ترى منظمات حقوقية مصرية أن عمليات التحرش والاغتصاب في ميدان التحرير تقف خلفها جملة من الدوافع السياسية، أبرزها ترويع النساء ومنعهن من المشاركة في أنشطة مناوئة لحكم الإخوان.
لم يحدث شيء يُذكر في قضية المصريات اللواتي تعرضهن للاغتصاب الجماعي والتعذيب في ميدان التحرير في 25 كانون الثاني/يناير الماضي سوى اتهام أصحاب السلطة من الإخوان المسلمين للضحايا بالمسؤولية عن استنزال هذه الاعتداءات على أنفسهن. لذا بادرت منظمات حقوقية مثل مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب والعنف ومؤسسة المرأة الجديدة وجمعية نظرة للدراسات النسوية ومركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية إلى تقديم دعوى قانونية باسم سبع نساء تعرضن للاعتداء.
أدلة مصورة
وقدمت المنظمات الحقوقية الأربع أدلة مشفوعة بأشرطة الفيديو وأقوال شهود على تعرض النساء إلى اعتداءات جنسية عنيفة تعتقد المنظمات المدعية أنها ارتُكبت بصورة منهجية. وطالبت المنظمات الأربع بإجراء تحقيق للكشف عن هوية الجناة وتقديمهم للعدالة.
وترى المنظمات الحقوقية أن مثل هذه الاعتداءات ذات دوافع سياسية الهدف منها ترويع النساء، ومنعهن من المشاركة في أنشطة مناوئة لحكم الإخوان المسلمين.
ونقلت صحيفة الغارديان عن عالمة الاجتماع في مركز النديم فرح شاش قولها إن اعتداءات جنسية بدوافع سياسية وقعت خلال حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحةـ ولكن مثل هذه الحوادث ازدادت عددا وقسوة منذ مجيء الإخوان المسلمين إلى الحكم. وان هذه الاعتداءات استهدفت نساء ورجالا من الناشطين أو الذين صادف وجودهم في ميادين الاحتجاج. وتتبدى الطبيعة السياسية لهذه الاعتداءات بوضوح لا يقبل اللبس.
ولكن كثيرين يفضلون الحديث عن مشكلة التحرش الجنسي عمومًا. وينطوي مثل هذا الحديث على ادانة عامة للمجتمع والسلطة على السواء واتهام الاثنين بالتقصير في حماية المرأة. ولكن الحديث عن اعتداءات جنسية ذات دوافع سياسية يعني تحميل الإخوان المسلمين مسؤولية استخدام هذا الاسلوب كاستراتيجية سياسية لمحاربة المعارضة.
الصورة الحضارية مهددة
ويذهب موالون للإخوان المسلمين إلى أن المعارضة أيضًا استخدمت العنف ضد السلطة. ولكن هذا يتجاهل اللا تناظر في القدرات بين حزب حاكم يستطيع استخدام اجهزته الأمنية وميليشياته بالمقارنة مع الوسائل المتاحة للمواطن الاعتيادي.
وبصرف النظر عما إذا كانت الاعتداءات الجنسية ذات دوافع سياسية أو تكمن وراءها اسباب اجتماعية فان ثقافة الخوف التي تشيعها تهدد بطمس الصورة الحضارية التي ظهرت بها المرأة المصرية وهي تحتج في ميدان التحرير في عام 2011.
وكشفت الاحاديث التي جرت مع نساء في منطقة مؤسسة الزكاة الشعبية في حي المرج شمالي القاهرة عن انقسام في وجهات النظر. إذ قالت نساء إن على المرأة ألا تتوجه الى ميدان التحرير بعد الآن وان تترك مثل هذا النشاط السياسي للرجل وتركز على عملها وأسرتها. ولكن نساء أُخريات أعربن عن وجهة نظر مغايرة ترى في الاعتداءات التي وقعت محاولة لترهيب المرأة وتخويفها لكي لا تنزل إلى الشارع، وان الردّ الوحيد هو التصدي لمثل هذه الضغوط وليس الاستسلام.
ولكن المرأة المصرية لا تكون دائما مخيَّرة. وتشهد أنحاء مختلفة من مصر قيام عائلات بمنع بناتها من الذهاب للمدرسة والجامعة بسبب الوضع الأمني. والسبب هو ليس الثقافة والتقاليد السائدة. فالرجال ليسوا ضد تعليم بناتهم، بل على العكس، ولكنهم يخشون تعرض بناتهم ونسائهم للتحرش والاعتداء. ومع ذلك، لا احد يتحدث عن الثمن البشري الباهظ الذي يدفعه المجتمع بحرمان جيل كامل من الاناث من حق التعليم بسبب تقصير الحكومة في تأمين بيئة آمنة لا خوف فيها من الاعتداء.
معاداة الإسلام
وثمة سبب لغياب محنة المرأة والفتاة المصرية ومعاناة العائلات عن اهتمامات المحافل الدولية والاعلام بصفة عامة. إذ يبدو أن هناك سياسة صمت ضمنية تكاد تصل الى حد الرقابة على الأفواه ومنع انتقاد الاخوان المسلمين بشدة خوفا من تهمة معاداة الاسلام والاستشراق، كما تلاحظ صحيفة الغارديان مشيرة على سبيل المثال الى ان لا أحد يستمع الى قصص النساء المصريات في قنا والفيوم والقاهرة ومحافظات مصرية أخرى اللواتي عبّرن عن غضبهن وسخطهن على بعض خطباء المساجد الذين يشجعون رجالهن على الزواج من سوريات. فان تقاسم ازواجهن مع نساء سوريات ليس شكل التضامن الذي تريد المرأة المصرية أن تمارسه مع شقيقتها السورية.
وتبين الصحيفة أن تعدد الزوجات ليس ظاهرة واسعة الانتشار في مصر وإذا حدث فانه عادة يحدث في السر. ومع ذلك لم يتناول أحد بمعالجات جدية ما يسببه رجال دين ينتمون الى حركات اسلامية معينة من خراب بيوت بين العائلات المصرية. وفي هذه الأثناء تعاني المرأة المصرية بصمت وتعذبها فكرة إجبارها على تقاسم زوجها أو دفعها فعلا الى تقاسمه.
تواطؤ مع الجرائم
وتتمثل المفارقة في أن المجتمع الدولي إذ يبدي حرصا لافتا على عدم اتخاذ موقف نقدي من الإخوان المسلمين بتجاهل اصوات النساء اللواتي يرفعن أصواتهن ضد النظام، فإن كثيرًا من المواطنين المصريين يناضلون ضد ادعاء الاخوان المسلمين والسلفيين بأنهم وحدهم الأوصياء على الاسلام وممثلوه، ويقاومون محاولات اتهامهم بالتنكر لدينهم.
إن تقاعس الحكومة المصرية عن توجيه رسالة حازمة إلى مرتكبي الاعتداءات الجنسية بدوافع سياسية والى من يشجعون على ممارسات وسلوكيات تنتقص من مكانة المرأة وحقوقها لا يمكن أن يُفسر إلا انه تواطؤ مع هذه الجرائم، بحسب صحيفة الغارديان. والقول إن من ينتقد الحكومة انما يستهدف الاسلام هو وسيلة لاستخدام الدين من أجل تحقيق مآرب سياسية وهي مناورة لم تعد تنطلي على الكثير من النساء والرجال المصريين.
التعليقات