قبل ثلاثة أشهر أصدرت موسكو قرارًا حظرت بموجبه على الأسر الأميركية تبني أطفال البلاد. لكن هذا كان قرارًا سياسيًا يتعلق بانتقادات أميركية لحالة حقوق الإنسان في روسيا. والآن يدلي الرئيس بوتين بدلوه فيؤجّج هذه المعركة، وهذه المرّة على حساب المثليين.


صلاح أحمد: أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمرًا حظر بموجبه السماح للأزواج المثليين بتبني الأطفال الروس. ويذكر هنا أن الحكومة الروسية أصدرت في ديسمبر/كانون الأول الماضي قرارًا يحظر على الأميركيين تبني الأطفال الروس. وكان هذا إجراءً انتقاميًا ردًا على ما تسمّيه السلطات الأميركية laquo;انتهاك حقوق الإنسان داخل روسياraquo;.

آثار سلبية
والآن يقول الرئيس الروسي إنه يتخذ هذا القرار الأخير بعدما اطلع على تقرير خُصّص لدراسة ما وُصف بأنه laquo;آثار نفسية سيئةraquo; تعرّض لها صبي روسي يسمّى مكسيم، كانت قد تبنّته من إحدى دور الأيتام الروسية سحاقيتان أميركيتان تجمعهما laquo;شراكة مدنيةraquo;.

يذكر أن عبارة laquo;شراكة مدنيةraquo; هي التسمية، التي تطلق على laquo;زواج المثليينraquo; في الغرب. وأتى قرار بوتين أيضًا في وقت تتجه فيه فرنسا إلى تقنين زواج المثليين هذا. وجاء في هذا القرار أن تبني الأطفال من دور الأيتام الروسية لن يكون متاحًا إلا للأزواج التقليديين، بحيث يصبح للصبي أب وأم بدلًا من أمّين أو أبوين فقط.

وكانت الأصوات المعارضة لتبني المثليين الأطفال في روسيا قد تعالت بعد معركة قضائية خاضتها أميركية، تُدعى مارسيا برانت، حول ابنها الروسي ذي العشر سنوات. وكانت قد أكملت إجراءات تبنيه في دار للأيتام في سيبيريا العام 2007 عندما كان في سنّ الخامسة، وأطلقت عليه الاسم الأنغلوسكسوني laquo;إيانraquo;.

معركة بين شريكتين
واتضح أن هذه المرأة كانت وقتها تقيم علاقة مع أخرى، هي بيث تشابمان، لكنها لم تفصح عنها للسلطات الروسية. ولم يُكشف أمر هذه العلاقة إلا عندما انفصلت المرأتان في 2009 عندما تنازعتا على الصبي، وخاضتا معركة قضائية لحسم أي منهما يحق لها مواصلة تبنيه. وكسبت تشابمان هذه المعركة، فانتقل الصبي للعيش معها في سان فرانسيسكو.

وقالت السلطات الروسية إنها laquo;ضحية خدعة لاأخلاقيةraquo; من جانب تشابمان وبرانت، لأن هذه الأخيرة لم تشر إلى أنها سحاقية، وتقيم علاقة منتظمة مع شريكتها، وأن الصبي الروسي سيعيش بالتالي في كنف أسرة مثلية. ويذكر أن زواج المثليين غير قانوني في روسيا، ولا يُعترف به، وإن تم خارج أراضي البلاد.

وأصدرت وزارة الخارجية في موسكو أمرًا بإعداد تقرير عن laquo;الآثار النفسية السلبيةraquo; على الصبي ذي الأصل الروسي جراء عيشه في كنف أمّين من دون أب. على أن الدبلوماسيين الروس في أميركا عجزوا عن الوصول إليه بسبب إغلاق الطرق القانونية أمامهم. وهذا أمر حدا بجماعات حقوق الإنسان الروسية نفسها إلى الإبداء عن قلقها إزاء رفاه الصبي.

معاملة غير مرضية
وقالت إنها قلقة أيضًا على معلومات تفيد بأن الأطفال الروس، الذين يتبناهم أجانب، لا يجدون نوع المعاملة المبتغاة. وكان هذا في أعقاب شكوى امرأة روسية، تدعى يوليا كوزمينا، قالت إن أحد أولادها الستة يشكو سوء المعاملة من زوجين أميركيين، تبنياه بوعد مستقبل زاهر له في الولايات المتحدة. وطلبت إلى الرئيس بوتين نفسه التدخل laquo;من أجل إنقاذraquo; ابنها.

ويبدو أن هذه التراكمات هي التي حدت بالرئيس بوتين للتدخل في الأمر لتلافي مواقف كهذه في المستقبل، فأصدر قراره الأخير ذاك. يذكر أيضًا أن عدد الأطفال الروس، الذين تبنتهم أسر أميركية، بلغ نحو 60 ألفًا في السنتين الأخيرتين وحدهما.

والآن تقول أسر روسية إن قرار بوتين الأخير laquo;امتداد للمعركة التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وعلى هذا النحو فهو سياسي أكثر من كونه سعيًا إلى رفاه الأيتام الروس الموعودين بحياة أفضل في الغرب عمومًا، وأميركا خصوصًاraquo;.