غياب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لليوم السادس يضع البلاد في رمال متحركة وسط غموض كبير حول الاستقرار السياسي والمؤسساتي للبلد، واحتدام التساؤلات مجددًا حول قدرته على إكمال فترته الرئاسية، وسط تمسك قوى الموالاة بترشيح الرئيس الحالي لولاية رابعة، ومعارضة قوى أخرى ضاغطة في قمة هرم الحكم.


الجزائر: خلافًا لانتقادات المعارضة وعموم المراقبين، يشدّد محمد كناي، القيادي البارز في جبهة التحرير على انتفاء أي غموض حول حقيقة الحالة الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، منوّهًا بحرص ديوان الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال على التعاطي بشفافية مع هذه المسألة، ونقل تطورات الوضع الصحي لبوتفليقة بانتظام، وهو ما يراه كناي مؤشرًا إيجابيًا وتمكينًا لمواطنيه من حقهم في أن يكونوا على بيّنة من وضع القاضي الأعلى في البلاد، ما قطع دابر التسريبات المغرضة.

وبمقابل إحجام مسؤولي الرئاسة عن الخوض في الموضوع، رفض كناي في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot; كل الهالة المُحيطة بمرض الرئيس الجزائري، حيث يذهب إلى أن الأمر يتعلق ببشر يتعرض كغيره إلى أمراض وعلل تقتضي المعالجة.

وردًا على دعوات قوى المعارضة لتفعيل المادة 88 من الدستور، المتضمنة حتمية إعلان شغور كرسي الرئاسة في حال ثبوت عجز الرئيس، يلاحظ كناي أن خصوم الرئيس يحاولون قطف الثمار قبل نضوجها، quot;مع أنّه لا يمكن استباق الزمن والقول بعجز الرئيس، وتلك مرحلة يحددها الأطباء، فإن قال هؤلاء بعدم قدرة الرئيس على الاستمرار يتولى المجلس الدستوري رسم معالم المرحلة الانتقاليةquot;.

لا نفق

يرفض كناي القول بدخول الجزائر النفق المظلم، quot;فمرض بوتفليقة لا يؤثر في الاستقرار السياسي للجزائر، لأنّ المؤسسات الرسمية تمارس صلاحياتها، لكن بعض المؤسسات لا تمارس مهامها وتترقب أوامر الرئيس، بحكم تعودها على التحرك بناءً على الاشارات والايعازاتquot;.

وعن الأوفر حظًا لخلافة بوتفليقة إن وافته المنية أو أعجزه المرض عن ممارسة مهامه السياسية، يقول كناي: quot;من حيث السلطة التشريعية، فإنّ الترتيبات تنص على أن الرجل الثاني في الدولة هو عبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة، والرجل الثالث في الدولة هو العربي ولد خليفة، رئيس المجلس الشعبي الوطني، هما الأقرب لموقع الرئاسةquot;.

لكن الأمور قد لا تسير كذلك طالما أن بن صالح وولد خليفة لا يحظيان بالمكانة ذاتها في هرم السلطة التنفيذية، وهو اعتبار يجعل سلال هو من يؤدي تقريبًا هذا الدور، في ظل قربه من بوتفليقة وتموقعه كأحد رجال النظام منذ ربع قرن.

نيابة الرئيس

تطالب جبهة التحرير باستحداث منصب نائب رئيس الجمهورية. ويلفت كناي إلى أن كل الدساتير السابقة في الجزائر أشارت إلى إمكانية تعيين نائب للرئيس، إلاّ أن النقطة ظلت من دون تنفيذ، مع أن المنصب إياه ضمانة أساسية لاستمرار المؤسسات بشكل طبيعي وسلس.

وتبعا للأدوار التي ظلت المؤسسة العسكرية تنهض بها في صناعة الرؤساء والتسويقquot; لتوليفة مرشح الإجماع، تحتدم التساؤلات حول تعاطي الجيش مع ما ينتاب الجزائر من راهن سياسي مترع بإثارة فضائح الفساد. في هذا السياق، يبقي كناي الباب مشرّعًا، مسوّغا رؤيته بكون كل مؤسسة في الجزائر لها كلمتها وبما تراه يصلح للوطن، ولا يتردد عن القول إنّه لا يمكن حرمان أي مؤسسة من مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها.

وبشأن الأحاديث حول دور مقبل للسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس، وسط أنباء عن إزاحته من منصبه كمستشار بالرئاسة ساعات قبيل إصابة الرئيس بالجلطة ونقله إلى فرنسا، يعتقد كناي أن الإزاحة كلام صحف ليس إلاّ، quot;فبوتفليقة يملك صلاحية تعيين أو إزاحة من يشاء في ممارسة شؤونه وذاك دأبه في تعامله مع مستشاره المباشرquot;.

فتاوى الدستور

من منظور قانوني، يؤكد بوجمعة غشير، رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، استحالة الخوض في إمكانية الذهاب إلى انتخابات رئاسية مسبقة، قبل التأكد من حقيقة الوضع الصحي للرئيس، quot;وفي حالة إثبات المانع كما ينص دستور البلاد، فهذا يستدعي إجراء هذه الانتخابات وانتخاب رئيس جديدquot;.

يوضح القانوني المخضرم أن كل شيء يتوقف على تقديم الأطباء لتقرير نهائي يؤكدون فيه أن بوتفليقة يستطيع مزاولة مهامه مستقبلًا أو يعجز عن ذلك، منبّها إلى أن المادة 88 من الدستور تنص على وجوب اجتماع المجلس الدستوري، وهي الجهة المخولة التي تقرر بناء على التقرير الطبي المشخّص لحالة الرئيس.

وفي حالة إثبات المانع، يقترح المجلس الدستوري على البرلمان بغرفتيه العليا والسفلى، بالتصريح بثبوت المانع من رئاسة البلاد. فيجتمع البرلمان ويأخذ بنسبة ثلثي أصوات الأعضاء للموافقة على هذا القرار. ومن هنا يتم الاعلان عن قرار تعيين رئيس مجلس الأمة رئيسًا بالنيابة لمدة 45 يومًا.

وفي حالة لم يشف الرئيس من وعكته، يتم الإعلان رسميا من طرف البرلمان عن شغور منصب رئيس الجمهورية، وتولي رئيس مجلس الأمة بصفته الرجل الثاني في الدولة رئاسة البلاد لمدة 60 يوما، يبدأ خلالها التحضير لانتخابات مبكرة.

وضع خطير

يؤكد علي بن حاج، الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة، أن مرض رئيس الدولة ينطوي على خطر ووقعه على المجتمع أشد خطورة، مع وصفه مؤسسات الدولة بالمريضة والفاسدة تعاني عيوبا فتاكة وقاتلة. والحاصل، يضيف بن حاج، أن الدول المريضة تزداد مرضًا بمرض رئيسها، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بنظام رئاسي يستحوذ فيه بوتفليقة على صلاحيات واسعة.

ويستهجن بن حاج كون القائمين على مشفى فال دوغراس الباريسي والمخابرات الفرنسية ورئيس فرنسا هم أعلم الناس بأسرار مرض بوتفليقة ودقائق حالته، وتلك في نظره كارثة، quot;في وقت يجهل فيه الجزائريون حقيقة مرض رئيسهم، وهل يتعلق الأمر بوعكة أو مرض عارض أو مزمن، وهل بإمكانه استئناف نشاطه السياسي أو أنه عاجز عنه هذه المرة، ولا شك في أن فرنسا ستتدخل بطريقة أو بأخرى في الشأن السياسي الجزائري، إذا أصبح الرئيس عاجزًا عن استئناف نشاطه السياسي، فهي تخشى على مصالحها التي تحققت لها منذ استفادة شركاتها المفلسة من مليارات الخزانة الجزائريةquot;.

من يحكم؟

من جانبه، يشدّد موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية القومية المعارضة، على أن الجزائر لن تشهد ولاية رابعة لبوتفليقة، بسبب وضعه الصحي الذي لا يسمح له بالاستمرار، quot;والأشخاص الذين يسوّقون لهذا الاعتقاد، يبحثون عن مصالحهم الشخصية فقط، لكونها مرتبطة ارتباطا وثيقا ببقاء بوتفليقة حاكمًاquot;.

وتؤيد نعيمة صالحي، رئيسة العدل والبيان، أن الوضع الصحي لحاكم البلاد حاليًا لا يؤهله لفترة رئاسية جديدة، وتشير إلى أن الرئيس غائب في الساحة المحلية مبرزة بلهجة لها معناها: quot;لا يوجد من نتحدث معهquot;. وتساءلت على مصير الجزائر: quot;من يحكم البلاد إذن؟quot;.