لا يمكن إنكار الواقع الطائفي في العراق، ومن مظاهره ارتفاع حدة التخاطب الطائفي بالشتائم والتكفير على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يكرس استقطابًا ترتفع وتيرته على وقع الانقسام السوري.

بغداد: تتسلل الفتنة الطائفية في العراق تدريجيًا من الواقع إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات والفضائيات. وفي وقت تزداد فيه التفجيرات وتتسع رقعتها من بغداد إلى مناطق أخرى من البلاد، يزداد معها الاستقطاب الطائفي والانكفاء المذهبي. ويقول الباحث الاسلامي احمد الخاقاني إن التطرف سيد الموقف حتى في الاستماع إلى الخطاب اليومي والاخبار.
يتابع: quot;لا يحبذ كثيرون اليوم حتى متابعة القنوات المحايدة، بل يميلون إلى القنوات الفضائية ذات الصبغة المذهبية، والتي تتلاءم مع توجهاتهم الفكرية، فالشيعي لا يستمع الا إلى القنوات الشيعية، والسني لا يشاهد سوى القنوات التي تلائم افكاره واعتقاده، ليتعمق الخطاب الطائفي وينتشر بشكل مريبquot;.
ويؤكد أحمد سعد من كربلاء أنه يتعمد عدم متابعة قنوات أخرى معادية لمذهبه بغية التحصين الفكري، كما نصحه بذلك رجل دين.
شتائم وتكفير
وفي المنتديات الالكترونية، يتبادل عراقيون السباب والشتائم والاتهامات الطائفية. وفي منتدى الاصدقاء، رفع احمد الحسيني صورة وضع عليها شعارات مقدسة وصور ائمة تمجّد زعيم حزب الله حسن نصرالله واعتبره مناصرًا للحق في العالم. لكن الردود التي تلقاها، كانت شتائم وسباباً واتهامات بالعمالة، ليست موجهة إلى حسن نصر الله فحسب، بل إلى احمد نفسه. وكتب احدهم يرد على احمد: quot;حسن نصر الله طائفي وقتل السوريينquot;.
وينهمك الكثير من شباب العراق من المناطق الشيعية بشكل واسع في رفع صور مرقد السيدة زينب، مصحوبة بشعارات تدعو إلى الجهاد ذودًا عن المرقد ضد التكفيريين، كما يسمونهم. في حين ينشر آخرون في المناطق السنية صورًا لسجناء عراقيين يقولون إنهم اعتقلوا وعذبوا لإسباب طائفية من قبل الاجهزة الامنية العراقية.
وشهد العراق بين العامين 2006 و2007 أعمال عنف طائفية، وصلت في ذروتها إلى ضرب مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء، وراح ضحية هذا العنف الآلاف من الأرواح التي أزهقت على خلفية الانتماء الطائفي والعشائري.
وكتب الشاب جعفر حسن على صفحته في فايسبوك قائلًا إن من يتخلى عن دعوة الجهاد يعتبر كافرًا. فرد عليه شباب من طائفة اخرى: quot;مصيركم ومصير من يقاتل معكم النار، لانكم تدافعون عن الرموز الوثنيةquot;.
حرب الكترونية علنية
لم تعد الحرب الالكترونية الطائفية خافية، بل واضحة وجلية لا يمكن تجاهلها. يؤكد رحيم الاسدي، صاحب مقهى إنترنت ومتابع لاهتمامات الشباب: quot;الهم الطائفي اصبح ديدن الكثيرينquot;.
يضيف: quot;اغلبهم يبدون اهتمامًا بأخبار التفجيرات في العراق، لكنهم يعلقون عليها ضمن سياق طائفي، ويفسرون وقوعها على هذا الاساسquot;.
ولم يغب الصراع السوري عن الوضع الداخلي في العراق، حيث يتطلع حمزة عبد الحسين (20 سنة) إلى صور قتلى في مرقد السيدة زينب. ويقول: quot;هؤلاء قتلهم لواء ابي الفضل العباس في محاولتهم تفجير مرقد السيدة زينبquot;.
ويعتقد الكاتب والإعلامي حسن الطائي أن المنطقة كلها، وليس العراق فقط، تعيش استقطابًا طائفيًا في وسائل الاعلام.
ونشر شخص أسمى نفسه ابو عمر صور قتلى في مدينة القصير السورية، قال إنهم شيعة من العراق ولبنان.
يقول الطائي: quot;مهما كانت حقيقة صحة الصور ومقاطع الفيديو، فهي مؤشر خطير على الانقسام الطائفي في المجتمع العراقي بصورة خاصةquot;، موضحًا أنه بحث في اهتمام الجمهور بالقنوات الفضائية ووجد أن المواطن العراقي يتحيز في اختيار نوع القناة لصالح الانتماء الطائفي في المناطق الوسطى والجنوبية مثلما الغربية. وتابع: quot;لا يحبذ سكان المناطق الغربية مشاهدة ومتابعة القنوات الشيعية، والعكس صحيحquot;.

انتقاد التشنج
ينتقد الكاتب عماد جاسم المواقف المتشنجة حتى من قبل مثقفين وصحافيين على الانترنت، داعيًا اياهم إلى المساهمة في رص الصف الوطني عبر تشجيع الخطاب المدني وادانة الحوارات والجدل الطائفي الرقمي.
يقول جاسم: quot;كلما ازدادت التفجيرات، تأزم الخطاب الوطني باتجاه الطائفي بين الناس، وهناك اجندة تنظم ذلك، فبدلاً من أن يتّهم الناس القادة السياسيين والأجهزة الامنية بالتقصير، فإن البعض يحوّل انظارهم إلى الطائفية باعتبارها السبب الرئيس وراء كل ما يحدثquot;.
يضيف: quot;ليس كل الذي يحدث ناتجاً من الفتنة الطائفية، فالصراع السياسي بين الكتل هو الذي يعزز خطاب التقسيم الطائفي للتغطية على فساد السياسيين وتقصير الاجهزة الامنية والإداريةquot;.
وفي فايسوك والمنتديات، يشخّص المراقب العشرات من المنشورات التي تحمل مسميات ودعوات طائفية ومذهبية.
ولا يرجّح الاكاديمي في العلوم السياسية صبحي عبد الستار أن تكون كل هذه الفعاليات منظمة من قبل اجندة سياسية تقودها جهات حزبية او حكومية، لكنه يردها إلى ردود افعال تلقائية لما يحدث على الواقع.
يقول: quot;مثال ذلك احداث الحويجة، فما زالت اصداؤها الطائفية على مواقع التواصل الاجتماعي عالية، وبينما يعتبرها البعض من سكان المناطق الغربية طائفية، فإن آخرين من اهالي الوسط والجنوب يعدونها ردة فعل للاعتداء على الجيش من قبل المتظاهرينquot;.
ويقول الشاعر الشعبي جمال جاسم إن هناك تكريساً للخطاب الطائفي عبر قصائد ينشرها شعراء او نشطاء في المنتديات، ولاسيما على فيسبوك، تؤجج الفتنة بسبب تعرضها للمقدسات والرموز الدينية.