عبّر صحافيون عراقيون وعرب وأجانب عن مخاوف من حال الانفلات المعلوماتي الذي يشهده الإعلام الالكتروني العربي، وأكدوا على ضرورة الحرص على الدور المحايد للإعلام في ظل الصراع السياسي القائم في العراق، حتى لاينخرط في هذا النزاع أو يكون جزءًا منه، وشددوا على أهمية تجاوز الإعلام لتصريحات ومواقف السياسيين، التي تشجّع على التمييز القومي والطائفي.


أسامة مهدي من إسطنبول: قال رئيس هيئة الإعلام والصحافة التركمانية كمال بياتلي في كلمة له افتتح بها أعمال المؤتمر الخامس للهيئة في إسطنبول اليوم السبت إن إعلام التركمان في العراق لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب في التعبير عن طموحات ومصالح التركمان بشكل خاص، والعراقيين بشكل عام.

حرية مسؤولة
وأشار إلى أن الهيئة تعمل بجدية من أجل إيصال هذا الإعلام إلى المعايير الدولية. وأضاف إن الصحافة التركمانية العراقية تسعى إلى تجاوز الرقابة والتهميش المفروضين عليها، من خلال محاولات رفع صوتها لإسماعه إلى العالم كله، عبر الحرية التي تناضل من أجلها، على أن لا تصل هذه الحرية إلى حالة التمادي في مهاجمة الآخر أو تحويل الإعلام إلى ساحة صراع بين المتنافسين.

وأكد على ضرورة الحرص على الدور المحايد للإعلام في ظل الصراع السياسي القائم في العراق، حتى لاينخرط في هذا النزاع أو يكون جزءًا منه. وشدد على أهمية تجاوز الإعلام لتصريحات ومواقف السياسيين، التي تشجّع على التمييز القومي والطائفي. وقال إن هناك مسؤوليات متبادلة بين الإعلام والدولة يجب أن تتصف بالمسؤولية المتبادلة.

لدعم الصحافيين التركمان
ودعا السلطات العراقية إلى دعم الصحافيين التركمان وإيجاد فرص عمل للخريجين التركمان الشباب في مجال الإعلام في مؤسسات الدولة الإعلامية وإفادتهم من المنح الإعلامية للدراسات الإعلامية والصحافية خارج العراق.

من جهته أشار نقيب الصحافيين العراقيين مؤيد اللامي إلى عدم وجود إعلام محايد بمعني الكلمة، وقال إن العراق أصبح بعد التغيير عام 2003 يتمتع بمساحة إعلامية واسعة، برغم المخاطر التي يتعرّض لها الصحافيون، الذين قتل منهم حتى الآن حوالى 370 صحافيًا. وأضاف إن الصحافي العراقي يقاتل من أجل إيصال المعلومة والصورة إلى جميع المتلقين في العالم، وهو بذلك يؤدي دورًا كبيرًا محفوفًا بالمخاطر.

غول وأردوغان: لبلوغ أهداف الصحافة التركمانية العراقية
وفي كلمته التي ألقاها بالنيابة عنه أرشاد هورموزلو كبير مستشاريه لشؤون الشرق الأوسط، قال الرئيس التركي عبد الله غول إن الصحافيين التركمان يمثلون القومية الثالثة في العراق، ويعكسون آمالها وطموحاتها باعتبارها جزءًا لايتجزا من العراق. وأضاف إنه مع انتشار الثقافة الإعلامية واحترام الآخر فإن للتركمان دورًا في تطوير هذه الثقافة.

واعتبر أن الصحافيين التركمان في العراق يواصلون مع أخوتهم الصحافيين في تركيا العمل من أجل الحفاظ على وحدة العراق وشعبه.. وعبّر عن الأمل في أن تفتح استضافة تركيا للمؤتمر آفاقًا جديدة أمام تطور الصحافة التركمانية العراقية.

أما رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فقد عبّر عن أمله في أن تتحقق الأهداف العامة للصحافة التركمانية العراقية بشكل يترجم إلى حقائق تلامس أرض الواقع. وقال في رسالة إلى المؤتمر إنه quot;في هذه الجغرافيا التي يعمل فيها منتسبو الإعلام التركماني العراقي والمشاركون في هذا الجهد الإعلامي من العراقيين المشاركين في المؤتمر يجب أن ينجحوا في مهمتهم النبيلةquot;.

ثم ألقى صحافيون وسياسيون أتراك وإعلاميون عراقيون كلمات أكدت على ضرورة العمل من أجل الحريات الصحافية ومساهمة الإعلام في التطورات السياسية والاجتماعية الحاصلة في المنطقة.

دور الإعلام في صنع القرار السياسي
في المحور الأول من المؤتمر ناقشت الجلسة الأولى إشكالية مساهمة الإعلام في صنع القرار السياسي، حيث أشار نقيب الصحافيين العراقيين مؤيد اللامي إلى أن الإعلام العراقي لم يصل بعد إلى مرحلة إحداث التغيير السلمي والسياسي. وقال إن الإعلام في العراق ودول أخرى في المنطقة يحتاج مزيدًا من الوقت ليكون مؤثرًا وفاعلًا في عمليات التغيير للواقع السياسي بشكل حاسم.

من جانبه قال رئيس تحرير جريدة كتابات الالكترونية العراقية أياد الزاملي إن الإعلام العراقي مازال يعاني من التجاذبات الحكومية والمهنية، التي تؤثر في مسيرته ووظيفته الخطيرة. وأكد أن هامش الحرية، الذي يتمتع به الإعلام العراقي حاليًا، تحيط به الخشية من الإرهاب والقمع، اللذين يقفا بوجه حرية التعبير.

وأضاف إن الإعلام العراقي يضطلع الآن بدور المعارض لفضح الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان لعدم وجود معارضة حقيقية. وأوضح أن للإعلام العراقي الآن مساحة محسوبة من الحرية، وهو لايزال يواجه عقبات وصعوبات تحتاج وقتًا ليتمكن بعدها من التمتع بحرية أداء واجبه بمهنية ومسؤولية حقيقية.

أما الصحافي سرمد الطائي من جريدة المدى العراقية فقد أشار إلى أن الإعلام العراقي قد استفاد من التعددية السياسية في البلاد، فهو برغم الخوف من عمليات القتل والخطف التي يتعرّض لها صحافيوه، فإنه يتكلم ويفضح ويؤشر إلى مكامن الساد والقمع والانتهاكات. إلا أنه أشار إلى أن هذا الإعلام يعاني من عمليات حجب المعلومات رسميًا، التي تمنعه أحيانًا من فضح التجاوزات الحاصلة في البلاد.

هموم معيشية وأدلجة
وأشار الصحافي العراقي غزوان جاسم إلى أن الغالبية الساحقة من المؤسسات الإعلامية والصحافية في العراق مؤدلجة، والصحافي يعيش أزمتي الحرية ومتطلبات حياته المعيشية، لكنه قال إن الإعلامي العراقي قادر على الاستمرار في العمل من أجل التأثير في القضايا المهمة التي يعيشها بلده.

من جانبه قال نبيل جاسم الأستاذ في كلية الإعلام في جامعة بغداد إن للإعلام العراقي حاليًا دورًا في عمليات الإصلاح السياسي وتشكيل مفاهيم الناس ومواقفها من مختلف القضايا التي يعيشونها، لكنه أوضح أن هناك إشكالية ثقة تطبع العلاقة بين الصحافيين والسياسيين.

ورأى أن واحدة من المشكلات التي تواجهها الصحافة في العراق الآن هي غياب القوانين والتشريعات، التي تساعد على الحصول على المعلومة الصحيحة بعيدًا عن الأقاويل والشائعات غير الحقيقية، مشددًا على حاجة العراق إلى مثل هذه التشريعات، التي تحمي عملية الحصول على المعلومة والتعبير عن الرأي الحر والصادق. من جانبه قال عبد الجيار جامي رئيس هيئة الإعلام في التيار الصدري إن الإعلام في العراق مازال يعيش تبعيته وذيليته للسياسيين، فهو إعلام موجّه ومنحاز دائمًا.

دور الإعلام الالكتروني في التحولات الاجتماعية
وفي المحور الثاني من نقاشات المؤتمر حول دور الإعلام الالكتروني في التحولات الاجتماعية في الوطن العربي، فقد تحدث الصحافي الفرنسي جيلييه ميونير من مجلة أفريك آسيا عن التحولات السياسية في العراق، وخاصة في شمال البلاد، حيث الأكراد والتركمان يعيشون هناك.. وتطرق إلى العلاقة بين الطرفين ودور الإعلام في تشكيل هذه العلاقة، التي لاتخلو من توتر، في ظل محاولات الأكراد تغيير التركيبة السكانية للمناطق التركمانية، وخاصة في مدينة كركوك الغنية بالنفط، التي يطالب الأكراد بضمها إلى إقليمهم الشمالي، بحسب مشاهداته الميدانية هناك.

أما الإعلامية ومقدمة البرامج ومنتجة الأفلام الوثائقية بابرا عزيز فقد أشارت إلى أن مصداقية الإعلام الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي تعاني أزمة ثقة من خلال المعلومات التي تنشرها، وفيما إذا كانت حقيقية أم لا، لأن معظمها غير معزز بالوثائق. وأكدت ضرورة تطوير الإعلام التركماني بالشكل الذي يستطيع تعريف العالم بمشاكل وهموم الشعب التركماني في العراق.

ثم تحدث مسؤول الملف العراقي في جريدة quot;إيلافquot; الالكترونية أسامة مهدي عن الربيع الالكتروني ومشكلات الانفلات التي يعانيها الإعلام الالكتروني، فقال إنه بالرغم من حال التفاؤل هذه في الوصول إلى إعلام حر ومسؤول بعد الربيع العربي، إلا أن الواقع يؤشر إلى مخاوف على صعيدين: الأول استمرار القيود بطبعتها الرسمية الجديدة للأنظمة التي خلفت الدكتاتوريات.. وثانيها حالة الانفلات الإعلامي، التي أصبحت تحت رحمة طارئين، لا يتحلون بالمسؤولية، ولا يدركون خطورة السلاح، الذي هو الآن بين أيديهم، وحتى أصبح هناك من يقول إن هذا الإعلام الالكتروني بات quot;مهنة من لا مهنة لهquot;.

مراجعة ذاتية
وأكد على حاجة الإعلام الالكتروني إلى مراجعة ذاتية لمرحلة حاسمة خاضها على مدى العامين الماضيين، خاصة بعدما انجلى غبار معركته مع حكامه المستبدين بتحقيق النصر.. وهذه المراجعة تحتاج مواقف يحتكم فيها الضمير الوطني والمراقبة الذاتية الحريصة على حاضر ومستقبل بلدها أولًا، وعلى واقع المهنة وتطورها وأدائها للمسؤولية الجسيمة التي تضطلع بها ثانيًا.

وقال إن العمل الصحافي لن يستقيم من دون وجود أسس ومعايير واضحة. فالديموقراطية لن تتأتى بدون حرية الإعلام، التي يجب أن تسنتد هي الأخرى إلى المسؤولية الأخلاقية وإلى المعايير والأسس المهنية، التي تنبع من الوسط الإعلامي نفسه، وألا تكون مفروضة عليه من الخارج.. فالرقابة الذاتية عملية سيكولوجية يعيشها الصحافي قبل أن يرسلها إلى المتلقي.

أما الإعلامي في قناة الجزيرة عدي الكاتب فقد أشار إلى أن الإعلام الالكتروني هو ابن شرعي للعولمة وللتقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات، لكنه لفت إلى المساحة الواسعة من الحرية التي أصبح يتمتع بها هذا الإعلام، فقد أخذ منحى فوضويًا في بعض الأحيان وتسبب في تأجيج الصراعات العرقية والطائفية.

وأشارت الصحافية الألمانية ميري فيتزجبرالد إلى ضرورة تطوير الإعلام التركماني لتعريف العالم بقضايا التركمان، مؤكدة على أهمية استحداث مواقع الكترونية وإصدار صحف ومجلات وتأسيس قنوات فضائية باللغات الأجنبية المختلفة من أجل إيصال هذه القضايا إلى مختلف الشعوب.

التأثير في الصراع الطائفي
من جهته أشار الصحافي المصري أبو بكر أبو المجد إلى أن أسوأ ما في الإعلام الالكتروني حاليًا هو تأثيره في النزاع الطائفي والعرقي والديني، حتى أصبح سلعة بعيدة عن المهنية والمصداقية، وهو ما يتطلب عملًا عاجلًا ودؤوبًا لوقف انحدار هذا الإعلام نحو مديات سلبية خطيرة في ظل ضعف ثقافات الشعوب العربية.

خلال هذه المؤتمر، الذي يستمر يومين، يبحث صحافيون وإعلاميون عراقيون وعرب وأجانب دور الإعلام الالكتروني في صنع القرار السياسي والتطور الاجتماعي، ويناقشون تأثير الربيع العربي على حرية الإعلام ومشاكل الاعلام الكتروني في مرحلة ما بعد الأنظمة الدكتاتورية ومسؤولية الشباب في الإعلام. وينعقد هذا المؤتمر تحت عنوان quot;نحو الخبر الصادق والتحليل الصائبquot;.

وأبلغ عضو الهيئة العليا للصحافة التركمانية شكران قاوقجي quot;إيلافquot; اليوم أن هذا هو المؤتمر الخامس لهيئة الصحافة التركمانية، التي تأسست عام 2006، وتعقد مؤتمراتها كل عامين، وأصدرت ميثاق الشرف الصحافي التركماني. وعن الأسباب التي تدعو إلى عقد هذه المؤتمر في تركيا، وليس في العراق، أوضح أن الهدف الأساس هو إقامة هذا الملتقى الإعلامي في العراق في أي واحدة من مدنه، لكن الوضع الأمني غير المستقر هناك يحول دون ذلك، ويعوق قدوم مشاركين من خارج البلاد.

وعن الهدف من عقد هذه المؤتمرات أشار قاوقجي إلى أنها تنكب على وضع أسس للتعاون وتبادل الآراء ووجهات النظر حول الإعلام ودوره في تحقيق تطلعات الشعوب، وخاصة العراقي، ومنه التركماني، وتوحيد لغة الخطاب في الإعلام التركماني من أجل دعم نضال التركمان بكل الوسائل السلمية وضمن إطار الديمقراطية.. إضافة إلى التركيز على نشر المبادئ التي تحقق الحفاظ على وحدة تراب العراق وأمن واستقرار مواطنيه بعيدًا عن كل أساليب القهر والإقصاء والتهميش.

وعن طبيعة هيئة الصحافة التركمانية لفت قاوقجي إلى أنها ليست سلطة قضائية أو تنفيذية، وإنما هي مؤسسة تقدم المشورة، وتطرح آراءها في القضايا المتعلقة بالإعلام التركماني بكل أشكاله. وقال إن المؤتمر الحالي سيشهد اختيار لجنة تنفيذية جديدة للهيئة وسكرتير عام لها.

يذكر أن المؤتمر الرابع للهيئة كان عقد في العاصمة التركية أنقرة في نيسان (إبريل) عام 2011 بمشاركة أكثر من 150 إعلاميًا، كما استضاف نخبة من المفكرين والإعلاميين والصحافيين من العراق والدول العربية والأجنبية، الذين أغنوا المؤتمر بتجاربهم، وأكدوا تضامنهم مع ممثلي الإعلام التركماني العراقي، كما استضاف مجموعة من ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات الفكرية والثقافية العراقيين على مختلف قومياتهم واتجاهاتهم الفكرية.