التعاطي الأمني للسلطات المغربية يفاقم الوضع المتوتر في عدد من أقاليم الصحراء الغربية، ويطالب مراقبون وحقوقيون بضرورة إشراك أبناء الصحراء عبر ممثليهم في الجمعيات المدنية والأحزاب والنقابات، وإعادة الاعتبار للكفاءات الصحراوية للخروج من حالة الاحتقان الأمني.


يحيى بن الطاهر من الرباط: باتت قضية التدبير الأمني في الصحراء الغربية هاجسًا يؤرق السلطات المغربية مع استمرار الضغوط التي تمارس عليها بين الفينة والأخرى من قبل المطالبين بتوسيع مهام quot;مينورسوquot; (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية)، لتشمل حقوق الإنسان التي قد لا تكون آخرها المسودة الأميركية المتعلقة بتوسيع صلاحيات مينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء قبل أن يتم سحبها بعد جهد دبلوماسي مغربي رعاه الملك محمد السادس شخصيًا.

يعتقد جمعويون وحقوقيون من الصحراء الغربية أن المقاربة الأمنية المغربية المتبعة في الصحراء أبانت عن فشلها، ويرون في إشراك أبناء الصحراء عبر ممثليهم في الجمعيات المدنية والأحزاب والنقابات، وكذا إعادة الاعتبار للكفاءات الصحراوية وإشراكها في التدبير، سبيلاً للخروج من حالة الاحتقان الأمني.

استعمال العنف خطأ

يرى الناشط الجمعوي والمسؤول برابطة أنصار الحكم الذاتي، إبراهيم أفروخ، وهو صحراوي مغربي، أن مطالب خصوم المغرب لمراقبة حقوق الإنسانما زالت مستمرة، مؤكداً على أن الأمر لن يكون سهلاً مستقبلاً.

ونوّه أفروخ بالدور الكبير الذي لعبه الملك محمد السادس في سحب الحليف الأميركي للمغرب مقترحه بشأن توسيع صلاحيات quot;مينورسوquot; (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية)، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.

وأضاف أفروخ لـquot;إيلافquot;: في ما يتعلق بالتدبير الأمني في الصحراء، يجب الحديث عن المستوى الميداني، حيث هناك مواجهات يومية بين النشطاء الموالين لجبهة البوليساريو في الأقاليم الصحراوية وقوى الأمن العمومية، وصلت في بعض الأحيان إلى الوضع الدموي بين الطرفينquot;.

دور جزائري

أشار أفروخ إلى الدور quot;الأساسي للجزائر ودعمها العلني للانتفاضة في الصحراء عير تخصيص إمكانات مادية ومعنوية كبيرة من أجل توسيع دائرة التوتر والمواجهات وضمان استمرارها في الصحراءquot;، على حدّ تعبيره.

وحذر من أن أي تدخل أمني عنيف سوف يخدم الدعاية المطالبة بمراقبة حقوق الإنسان في المنطقة quot;التي تجند وسائل كبيرة دولية بدعم من جنوب أفريقيا والجزائر وبعض خصوم المغربquot;.

أضاف: quot;المسؤولون عن الأمن في العيون (حاضرة الصحراء) هم الآن في وضع حرج جراء المواجهات المتكررة هنا وهناك، والتي تتابعها منظمات حقوقية دولية بشكل كبير، والحراك الآن في العيون ليس حراكًا اجتماعيًا أو نقابيًا، بل هو حراك سياسي ترفع فيه شعارات تطالب بتقرير المصيرquot;.

صدامات وتوتر

منذ مساء الجمعة 26 أبريل/نيسان الماضي، شهدت عدة مدن صحراوية، من بينها مدينة العيون أكبر مدن الصحراء، مواجهات بين متظاهرين من الموالين لجبهة البوليساريو وقوى الأمن وصلت إلى درجة من العنف تزامنًا مع عدم تمرير المسودة الأميركية المتعلقة بتوسيع صلاحيات مينورسو في الصحراء لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وأعطيت له أهمية إعلامية أكثر خلال المدة الأخيرة.

وأشار بلاغ لوزارة الداخلية المغربية أن المتظاهرين عمدوا إلى احتلال الشارع العام وشرعوا في رشق قوات الأمن بالحجارة وبالزجاجات الحارقة أحيانًا، ما اضطرها إلى تفريق المتجمهرين بعد إشعارهم بضرورة إخلاء الشارع العام، فيما أسفرت أعمال العنف عن إصابة 70 عنصرًا من قوات الأمن وإلحاق خسائر مادية بـ11 سيارة أمن.

تقرير المصير

أوضح أفروخ أن الوضع في الصحراء كان دائمًا متوترًا، وقال: quot;لمواجهة الشعارات التي تطالب بتقرير المصير ومراقبة وضع حقوق الإنسان في الصحراء، هناك إفراط في التدخل الأمني ناتج عن الخطأ في التدبير.quot;

وأكد أن مواجهة المحتجين بالعنف هو خطأـ مستحضرًا في هذا السياق كون الصحراء أصبحت وجهة لمجموعة من المنظمات الحقوقية الدولية، حيث يعمل خصوم المغرب على استغلال هذا الوضع من أجل الدفع بدعوة مجموعة من المنظمات الحقوقية لزيارة الأقاليم الصحراوية، على حدّ تعبيره.

محاذير ومخاوف

لأجل تفادي هذه الأخطاء الأمنية للسلطات المغربية وتجاوز هذا الوضع، يرى الناشط إبراهيم أفروخ أنه يجب إشراك الصحراويين والمجتمع المدني والأحزاب السياسية في التدبير الأمني، محذرًا في الآن ذاته ما قد تشهده الصحراء من تطورات جديدة quot;ناتجة أيضاً عن تغييب ممنهج للفعاليات الصحراوية المؤيدة للحكم الذاتي والمجتمع المدني التي لا تتم استشارتها في شؤون الصحراء.quot;

ممارسات ضد قيم المجتمع الصحراوي

من جهته، اعتبر الحقوقي مولود سبع، أن التعامل الأمني في الصحراء يمثل سببًا رئيسًا لمجموعة من المشاكل.

وقال سبع لـquot;إيلافquot;: quot;إن الآخر الذي يروج لأطروحة الاستقلال والانفصال يستغل الإشكالات الاجتماعية المطروحة في الصحراء، إذ إن جميع التحركات لها خلفية اجتماعية محضة بالأساسquot;.

لم يخفِ سبع من أن هناك ضعفاً على مستوى تأطير الأحزاب والجمعيات للشباب الصحراوي، ويستدرك: quot;لكن، حتى المشاكل الاجتماعية، تبقى السبب الرئيسي لمجموعة من التوترات التي تشهدها المنطقة، وتلكؤ السلطات المحلية، على الخصوص، قصد معالجة الملفات الاجتماعية والانكباب الجدي عبر سن برامج تنموية هادفة وحقيقية.quot;

يضيف: quot;لا أعتقد أن الأحداث الأخيرة في بعض مناطق الصحراء بالمستوى السياسي الذي يحاول البعض أن يروج له، لكن تغذيها أطراف أخرى من أجل تسييسها، خصوصًا في الشق الحقوقيquot;، مؤكدًا أن قيم المجتمع الصحراوي ترفض بعض ما تمارسه السلطات الأمنية.

ممارسات مرفوضة

يقول: quot;باعتباري صحراويًا، لا أقبل بتاتًا أن ترفس امرأة وتضرب بطريقة بشعة، بغض النظر عن كل اعتبار، من قبل رجال الأمن، فيما الآخر يستغل ويصور في شكل دعاية فظيعة التي لا تخدمنا كصحراويين وحدويين بقدر ما تخدم الأجندات الأجنبيةquot;.

دور سلبي للأعيان

وأشار إلى الدور السلبي للأعيان quot;الذين كونتهم الدولة والذين لم يكونوا أغنياء من قبلquot;.

يقول: quot;نحن نعرف العائلات الكبيرة في الصحراء، من بينها quot;آل الرشيدquot; الذين كانوا من أفقر عائلات قبائل الركيبات،quot; متسائلاً عمن كوّنهم ومنحهم سلطة، مثل نماذج أخرى، quot;في مقابل الفئات المحرومة التي تتسع قاعدتها.quot;

واتهم سبع الأعيان والمسؤولين الإداريين والعمال (محافظي المدن) بالتلاعب في مساعدات الدولة للمحرومين من أبناء الصحراء والتي عادة ما تؤجج الوضع الأمني في الأقاليم الصحراوية.

واعتبر أن هناك أناسًا داخل الأمن يفتقدون للخبرة ولا يحترمون قيم المجتمع الصحراوي.

ويختم قائلاً: quot;أعتقد أن هناك ما يكفي من الأطر الصحراوية الواعية والتي تدرك مشاكل الصحراء جيدًا، وتفهم عقلية الإنسان هناك، أرى أن هذه الأطر هي التي يجب أن تنزل إلى الساحةquot;.