حسم علي أكبر رفسنجاني مسألة ترشحه للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، ورغم صداقة قديمة جدًا تربطه بالمرشد إلا أن أفكارًا حساسة تباعدهما، ففي حين يرى رفسنجاني أن البلاد تواجه خطر quot;فاشية إسلاميةquot; يصرّ خامنئي على أنها quot;منارة للحريةquot;.


مرّ زمن بدا فيه علي أكبر هاشمي رفسنجاني وكأنّ كل ما يريده في متناول يده. فهو الذي شارك في تأسيس الجمهورية الإسلامية وكان يقود إمبراطورية عائلية تملك ثاني أكبر شركة طيران إيرانية، وتكاد تحتكر تجارة الفستق المربحة وتسيطر على أكبر جامعة أهلية في إيران هي جامعة آزاد.

ثم بدأ الصرح يتداعى تدريجيًا. فأطلق الإيرانيون الذين أغضبتهم ثروته وصفقاته المشبوهة واتهموه بالضلوع في تصفية معارضين، لقب quot;أكبر شاهquot;، كناية بحكام الفرس القدامى، الذين كانوا يجلسون على أرائك من المخمل في بلاطات باذخة.

أرستقراطي أميركي
وسارع منافسو رفسنجاني إلى توظيف تأييده للإصلاحيين ضده، وأطلقوا عليه صفات quot;الأرستقراطيquot; وquot;الرأسماليquot; ونصير quot;الإسلام الأميركيquot;.

هبط رصيد رفسنجاني السياسي، حتى إنه في عام 2002 لم يتمكن من نيل أصوات كافية للفوز بمقعد في البرلمان. ومُني رفسنجاني بهزيمة مهينة على يد محمود أحمدي نجاد في انتخابات 2005 الرئاسية، وانتهى المآل باثنين من أبنائه إلى وراء القضبان. وتكفلت دعوته إلى مزيد من الحرية خلال احتجاجات 2009 بغضب الملالي المحافظين والقادة العسكريين ومعاداته.

اليوم، من خارج حلقة السلطة المغلقة في إيران، يحاول رفسنجاني (79 عامًا) العودة إلى الحلبة، وسجل اسمه يوم السبت الماضي مرشحًا لانتخابات 14 حزيران/يونيو. ويبدو أن سمعته كبرغماتي وتحديثي في مجال الاقتصاد أخذت تضرب وترًا حقق له استجابة بين الإيرانيين.

آمال في الإصلاح
وقال الصحافي فرشاد قربانبور، الذي أمضى أشهرًا عدة في السجن، لعلاقته بالمعارضة، إن رفسنجاني quot;الوحيد القادر على إصلاح هذا الوضع البائسquot;. وأعرب قربانبور عن ثقته بأن رفسنجاني قادر على إنعاش الاقتصاد الإيراني، الذي يمر بأزمة خانقة تحت وطأة العقوبات الدولية.

وتتطلع غالبية الإيرانيين الذين أنهكهم الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع معدلات التضخم إلى سياسات تحفز الأعمال وتخفض أسعار المواد الأساسية والعقارات وتحسن سعر صرف العملة الإيرانية. ويقول كثيرون في طهران إن رفسنجاني هو رجل المرحلة رغم سأمهم العام من السياسة.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن حسن سرهنغي، وهو تاجر من جنوب طهران، قوله quot;إن رفسنجاني حاذق في الاقتصاد، وتجارتي الآن كاسدة، ولكن ليس لدينا أحد بمواصفاتهquot;.

توفيق صعب
وإذا وافق مجلس صيانة الدستور على ترشيح رفسنجاني، فإنه على الأرجح سيجد نفسه في موقف دقيق، يتطلب منه المشي على حبل مشدود، للتوفيق بين قاعدته الشعبية من سكان المدن المستائين، الذين يريدون حريات أوسع وسياسات اقتصادية واقعية من جهة، وإرضاء قادة إيران، الذين يقول العديد منهم إنه يجب أن يُحاكم بتهمة الفساد والارتباط بالمعارضة من الجهة الأخرى.

وكانت علاقة وثيقة تربط رفسنجاني بمؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني. وتولى رفسنجاني الرئاسة في الفترة من 1989 إلى 1997، وأصبح بعد ذلك صانع ملوك في السياسة الإيرانية، ويقال إنه هو من أوصل آية الله علي خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى بعد رحيل الخميني. وتتفق غالبية المحللين على أن مثل هذه الخبرة، فضلًا عن دعم خامنئي المتواصل له، هما ما أتاح له البقاء بعد سقوطه، بل وأن يراوده الأمل بالعودة إلى قمة السلطة من جديد.

لكن طريق رفسنجاني إلى القمة محفوف بالمخاطر. وأخيرًا وجّه وزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي تحذيرًا إليه بألا يرشّح نفسه في الانتخابات الرئاسية. وقال الوزير إن السبب الوحيد الذي حال دون إلقاء رفسنجاني في السجن على كلمته في تأييد المحتجين عام 2009، هو quot;اعتبارات معيّنة لدى النظامquot;، في إشارة إلى علاقة رفسنجاني بالمرشد الأعلى. وقال مصلحي مذكرًا باحتجاجات 2009 quot;لا تخطىء في الظن بأن الثورة نسيت الدور الذي قمتَ بهquot;.

صديق الفتنة
العقبة الأخرى تتمثل في ما إذا كان مجلس صيانة الدستور، المؤلف من 12 عضوًا عيّنهم خامنئي ورئيس السلطة القضائية وصادق البرلمان على تعيينهم، سيوافق على ترشيح رفسنجاني ومشاركته في الانتخابات. وكان 100 نائب بعثوا يوم الثلاثاء الماضي برسالة إلى مجلس صيانة الدستور يطلبون منه رفض ترشيح رفسنجاني، قائلين إنه quot;صديق الفتنةquot; لتأييده احتجاجات 2009.

يستطيع رفسنجاني أن يراهن في تصديه لهذه الحملة على علاقته بآية الله خامنئي صديقه quot;منذ 50 عامًاquot;، كما يحلو لرفسنجاني أن يعيد التذكير. ورفض المرشد الأعلى، الذي يحافظ على سلطته بتأليب الأجنحة المختلفة على بعضها البعض، أن يرفع غطاء الحماية التي يتمتع بها رفسنجاني ضد خصومه. وفي المقابل حرص رفسنجاني على ألا ينتقد المرشد الأعلى ولا حتى بكلمة.

فاشية ومنارة!
لكن رغم علاقاتهما القديمة، فإن لدى الرجلين أفكارًا مختلفة من الأساس عن حال إيران اليوم. فإن رفسنجاني دأب منذ سنوات على القول إن إيران تواجه خطر quot;فاشية إسلاميةquot; وتمر بأزمة quot;خطيرةquot;، في حين يصرّ المرشد الأعلى على أن إيران quot;منارة للحريةquot; وتحقق quot;خطوات مدهشة إلى الأمامquot;.

وقال محللون إن هذا الخلاف من شأنه أن يقيّد ما يستطيع أن يقوله رفسنجاني في أي حملة. فإن هذه العلاقة مع المرشد الأعلى لا تحدد قدرته على معالجة القضايا الملحّة، التي تواجه بلده فحسب، بل إن أنصار خامنئي يتلهفون على تلقف أي انتقاد محتمل بوصفه إهانة للمرشد الأعلى يعاقب عليها القانون الإيراني.

لكن من الواضح أن رفسنجاني أسير دعم صديقه القديم. ففي مقابلة مع صحيفة quot;شرقquot; الإصلاحية، وصفت ابنته فاطمة كيف انتظر والدها إلى جانب التلفون طوال يوم التسجيل، ليتصل به خامنئي مباركًا له ترشيحه، لا سيما وأنه أعلن في وقت سابق أنه لن يترشح من دون هذه المباركة.

لم يرن التلفون، ويئس رفسنجاني من التزكية التي كان ينتظرها من صديقه، وأمر العاملين في مكتبه بأن يعدوا رسالة يشرح فيها لماذا قرر عدم المشاركة في السباق الرئاسي.

تختلف الروايات عما حدث، ولكن قبل نحو نصف ساعة من غلق باب التسجيل، قالت فاطمة إن والدها اندفع خارج مكتبه، وقال quot;باسم الله ، لنذهب!quot;، وكاد يفوته موعد التسجيل.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن صحافي إيراني قريب من معسكر رفسنجاني، طلب عدم ذكر اسمه، قوله: quot;نحن لا نعرف ما إذا منح السيد خامنئي بركته بوضوح، ولكنني أحسب أننا سنعرف عمّا قريبquot;.