فيما عبّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن خشيته من انهيار العملية السياسية في العراق، فقد أكد استياء بلاده من عبور أسلحة إيرانية إلى سوريا عبر العراق بالشكل الذي يبقي الأسد في الحكم، داعيًا بغداد إلى المساعدة على تنحيه، وذلك خلال مباحثات أجراها في بغداد اليوم مع رئيسي الحكومة نوري المالكي والبرلمان أسامة النجيفي.
أسامة مهدي: خلال مباحثات مع كيري تم خلالها بحث مستجدات الاوضاع السياسية في المشهد العراقي، وفي مقدمتها قرار تاجيل الانتخابات في محافظتي نينوى والانبار وسبل الخروج من الازمة الحالية، فقد اكد النجيفيquot;ان قرار تاجيل الانتخابات يعد خرقًا قانونيًا يتنافى مع الدستور ومبادئ التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق، وان الاسباب التي تم بموجبها التأجيل لم تكن مقنعة تمامًا، فالظروف الامنية التي صاحبت الانتخابات الماضية، والتي سبقتها، كانت اسوأ بكثير مما هي عليه الان، كما ان الاوضاع الامنية في بغداد شهدت هذه الفترة ترديًا غير مسبوق، ولكن قرار التاجيل طال نينوى والانبار فقط، لذلك نحن نرى ان القرار سياسي بامتيازquot;.
وشدد النجيفي على تعثر مسارات العملية السياسية وبطء التحول الديمقراطي المنشود وعدم تنفيذ بنود الاتفاقات السياسية بين الشركاء وخروقات واضحة في مجال حقوق الانسان، مما سبب شرخًا واضحًا في الوحدة الوطنية، وتعثرًا في مسيرة الشراكة، لافتا الى ضرورة قيام الدولة على الديمقراطية والمساواة والعدالة واعمال القانون وقاعدة الفصل بين السلطات واستقلالية الهيئات المستقلة وعدم تسييس الجيش والاجهزة الامنية واحقاق التوازن المنشود، كما نقل عنه بيان برلماني رسمي تسلمته quot;ايلافquot;.
كيري: لحماية الديمقراطيات
من جانبه ابدى وزير الخارجية الاميركي قلقه ومخاوفه من انهيار ما تم بناؤه من مرتكزات ديمقراطية في العراق، مطالبا الاطراف كافة بالتعاون من اجل اتمام الشراكة الوطنية وتجاوز الازمات، مؤكدا التزام الولايات المتحدة الاميركية تجاه العراق في اطار الشراكة الاستراتجية بين البلدين.
واشار كيري في تصريحات عقب الاجتماع الى أن quot;تبرير تأجيل الانتخابات في نينوى والانبار بعدم توفر الامن ليس مقنعًا لكون العراق اجرى انتخابات في ظروف اصعب من الظروف الحاليةquot;، معربا عن امله بأن quot;يتعامل رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي مع هذا الموضوعquot;. واكد أن quot;التظاهرات حق مشروع ويجب ألا يعاقب الشخص تجاه التعبير عن رأيهquot;.
وخلال اجتماع المالكي مع كيري في بغداد اليوم فقد جرت مناقشة تطوير العلاقات وزيادة التعاون في ضوء اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة من قبل البلدين، اضافة الى بحث معمق لقضايا المنطقة والأزمة السورية وجهود مكافحة الارهاب.
العزل الإقليمي مستحيل
وقال المالكي ان العراق يسعى الى إقامة افضل العلاقات مع الولايات المتحدة وتفعيل اتفاقية الاطار الاستراتيجي في جميع المجالات. واكد دعمه لاعتماد الحوار والدستور كأساس لحل كل المشاكل الداخلية، مبينا وجود ترابط كبير بين المشاكل التي تعانيها المنطقة. واوضح ان اية دولة لاتستطيع عزل نفسها عما يدور حولها نتيجة تداخل مشاكل المنطقة وتأثيراتها المتبادلة، في اشارة الى الازمة السياسية التي يعيشها العراق حاليا.
من جهته اكد كيري على اهمية تطوير العلاقات الثنائية واهتمام بلاده بوجهة نظر الحكومة العراقية تجاه قضايا المنطقة والازمة السورية بشكل خاص، كما نقل عنه بيان رسمي عراقي، حصلت quot;ايلافquot; على نسخة منه، مشيرا الى ان وجهات النظر كانت quot;متقاربة حول ضرورة ايجاد حل سياسي للأوضاع في سوريا لتجنيب شعبها المزيد من المآسيquot;.
وأوضح ان الجانبين عبّرا عن قلقهما من تطور الاحداث هناك، وضرورة العمل لتطويقها، كما جدد كيري دعم الولايات المتحدة لجهود العراق في مكافحة الارهاب، وتعزيز قدراته بما يمكنه من تحقيق ذلك.
مساعدة على الصمود
وبرغم أن البيان الحكومي لم يشر إلى تناول المباحثات لموضوع تأجيل الحكومة العراقية لانتخابات محافظتي الانبار ونينوى وموضوع تفتيش الطائرات الايرانية، الا ان كيري قال خلال مؤتمر صحافي عقب الاجتماع انه ابلغ المالكي بان الرحلات الجوية من ايران الى سوريا عبر العراق، والتي تحمل على ما يبدو معدات عسكرية، تساعد نظام الرئيس السوري بشار الاسد quot;على الصمودquot;.
واضاف quot;لقد اوضحت بصورة جيدة لرئيس الوزراء بان الرحلات التي تمر عبر العراق من ايران، هي في الحقيقة تساعد الرئيس بشار ونظامه على الصمودquot;، مشددا على انه ابلغ المالكي quot;بان اي شيء يدعم الرئيس الاسد، يطرح مشاكلquot;.
واشار كيري الى أن quot;المسؤولين في الحكومة الاميركية والكونغرس يتابعون عن كثب ما يفعله العراق في هذا المجالquot;. وقال quot;لقد اوضحت للمالكي أن هولاء المسؤولين يتساءلون كيف يكون لنا شريك في الديمقراطية يحاول مساعدة نظام الاسد، وكيف يفعل هذا البلد شيئًا يجعل من الصعب تحقيق الاهداف المشتركة، في ما يتعلق بسورياquot;. واعرب عن امله بأن يتمكن الجانبان العراقي والأميركي من quot;تحقيق تقدم في هذا الموضوعquot;. واشار الى انه دعا المالكي الى المساعدة على عملية تنحي الرئيس السوري بشار الاسد من منصبه.
من جانبه اوضح مسؤول اميركي يرافق كيري ان الوزير حث المالكي والحكومة العراقية على إعادة النظر في قرار تأجيل الانتخابات المحلية في محافظتي الأنبار ونينوى. وكانت بغداد قد أصدرت قرارًا الثلاثاء الماضي بتأجيل هذه الانتخابات في المحافظتين، اللتين تقطنهما غالبية سنية لمدة ستة أشهر كحد أقصى بسبب تردي الاوضاع الأمنية والسياسية في المحافظتين على حد قولها.
وزيارة كيري هي الاولى له منذ تسلمه منصبه بداية الشهر الحالي، وتأتي بعد ايام من الذكرى العاشرة لغزو العراق، الذي قادته الولايات المتحدة واطاح بنظام الرئيس المخلوع صدام حسين في سعيها الى اقامة بلد حليف ديمقراطي مستقر في قلب الشرق الاوسط، لكن بدلً من ذلك تركت البلاد تصارع العنف ونزاعات سياسية من دون توقف.
غض الطرف
وتتهم واشنطن بغداد على وجه الخصوص بغضّ الطرف عن ايران التي تقوم بارسال معدات عسكرية الى سوريا لدعم نظامها عبر المجال الجوي العراقي بوساطة رحلات طيران مدنية. كما مارست الولايات المتحدة ضغطا على بغداد للوفاء بتعهداتها في منع رحلات طائرات ايرانية فوق اراضيها، خشية ان تكون محمّلة بالاسلحة للنظام في سوريا.
لكن المالكي اكد في وقت سابق quot;لا اسلحة يتم تهريبها عبر الحدود مع العراقquot; البالغ طولها 600 كلم إلى جارته سوريا التي تشهد نزاعا مسلحا. واضاف quot;وضعنا الجيش على الحدود لمنع ايصال اسلحة الى سورياquot;، داعيا الدول التي تقوم بتزويد الاسلحة الى سوريا quot;بالبحث عن حلول ايجابيةquot; عوضًا من ذلك.
وشدد على أن العراق يرفض أن يكون ممراً للسلاح في أي اتجاه ومن أي مصدر كان، مبيناً انه تم وضع آلية للتفتيش والتحقق من أن الشحنات المارة في أرض العراق وسمائه تحمل بضائع وسلعاً إنسانية، وليس سلاحاً، كما أعلنت الحكومة أنها أبلغت إيران رفضها السماح لها باستخدام أراضي العراق وأجوائه لنقل أسلحة أو مقاتلين إلى سوريا.
وكانت بغداد أمرت في 28 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي للمرة الثانية في غضون شهر طائرة شحن إيرانية متوجهة الى سوريا بالهبوط وفتشتها للتأكد من أنها لا تنقل أسلحة قبل السماح لها بمواصلة طريقها. وسبق هذا الإجراء عملية مشابهة تمت في الثاني من الشهر نفسه تبين للسلطات العراقية بعد تفتيش الطائرة انها لم تكن تنقل أسلحة على حد قول السلطات العراقية.
وكان السفير الإيراني في العراق حسن دانائي فر أعلن في الثامن من تشرين الأول الماضي أن بلاده احتجت لدى وزارة الخارجية العراقية على تفتيش الطائرات الإيرانية المتوجهة إلى سوريا، معتبرا هذا الإجراء quot;مخالفاquot; للاتفاقيات بين البلدين.
وكانت الولايات المتحدة، أعربت، في 16 شباط (فبراير) الماضي عن قلقها بشأن رحلات الشحن الجوي الإيرانية التي تمر عبر العراق إلى سوريا، لافتة إلى أنها حذرت العراق من أن تلك الشحنات قد تحتوي على أسلحة ربما تستخدمها دمشق لقمع الاحتجاجات الشعبية ضد النظام.
التعليقات