إنتخابات سابع رئيس إيراني على الأبواب، والناخبون الإيرانيون منقسمون حول مرشحين متشددين سيتقاسمون القاعدة الواسعة، وحول مرشحين إصلاحيين اثنين بلا قاعدة. لكنهم يعرفون أن كل الأمر بيد المرشد الأعلى والحرس الثوري.


طهران: في الرابع عشر من حزيران (يونيو) الجاري، يتوجّه الناخبون الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم السابع. والخيار أمام هؤلاء الناخبين ليس واسعًا، ولا هامش للحيرة في انتخاب من يريدون رئيسًا، بعدما انحصر السباق الرئاسي في ثمانية مرشحين، يتشابه ستة منهم في برامجهم، إذ يأتون من رحم التشدد الإيراني القابض على إيران والسياسة فيها، بينما ينفر مرشحان في توجه يعدّ إصلاحيًا نسبيًا.

انقسام شعبي
الخيارات قليلة، والأصوات المتخوفة من تزوير الانتخابات كثيرة، لكن المشاركة لا بد حاصلة. فأحد الإيرانيين، ويدعى أراستو، قال: quot;سأشارك في الانتخابات، وأنا أتابع المرشحين لأتمكن من التعرف إلى من لديه الخطة الاقتصادية الأفضل، وليس من يرفع الشعارات الاقتصادية الأفضل، فقد سئمنا الوعود الفارغةquot;.

وبينما شكك إيراني آخر في جدوى المشاركة في الاستحقاق الرئاسي، لأن السياسيين الإيرانيين متشابهون، كما قال، ثار عليه شاب مُصرّ على الانتخاب، وقال: quot;يأمرنا الله أن نقوم بدورنا، وهو يتولى الباقي، فالإدلاء بصوتك واجب ديني، وليس نشاطًا سياسيًا، لذا علينا أن ندلي بأصواتنا، وإلا فلن يساعدنا الله على تغيير الوضع نحو الأفضل، وربما يعاقبناquot;.

هذا الكلام شبه عام في صفوف شريحة واسعة من الإيرانيين، الذين يتبعون الطيف المتشدد في نظام الحكم في طهران. فما يقوله المرشد الأعلى علي الخامنئي هو الطريق الذي يمشيه هؤلاء من دون مواربة ولا جدال، وكأنه الصراط المستقيم، الذي في نهايته ازدهار الجمهورية الاسلامية ورفعتها.

الاقتصاد في المقدمة
الهمّ الاقتصادي هو الغالب على آراء من يعدّون ناخبين في هذه الانتخابات. لكنه شبه غائب عن برامج غالبية المرشحين، الذين يقدمون شعار المقاومة، والعودة إلى التناحر مع الشيطان الأكبر، الذي يسعى إلى حرمان إيران من حقها في أن تكون دولة نووية، بالرغم من كل التأكيدات على أن برنامج طهران النووي هو سبيلها نحو التقدم التقني السلمي.

البرنامج النووي هذا هو العقدة في منشار الانتخابات. فهو السبب المباشر للعقوبات الاقتصادية الغربية، التي هزّت مكانة الريال الإيراني، وأضعفت الاقتصاد الوطني، ورفعت نسب البطالة. وفي هذا، يحمّل العديد من الإيرانيين الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد المسؤولية عن وصول الحال في إيران إلى هذا الدرك.

وقال خريج جامعي إيراني، يدعى أرسلان، من منطقة كاشان: quot;أنا في حاجة إلى العمل كي أتزوّج، لكن لا وظائف شاغرة تكفي كل الخريجين، وما زال بعضنا يأخذ مالًا من والده، وهو أمر مخزٍ جدًا، وأنا سأدلي بصوتي لمن يناوئ الرئيس الحالي محمود أحمدي نجادquot;.

غير أن هذه ليست حال الجميع، فمواطن إيراني آخر أكد أن حكومة أحمدي نجاد تدفع له 2.730 مليون ريال إيراني شهريًا، وهو ما لم تفعله أية حكومة من قبل، وذلك من خلال خطة دعم للأسر الفقيرة، أقرّتها الحكومة في العام 2010.

بلا قاعدة
بعيدًا عن الاقتصاد، يرى الإيرانيون أن الصراع بين المعسكرين التقليدي والإصلاحي غير متوازن. يقول أحمد، الجامعي في طهران، إن ستة متشددين سيتنازعون قاعدة واسعة من الأصوات، quot;أما الإصلاحيان المرشحان، فلا ينطلقان من أي قاعدة شعبية، بعدما تم تجفيف منابعها القيادية بوضع مير حسين موسوي ومهدي كروبي في الإقامة الجبرية، وبعد تضييق الخناق على التواصل من خلال الانترنت، وبعد استبعاد هاشمي رفسنجاني عن المنافسةquot;.

لا يتفاءل أحمد كثيرًا في إمكانية وصول أي إصلاحي إلى الرئاسة، quot;فقد نجح النظام في تدجينهم خلال الأعوام الثمانية الماضية، فهم آتون من رحم هذا النظام، وغالبيتهم مؤمنة بولاية الفقيه، وبالتالي يتبعون المرشد الأعلى، وشيطان الاختلاف يكمن في تفاصيل صغيرة، تذوب سريعًا مع تشديد خامنئي قبضته على كل مفاصل السياسة في البلادquot;.

يفصِّلان... ونرتدي
تقول الأرقام الرسمية الإيرانية إن أعداد من هم في سنّ الانتخاب والتصويت يبلغ نحو خمسين مليون، متمركزون بشكل أساس في المدن، من دون أن ينفي ذلك وجود كتلة مصوّتة في الريف. لكن مراقبين يعلقون أهمية كبيرة على تصويت الريفيين القاطنين في أطراف المدن، لأنهم أكثر ارتباطًا بالنظام السياسي، مدنيًا وعسكريًا. وقد عانى هؤلاء من التهميش خلال عصور، وهذا ما قادهم إلى التصويت لأحمدي نجاد في العامين 2005 و2009.

أصوات هؤلاء مرجّحة، فهم من أتوا بالرئيس محمد خاتمي في العام 1997، إذ بهرهم خطابه ذات الأبعاد القومية الإيرانية والحابل بالمعاني الاسلامية الصميمة، البعيدة قليلًا عن الاستثمار السياسي. لكن التهميش الذي يعانونه يدفعهم اليوم إلى النظر للخيار الإصلاحي، على أنه لا يمت إلى معاناتهم بصلة، لأنه كثير النظرية، متعثر التحقيق، بسبب التأثير السياسي للملالي المتشددين على مجرى صناعة القرار النهائي. من هنا، شكل أحمدي نجاد لهم باب الخلاص، خصوصًا أنه نجح في تصوير نفسه ذاك المتقشف الزاهد في الحياة والثراء.

فالسياسة والاقتصاد إذًا صنوان، لا فكاك بينهما اليوم في إيران، على عتبة جولة اختيار الرئيس السابع للجمهورية الإسلامية. يقول سيد علم، مهندس مدني من طهران، إن إصلاح الإصلاحيين يحتاج وقتًا ومداهنة سياسية، quot;بينما نريد رئيسًا يبدأ إصلاحه الاقتصادي فورًا، ومن دون أي تأخير، لنرى الفارق على موائدنا وفي جيوبنا، فعندما قال أحمدي نجاد إنه سيضع عوائد النفط في حساباتنا المصرفية، أدركنا أنه يعي أي عدالة اجتماعية يتطلع إليها الشعب الإيراني المقهورquot;.

أضاف علم: quot;كلنا نعرف أن الحديث عن إصلاح سياسي في إيران مجرد أحلام، والإصلاح الاقتصادي بلا أفق، طالما العقوبات الغربية مستمرة، والتياران في إيران يعجزان عن تحصيل إجماع شعبي حولهما، فالحرس الثوري والمرشد الأعلى يفصلان، والجميع يلبس صامتًاquot;.