يدرك سكان مدينة حلب السورية أن بلادهم تخلو من أي مكان آمن، ومن فرّ من المدينة التي شهدت معارك مدمرة عاد إليها محاولاً استعادة حياته الطبيعية رغم صعوبة الأوضاع.

حلب:يحاول عدد من سكان حلب في شمال سوريا،العائدين الى مدينتهم المنكوبة، quot;لأنه لم يعد هناك من مكان آمنquot; في البلاد، استعادة حياة طبيعية رغم تأكدهم أن نهاية الحرب لم تلح في الافق بعد.
ويقول حسين لوكالة فرانس برس quot;عدت قبل ثلاثة اسابيع لأنه لم تعد هناك منطقة يمكن أن نكون فيها بأمان، لذلك من الافضل أن نلازم منازلناquot;.
ويضيف التاجر الحلبي الذي عاد كالعديد غيره من سكان المدينة الذين كانوا نزحوا هربًا من اعمال العنف التي تشهدها حلب منذ تموز/يوليو الماضي، quot;في السابق، كنا نبحث عن مناطق اكثر امنًا لتجنيب اولادنا اصوات القصف. لكن لم يعد هناك مثل هذه الاماكن في سورياquot;.
وفيما حسين، وهو والد لاربعة اولاد، يتكلم، كانت تسمع في البعيد اصوات القذائف واطلاق النار.
ويقع محله التجاري في حي الشعار (شرق) حيث تحمل ابنية عديدة آثار الغارات الجوية. لكن رغم الحرب المستمرة منذ تسعة اشهر، تبدو رفوف المتجر مليئة بشتى انواع المعلبات والسكر والارز والسكاكر.
ويقول فهيم (23 عامًا)، وهو بائع خضار، إن الاسعار ارتفعت بشكل جنوني. quot;البندورة (الطماطم) المدعومة من السلطات والتي كانت تباع بعشرين ليرة سورية للكيلو الواحد، بات سعرها اليوم اكثر من خمسينquot;.
وتملأ الخضار من كل الاصناف محله. ويقول واثقًا quot;لطالما كانت حلب مركزًا تجاريًا واقتصاديًا وصناعيًا مهمًا. لدينا احتياطي كبير. حتى لو استمرت الحرب عشر سنوات، لن ينقصنا شيءquot;.
ويعلم سكان حلب أن الحرب لن تنتهي قريبًا.
ويقول مصطفى، ويعمل في خياطة الملابس في الخامسة والثلاثين، quot;اذا كان وضع سكان حلب اليوم افضل مما كان عليه في بداية المعارك، فذلك لأننا اعتدنا على هذه الظروف الحياتية الصعبةquot;.
ويقول السكان إن العديد من المحال التجارية في المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة فتحت ابوابها مجددًا منذ اسابيع، وقد اعادت تكديس البضاعة فيها. وتعج ارصفة هذه الاحياء، لا سيما التي تراجعت فيها العمليات العسكرية، بالمارة.
ولم تعد دوريات المعارضين المسلحين الذين كانوا يجوبون الشوارع كثيفة كما في الاشهر الاولى للمعارك، انما هي تتركز، بحسب السكان، على الجبهات، وقد تراجع كثيرًا الظهور المسلح.
ويقول مدير محل للحلويات يفضل عدم الكشف عن اسمه إنه يشتري المواد الاولية التي يستخدمها لصنع حلوياته من احياء خاضعة لسيطرة القوات النظامية، ويتنقل بالتالي بين هذه المناطق وتلك عبر خطوط التماس.
ويضيف quot;الاحياء التي يسيطر عليها الجيش اكثر امناً. اولاً لأنك لا يمكن أن تتعرض لغارة جوية هناك، وثانيًا، لأن أي شخص ملتحٍ هنا يمكنه أن يقضي عليك من دون أي سببquot;.
ويعتمد الرجل كلمات مبطنة للحديث عن الاسلاميين. وتنقسم الآراء حول هؤلاء في حلب. ويشيد محمد من جهته بمقاتلي جبهة النصرة ويقول quot;المناطق الخاضعة لهم آمنة بنسبة مئة في المئة، بينما المناطق الخاضعة للجيش السوري الحر ليست كذلكquot;.
وبسبب الخوف من الحوادث الامنية، يتردد كثيرون في الخروج من منازلهم منذ أن خرجت القوات النظامية من احيائهم وحلت محلها سلطات الامر الواقع الجديدة.
وتقول عسرة (40 عامًا) وهي جالسة على مقعد في حديقة عامة في حي السكري (جنوب)، quot;إنها المرة الاولى التي أتجرأ على اخراج ابنتي من المنزل منذ اربعة او خمسة أشهر. تحول المنزل الى سجنquot;.
وتراقب باسمة ابنتيها التوأم في الخامسة اللتين تتبادلان كرة صغيرة زرقاء. في مكان قريب، يجلس شبان وشابات محجبات بألوان مختلفة على العشب ويتبادلون الاحاديث.
ويبدو واضحًا أن الحياة تعود تدريجيًا الى طبيعتها في هذه الاحياء.
على بعد شوارع عدة من الحديقة، تمر تظاهرة تضم عشرات الاشخاص يطالبون بسقوط نظام الرئيس بشار الاسد، لكنها باتت جزءًا من الحياة اليومية، ولم تعد تلفت الانظار كما من قبل.