روكين ورفيقاتها نساء كرديات سوريات انضممن إلى الثورة السورية، ويقاتلن في خندق واحد، من غير حجاب، مع ثوار إسلاميين متشددين، تمكنّ أخيرًا من كسب احترامهم.


لوانا خوري من بيروت: الصحافة الأجنبية تهتم بكل ما هو أجنبي في الساحة السورية، فكانت الكرديات المناضلات في صفوف الجيش السوري الحرّ أجنبيات ايضًا.

وما كان من صحيفة تايمز البريطانية، شأنها شأن نظيراتها البريطانيات والأميركيات، إلا أن سلّطت الضوء على وحدة من نساء الكرد، مسلحات بالبنادق الروسية وبالعزيمة على رفض الذل، تقاتل ضد الجيش السوري النظامي في حلب، وعلى الإسلاميين السوريين، الذين فوجئوا بأنفسهم في خندق واحد مع كرديات، لا يقللن عنهم بأسًا، ولا تصميمًا على إزالة نظام بشار الأسد من الوجود.

ضد النساء أيضًا
يشار إلى أن كتيبة الكرديات مؤلفة من 40 امرأة كردية سورية، تعمل في صفوف الثورة السورية بإمرة قائدة ميدانية فذة تدعى روكين، لم تتجاوز السابعة والعشرين، بحسب ما يروي أنطوني لويد في تايمز.

وروكين هذه تقرأ نيتشة وأرسطو بنهم، كما تدخّن السجائر بنهم أيضًا. وفي الشهر الماضي، صوّبت فوهة quot;كلاشينكوفquot; روسية تحملها، وأردت أول رجل في حياتها.

تجلس روكين على مقعد مكسور في أحد صالونات التجميل المدمّرة على خط التماس في حي الشيخ مقصود في حلب، وتعبّر بثقة عن رؤيتها الشخصية للحرب الدائرة في سوريا اليوم.

تقول: quot;ليست هذه حربًا ضد الرجال وحدهم، بل ضد النساء أيضاً، خصوصًا أن المعارضين الإسلاميين لا يتزحزحون قيد أنملة عن إيمانهم الراسخ بأن النساء أعجز من أن يشاركن في هذه الحرب الضروس، وعن رأيهم بأنه من غير اللائق أن تعبّر المرأة عن نفسها بالقوة، لكنني أحمل كلاشينكوف صمّمه الروس ليقتلوا به، وهذا ما فعلته تمامًا، وما سأفعله دائمًاquot;.

بعض الاحترام
تنتمي روكين هذه إلى وحدات الحماية الشعبية الكردية، الموالية لحزب العمال الكردستاني، الذي يتزعمه عبد الله أوجلان. وكانت هذه الوحدات قد انتهجت سياسة الحياد بين طرفي النزاع السوري، وحصروا عملهم في حماية مناطقهم من غزوات الثوار، ثم سمحوا للجيش النظامي بالإغارة على مجموعات الجيش الحر المختبئة في هذه المناطق.

لكن الأمر انقلب رأسًا على عقب في آذار (مارس) الماضي، وانقلبت وحدات الحماية الكردية على النظام السوري، وتمكنت من إخراج قواته من حي الشيخ مقصود بعد أربعة أيام من القتال المرير، بمساعدة كتائب من الجيش الحر.

عندها، لقي مسلحو المعارضة السورية، وخصوصًا ذوي التوجهات الإسلامية الجهادية المتشددة، صعوبة في تقبّل روكين ورفيقات السلاح والنضال، quot;إلا أنهم اليوم يقدرّون ما نفعل، ويظهرون لنا بعض الاحترامquot;، كما تقول روكين بكل ثقة.

وهذا أمر بديهي، خصوصًا أن الكرديات نزلن الخنادق، وساهمن في العمليات العسكرية المختلفة، جنبًا إلى جنب رجال لم يعتادوا رؤية رجل بلا لحية ولا امرأة بلا حجاب.

توحد وفرقة
التورّط النسائي الكردي في الحرب ليس صورة نافرة للسوريين وحدهم، بل حتى للأكراد أنفسهم، لكن هؤلاء ينظرون إلى الأمر من المنظار السياسي. فالأكراد في سوريا لم يتوحّدوا على رأي حول قتال النظام السوري، وهم لن يتوحدوا في الرأي مع الجيش الحر.
فكل هدفهم أن يحظوا بالحكم الذاتي، كما حظي أكراد العراق بكردستانهم. وأين ذلك من أفكار إسلاميي الجيش السوري الحر، الذين يحملون الدم على الأكف في سبيل إقامة الدولة الإسلامية في سوريا؟.

وعلى الرغم من هذا التعارض، إلا أن دخول وحدات الحماية الشعبية الكردية في المعركة الحلبية ينتشر كالعدوى إلى مناطق كردية أخرى، كالقامشلي، التي شهدت في الأسبوع الماضي قيام عناصر هذه الوحدات بكمين لتعزيزات نظامية كانت في طريقها إلى مطار منغ، ما تسبب بقصف جوي انصب على قرى كردية عديدة.

ويرد قادة الوحدات الكردية هذا التبدل إلى انحسار الثقة بالنظام السوري، وإلى ما توصلت إليه المفاوضات بين تركيا وعبدالله أوجلان، الذي ترتفع صوره في الشيخ مقصود. فنحو 1500 مسلح كردي انسحبوا من الأراضي التركية إلى سوريا، وهؤلاء لا يعرفون إلا الحرب صنعة وحياة. فخافهم النظام، وبدأ يهاجمهم.

توحدت البندقيتان اليوم، الإسلامية والكردية، في حلب والقامشلي، لكن الفرقة واضحة، وليس أكثر إيضاحًا من قول إحدى فتيات روكين: quot;لا أقاتل الأسد لأذهب إلى الجنة، فأنا بكل بساطة لا أؤمن بهاquot;.