لم يعد معبر جابر الحدودي بين سوريا والأردن يعجّ بالمسافرين، بل صار مكانًا تسكنه الطواقم الطبية، التي تساعد آلاف النازحين السوريين يوميًا على تحمل معاناتهم، إذ لا يكف الرصاص عن ملاحقتهم حتى يعبروا خط الحدود، حيث يتلقون الرعاية الكاملة.


عمّان: قبل اندلاع الازمة السورية، كان المعبر الحدودي بين الاردن وسوريا شمال العاصمة عمان منطقة تعج بالمغادرين والقادمين، أما الآن، وبعد الاحداث المؤسفة وتدفق آلاف النازحين السوريين بشكل يومي، باتت المنطقة خالية من الحركة، لا تستقبل إلا المصابين والهاربين من العائلات السورية، الذين فروا بحثًا عن الأمان جراء القصف والدمار.

روايات كثيرة نسمعها يوميًا عن عائلات تشردت وهربت للنجاة من الموت أو للبحث عن العلاج. وقد تكون الحاجة فتحية من درعا خير مثال على ذلك. فقد وصلت الحاجة فتحية (70 عامًا)، المصابة بجروج بالغة في يدها اليسرى، ومعها ابنها مصطفى، فارين من القصف الذي طال منزلهما، إلى منطقة حدود جابر. كانت تبحث عمن يضمد لها جرحها الذي نزف لأكثر من يومين. ولم تجد سوى قطعة قماش مزقتها من عباءة كانت ترتديها لتلف بها يدها المصابة فتبقى على قيد الحياة.

وبعد يومين من السير على الاقدام، وصلت إلى معبر حدود جابر، فسارعت فرق الانقاذ الاردنية التابعة للجيش، والمرابطة على الحدود، لتأمين الحماية والرعاية الصحية للحاجة فتحية، التي سقطت أرضًا ودموعها تنهمر بغزارة، بعد شعورها بأنها نجت من الموت ووصلت لبر الأمان.

مدينة أشباح

روى الشاب السوري خالد لـquot;إيلافquot; قصصًا وحكايات يعيشها السوريون اليوم، مع تصاعد المعارك بين قوات النظام والجيش الحر، وسط استخدام آلة عسكرية لا تعرف الرحمة، تلاحق كل من تراه ماشيًا على التراب السوري. يقول: quot;درعا مدينة أشباح يسكنها الخوف ويلاحقها الشعور بالاعتقال، فقوات النظام تقوم بتفتيش واستباحة كل ما في درعا من بيوت، تدخلها وتقتل كل من يعترض طريقهاquot;.

يضيف: quot;ما تشاهده من ممارسات الجيش السوري مع أبناء شعبه لا يمكن مقارنته بالمعاملة التي يستقبل بها الجيش الاردني النازحين السوريين، وأنا أعبر عن شكري وإمتناني لحرس الحدود والاجهزة العسكرية الاردنية التي خففت عنا المعاناة وأمنت لنا حياة كريمة بالرعاية التي نتلقاها لحظة وصولنا إلى الاردنquot;.

انهيار عصبي

قصة الفتاة الاردنية سعاد نقيض قصة الحاجة فتحية، إذ دخلت الحدود قادمة من عمان تستقل سيارتها الخاصة من أجل التوجة إلى سوريا بأي وسيلة، بعد تلقيها مكالمة هاتفية تفيدها بأن والدتها قد قتلت جراء القصف، لكن الاجهزة الامنية منعتها من المغادرة بمفردها لخطورة الموقف، فقد تتعرض للقصف أو للخطف، أو قد تستخدم درعًا بشريًا من قبل الجيش الحر الذي يسيطر على المنطقة الحدودية بشكل شبة كامل، وينشر العديد من القناصة في المنطقة.

حاولت سعاد البالغة من العمر 35 عامًا اقناع السلطات الاردنية بالسماح لها بالمغادرة، لكن جميع محاولاتها فشلت، فأصيبت بإنهيار عصبي وتم نقلها للمركز الطبي داخل الحدود لتلقي العلاج اللازم.

وقال أحد ضباط حرس الحدود الاردني لـquot;إيلافquot; إن ثلاثة سوريين مصابين بأعيرة نارية في أنحاء مختلفة من الجسم وصلوا إلى المملكة الخميس الماضي، إذ اصيبوا اثناء محاولتهم اجتياز الحدود قادمين من سوريا قرب مركز جابر، وتم التعامل معهم من قبل الطواقم الطبية بسرية تامة وقدمت لهم الاسعافات الاولية اللازمة وتم نقلهم إلى مستشفى المفرق الحكومي لتلقي العلاج.

نزوح مستمر

والجدير بالذكر أنه منذ بدء الأزمة في سوريا في آذار (مارس) 2011 ولغاية نهاية كانون الثاني (يناير) 2013، وصل إلى المملكة أكثر من 330 ألف سوري موزعين في المخيمات و المدن والقرى الأردنية، وكان معدل اللجوء اليومي ما بعد النصف الثاني من العام 2012 نحو ألف نازح سوري يوميًا، في حين شهد كانون الثاني (يناير) الماضي موجات لجوء كبيرة وصلت إلى نحو ألفي لاجئ يوميًا، علمًا أن عدد السوريين المسجلين أو قيد التسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين تجاوز 219 الف سوري.

من المتوقع أن يزيد عدد السوريين في الاردن خلال الفترة القادمة، وإذا ما استمر تفاقم الاوضاع في سوريا من الممكن أن يعبر الحدود الأردنية السورية خلال العام الحالي قرابة 700 ألف سوري.