أدرك الأوروبيون ولو متأخرين أن حظر تسليح الأطراف السورية لم يمنع روسيا وإيران من شحن الأسلحة إلى بشار الأسد، بل قيّد القوات المعارضة وخفض قدراتها الدفاعية لا أكثر. ولهذا تسعى فرنسا وبريطانيا إلى تعديل القرار الأوروبي، ليعيد الأسد حساباته على الأقل.


بعد عامين على اندلاع الانتفاضة السورية، وبعد مقتل أكثر من 70 ألف سوري، صحا الغرب على تنازلاته وتخبطه، وأدركت دول أوروبية الآن أن حظر الاتحاد الاوروبي على إرسال السلاح إلى سوريا لم يفعل سوى مساعدة الرئيس بشار الأسد المدعوم من ايران على الاستمرار في السلطة.

وأعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من بروكسل، حيث شارك في قمة الاتحاد الاوروبي يوم الجمعة الماضي، أن فرنسا تريد من الاوروبيين أن يرفعوا الحظر عن تسليح المعارضة. أضاف: quot;لا يمكننا أن نسمح بذبح الشعب على يد نظام لا يريد الآن انتقالًا سياسيًاquot;.

ولاحظ مراقبون سياسيون أن استخدام الرئيس الفرنسي كلمة quot;الآنquot;، في إشارة إلى رفض النظام السوري تسليم مقاليد السلطة في عملية انتقال سياسي، ليست الكلمة المناسبة على الاطلاق. فالانتفاضة اندلعت قبل عامين، هُجر خلالهما مليونا سوري داخل وطنهم، ونزح نحو 400 ألف آخرين إلى بلدان مجاورة هربًا من آلة القتل التي تفتك بشبابهم وتدمر مدنهم. إلى ذلك، ما زالت ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيمياوية بأيدٍ غير أمينة.

كرروا أخطاءهم

أتى مردود الحظر الأوروبي على إرسال السلاح عكسيًا بالكامل. فكلّ ما حققه هو شلّ يد المعارضة لا أكثر. وفي ظل هذا الحظر، يواصل نظام الأسد تلقي السلاح من ايران وروسيا. وفي هذه الأثناء، ما يصل من سلاح إلى بعض فصائل المعارضة بتمويل خليجي انتهى بين أيدي جهاديين، أخذوا يعززون مواقعهم في غياب أي مساعدة غربية، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال، واصفة امتناع الغرب عن تسليح المعارضة بأنه تكرار للخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه في التسعينات الماضية في البلقان، عندما فرض حظرًا على السلاح لم يكبح عربدة القوات الصربية بل وضع رقاب البوسنيين تحت رحمتها. وفي ليبيا، كررت ادارة اوباما الخطأ نفسه الذي ارتكبته الأمم المتحدة حينذاك إلى أن تدخل حلف الأطلسي.

واليوم، اصبح تسليح المعارضة محفوفًا بمخاطر أكبر، بعد أن عزز الجهاديون مواقعهم في سوريا. لكنه يبقى أفضل من البديل المتمثل بانتصار الأسد وحماته من قوات الحرس الثوري الايراني.

سجال أوروبي

برفع الحظر الاوروبي ستتمكن فرنسا وبريطانيا على الأقل من تسليح فصائل المعارضة الوطنية العلمانية.

ولكن البلدين اصطدما بجدار من المقاومة عندما اقترحا رفع الحظر في قمة الاتحاد الاوروبي، التي تزامن انعقادها مع الذكرى الثانية للانتفاضة السورية. وقالت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل: quot;ان حقيقة أن دولتين غيَّرتا موقفهما لا تكفي لكي تحتذي بهما 25 دولة أخرىquot;.

وليس السجال الدائر بين الاوروبيين مسألة حمائم وصقور. فلدى بعض الدول الاوروبية مخاوف جدية من أن يؤجج تسليح المعارضة النزاع أكثر فأكثر، وأن يساهم في امتداد الحرب إلى لبنان ذي الاستقرار الهش، فضلًا عن إمكانية انتهاء السلاح بين أيدي المتطرفين.

يرد الرئيس الفرنسي على هذه المخاوف لافتًا إلى أن الحلول السياسية باءت بالفشل، وأن تسليح المعارضة قد يحمل الأسد على مراجعة حساباته على أقل تقدير.

عقوبات مملّة

حاول الاتحاد الاوروبي طمس خلافاته الداخلية بشأن الموقف من سوريا، من خلال عقوبات اقتصادية ضد النظام. ودأب وزراء خارجية الاتحاد بانتظام ممل خلال العامين الماضيين على اعلان جولة تلو أخرى من العقوبات الاقتصادية الجديدة ضد افراد في النظام، ثم يعلنون إقدامهم على quot;تشديد الضغطquot;، كما تلاحظ صحيفة فايننشيال تايمز.

ولكن هذه العقوبات استنفدت جدواها، وثمة إقرار أوروبي متزايد بأن الحظر أسفر عن عكس النتائج المنشودة منه، لأنه يحرم المعارضة من حق الدفاع عن نفسها فيما يواصل النظام تسليح قواته بإمدادات لا تنقطع من روسيا وايران.

وكان رئيس هيئة اركان الجيش السوري الحر اللواء سليم ادريس حذر من أن قواته تعاني آثار الحظر من دون أن تمتلك الوسائل للدفاع عن نفسها وعن الأهالي، وهذا يؤدي إلى سقوط مزيد من الضحايا. وفي هذا الشأن تعهد هولاند ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالسعي إلى نيل تأييد سائر الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الاوروبي لموقفهما.