مع دوي انفجاري بوسطن، خرجت إلى العلن اسئلة جدية حول صحة المزاعم الغربية بالنجاح في قهر الارهاب الدولي، وحول التداعيات السورية على الأمن في العالم، وخطأ تجاهل ما يحصل من قتل في العراق، وكانت الأمور هذه متصلة بسلسلة واحدة من التفاعلات، يشحنها التشدد الاسلامي.
لندن: أثارت تفجيرات ماراثون بوسطن، التي اوقعت ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى، سجالًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات البحث وبين المعلقين، للإجابة عن جملة أسئلة يربطها خيط واحد، هو ما بات معروفًا باسم quot;الحرب على الارهابquot;، وما إذا كان الغرب يربح حقًا هذه الحرب، بعد اكثر من 10 سنوات على اعلانها. فهجمات إرهابية مثل تفجيرات بوسطن باتت نادرة، والغرب عمومًا نجح في إضعاف قدرة تنظيم القاعدة وجماعات ارهابية أخرى على شن هجمات كبيرة ومثيرة، مثل هجمات 11 ايلول(سبتمبر) أو بالي أو مومباي.
وعملت الحملة العسكرية في افغانستان، والضربات الجوية التي توجهها طائرات من دون طيار في المنطقة القبلية من باكستان، واتساع نطاق العمليات السرية في اليمن وشمال أفريقيا، على إضعاف شبكة القاعدة التي قُتل زعيمها اسامة بن لادن ومعه العديد من قادة التنظيم، أو انتهى بهم المآل وراء القضبان.
جيل إرهابي جديد
لكنّ جيلًا جديدًا نشأ بدلًا من هؤلاء، وهو أبرع في استخدام التكنولوجيا الحديثة، ينتشر على رقعة جغرافية أوسع في كل انحاء العالم، ولا يقل عنهم تصميمًا على القتال. وتكاد اجهزة الاستخبارات الغربية تعجز عن مواكبة هذا التطور. فالفرنسيون يخوضون حربًا صعبة ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة في مالي، والولايات المتحدة توسع عملياتها في شمال أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية، وبريطانيا وحليفاتها الأفريقية تركزان جهودهما على انقاذ الصومال من حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وترك الربيع العربي مساحات شاسعة للمتطرفين في ليبيا وشبه جزيرة سيناء وسوريا، بحسب صحيفة تايمز، التي نقلت عن مسؤولين استخباراتيين شكواهم من نقص الموارد التي تحتاجها أجهزتهم لتغطية هذا العدد من البؤر الساخنة.
من داخل أو من خارج؟
في هذه الأثناء، لا بد من التساؤل عمّا إذا كانت تفجيرات بوسطن داخلية أو خارجية. فهي قد تكون من تنفيذ ارهابي منفرد صنع عبواته من تصفح الانترنت وشراء مكوناتها من السوق. وراجت التكهنات بأن التوقيت يشير إلى هجوم محلي. وكان تفجير مدينة أوكلاهوما وحصار ويكو في تكساس حدثا في منتصف نيسان (ابريل)، علمًا بأنهما من اشد الهجمات التي نفذها اميركيون دموية.
وإزاء توجيه الاهتمام نحو مخاطر التطرف الاسلامي، فمن الجائز أن تكون السلطات الاميركية أغفلت التهديد من داخل الولايات المتحدة نفسها.
وكانت الولايات المتحدة شهدت في السنوات الأخيرة هجمات إرهابية من كل صنف، بينها مقتل 13 عسكريًا على يد الطبيب العسكري المسلم نضال حسن.
لا تدخل جديد
الأسئلة الأخرى التي تُثار في هذا السجال تدور حول نجاح الرئيس الأميركي باراك اوباما في التعامل مع خطر الارهاب، وهو الذي أمضى ولايته الأولى في اسدال الستار على الحروب التي ورثها من إدارة بوش، فسحب القوات الاميركية من العراق، ويخطط لسحبها نهائيًا من افغانستان بحلول نهاية العام المقبل، وأعد استراتيجية مضادة للارهاب لا تُستخدم فيها قوات اميركية بأعداد كبيرة، وتعتمد اعتمادا كبيرًا على غارات الطائرات من دون طيار والعمليات السرية.
ورفض اوباما بقوة أي تدخل أميركي عسكري جديد في الخارج، لكنه ليس وحده صاحب الكلمة العليا في ذلك. فإذا اتضح أن اسلاميين متطرفين مسؤولون عن تفجيرات بوسطن، سيكون لزامًا عليه أن يرد، شاء أم أبى، على حد تعبير صحيفة تايمز.
التداعيات السورية
من أكبر الأسئلة التي تُطرح في هذا السجال سؤال متعلق بالنزاع السوري إذا امتدت تداعياته خارج الحدود. فإن الغرب أخفق في التحرك بحزم لوقف الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ عامين، لكنه سيواجه أزمة انسانية ضخمة مع محاولة عشرات الآلاف السوريين اللجوء إلى أوروبا.
وهناك مخاوف مبررة من أن تكون المسألة مسألة وقت قبل أن تقع أسلحة النظام المتطورة بأيدي جماعات اسلامية متطرفة، تقاتل في صفوف المعارضة السورية المسلحة، بما في ذلك وضع يدها على ترسانته من الأسلحة الكيمياوية. ومن المخاوف الأخرى تداعيات الحرب على أمن اوروبا. فهناك نحو 600 جهادي من أوروبا يقاتلون مع المعارضة، ويتعلمون تصنيع المفخخات والعبوات واطلاق قذائف الهاون والقتال ضد عدو شرس. وأكبر المجموعات الجهادية في سوريا مجموعة قادمة من بريطانيا، بحسب تايمز.
خطأ تجاهل العراق
وقعت تفجيرات بوسطن بعد ساعات على موجة تفجيرات شهدتها مناطق عراقية متفرقة، أوقعت أضعاف ما أوقعته من ضحايا في المدينة الاميركية. لكن من المنظور الاخباري، كانت تفجيرات بوسطن خبرًا مهمًا لأنها أشد الهجمات فتكًا داخل الولايات المتحدة منذ هجمات 11 ايلول (سبتمبر).
ومن سوء حظ العراقيين أن العالم اعتاد سماع أعمال العنف في مدنهم، ولم يعد انفجار سيارة مفخخة يحظى بعنوان رئيس في صفحة الأخبار، كما تلاحظ صحيفة التايمز، محذرة من أن تجاهل أعمال العنف في العراق خطأ قد يكلف غاليًا. فالعراق وسوريا ساحتا حرب طائفية، والنزاع المستعر في هذين البلدين يعبر عن صراع أكبر في الشرق الأوسط، ركن النزاع العربي الاسرائيلي على الرف. كما أن نتيجة هذا الصراع ستحدد مستقبل المنطقة لجيل قادم، كما تتوقع تايمز.
التعليقات