغ القاتل دفعه للتفكير في عمل جديد، quot;ففكرت في جمع أترابي الشباب في مكان مختلف، يحقق لهم الراحة، يلجأون إليه متى شاؤوا، فكانت فكرة إنشاء المقهى، الذي يأتيه الشباب يوميًا فوق 16 عامًا، لأنني لا أستقبل صغار السن إلا لحضور المباريات الكبرى، مقابل مبلغ رمزي لا يتجاوز دولارًا واحدًاquot;.
أضاف: quot;غياب فرص العمل وتأخر الزواج يدفعاننا نحن الشباب في غزة إلى الترويح عن النفس، مع إنشاء ما يعود علينا بدخل مالي نستفيد منه في المستقبل، ولو كان في غزة فرص عمل كافية لما اخترت العمل هذا، لكنه أفضل من لا شيءquot;.
وطن بلا أفق
يملك صالح محمد أيضًا مقهى وكوفي شوب على الطريقة العصرية، يوحي كل ما فيه بالرقي والتقدم. يقول:quot;غزة وطن بلا أفق ولا مستقبل، ومجتمعها محبط بكل المقاييس، لا ديمومة فيها لعمل، لا يعرف الشاب إن كان عاملًا اليوم سيستمر في عمله غدًا، لذا فكرتُ في مشروع يدخل عليّ مالًا، يسد احتياجات أطفالي الأربعةquot;.
في وقت المباريات العالمية، يستقطب المقهى مئات الشباب الذين يهربون من بيوتهم إلى المقاهي من أجل مشاهدتها. يقول محمد: quot;أسعارنا متهاودة جدًا، لأن الوضع الاقتصادي سيئ للغاية، ولا نريد تحميل الشباب ما لا طاقة عليه، وإلا توقفوا عن الحضور، فالبطالة تدفعهم إلى البحر أو إلى المقاهي لأنها تناسب دخلهم المتواضعquot;.
مساحة ضيقة
في المقهى شبان وشابات، هم صورة لموزاييك المجتمع الغزي. لكن الصبايا يخترن الجلوس هادئات في اركان مستقلة. تقول صفاء أحمد: quot;وبعد تخرجي من الجامعة وقعن في الفراغ الكبير، ما دفعني للخروج إلى العالم ونسيان همومي بتناول القهوة وتدخين النارجيلة مع صديقاتيquot;.
ترد أحمد انتشار هذه المقاهي إلى البطالة بين الخريجين وزيادة عدد السكان في غزة، quot;ما يدفع الشباب للهروب من الواقع الأليم والعيش في مساحة ضيقةquot;.
لكن ما موقف المجتمع من أحمد وصديقاتها، ممن يرتدن هذه المقاهي؟ تقول: quot;ألسنة الغزيين لا ترحم، ومجتمعنا يكاد لا يخلو من التسلط والنظرة التي تثير اشمئزازنا، وأنا أدرك أن المجتمع لن يتركني وشأني، لكنني تمردتُ قليلًا، بسبب ضيق الأفق الذي أعيشه ويعيشه كل الشباب في غزةquot;.
انتشار طبيعي... ولكن!
يرفض الدكتور درداح الشاعر، المختص في علم النفس والاجتماع تسمية هذه المسألة بالظاهرة، quot;لكن يمكن الحديث بقوة عن انتشار غير مسبوق لمثل هذه المقاهي، التي كانت منتشرة في سبعينيات القرن الماضي في غزة، وهو انتشار يعكس حجم المعاناة التي يحياها الغزيون، والهموم التي أثقلت كاهلهم، والتي تدفع بالشباب إلى الهروب من همومهم وشجونهم إلى هذه المقاهي، حيث السمر والشيشة واللهو والترفيهquot;.
يختصر الشاعر أسباب هذا الانتشار بتفشي البطالة، وغياب أي أمل في العثور على فرصة عمل، والزيادة الطبيعية في عدد سكان الغزيين، وفي المعاناة إقتصاديًا واجتماعيًا بسبب المآسي التي تواكب الحالة الأمنية غير المستقرة في غزة، quot;لكن هذا في كفة ومستوى هذه المقاهي في كفة اخرى، إذ تغيب عنها الثقافة المجتمعية، لذا تواجه بازدراء الناس الذين لا يرون من جبل الجليد الغزي سوى رأسهquot;.
لكن الشاعر يدق ناقوس الخطر حين يتناول ارتياد الفتيات لهذه المقاهي،quot;المجتمع الغزي المحافظ لم يتقبل ذلك بعد، وبالتالي خروج الفتيات إلى المقاهي التي تضم الشباب الضائع، يشكل نوعًا من التمرّد على عادات المجتمع، وهذا ما يثير المخاوف، وهذا ما يرفع السؤال: هل بدأت غزة في التمرد على عادات مجتمعها؟quot;.
التعليقات