إنه موسم الامتحانات الرسمية في العراق، حيث تتسرب الأسئلة كل عام، وحيث يدرس التلاميذ فقط لينالوا خمسين بالمئة من الدرجات، تكفيهم للنجاح، وللخروج من البلد، طلبًا للدراسة في أوروبا.


بغداد: مع شروع آلاف الطلاب العراقيين في تقديم امتحانات البكالوريا الوزارية للمرحلة المتوسطة والاعدادية، فإن سعي طالب المرحلة الاعدادية للحصول على معدل جيد يمثل الهدف الاسمى له للدخول في جامعة مرموقة، لاسيما للطلاب من اصحاب المستويات الدراسية العالية.

ويؤدي اكثر من 300 الف طالب وطالبة حاليًا، في المراكز الامتحانية في بغداد والمحافظات، الامتحانات الوزارية للمراحل الدراسية الاعدادية والمهنية، في ظل تبعات انهيار امني كبير حدث في الاسابيع الماضية، فيما توجه ما يقارب من 325 ألف طالب وطالبة لأداء امتحانات الثالث المتوسط للعام الدراسي الحالي في عموم محافظات العراق، عدا إقليم كردستان.

إلى الخارج

النجاح في هذه الامتحانات بالنسبة لكثيرين هو مشروع للدراسة خارج العراق، للتخلص من نقص الخدمات والفوضى الامنية والاجتماعية، بعدما وعدهم اهاليهم بأن نجاحهم حتى في أدنى معدل هو فرصتهم للدراسة خارج العراق.

ولهذا السبب، يسعى احمد جاسم إلى الحصول على درجة النجاح فقط، بعدما وعده والده بحجز بطاقة السفر له مباشرة بعد نجاحه. يقول: quot;أهلي يفضلون أن ادرس الطب في إحدى دول اوروبا الشرقية، فابن عمي يدرس في أوكرانيا، وهو مرتاح جدا وسألتحق بهquot;.

وبالرغم من مستواه الدراسي الضعيف، فجاسم يأمل عبر الدروس الخصوصية التي تابعها طوال العام أن ينجح بمعدل خمسين بالمئة على الاقل، لتنطلق رحلته إلى اوروبا. يقول: quot;لست وحدي من يفكر بذلك، اذ أن الكثير من الشباب ممن ينتمون إلى أسر تتمتع بمستوى معيشي مرتفع تعِد ابنائها بالدراسة خارج العراق، وهذا ولّد لدى الشباب العراقي شعورًا بعدم الحاجة إلى الاجهاد الزائد في الدراسة طالما، أن معدل خمسين بالمئة كافquot;.

الطب هو المفضل

يعول غالبية الطلاب على الحصول على معدلات عالية، للدخول في جامعات توفر لهم وظيفة مرموقة في المستقبل. ويقول محمد إن اغلب طلاب العراق يفضلون دراسة الطب، لأن له مكانة اجتماعية مرموقة في المجتمع، إضافة إلى أن فرص الطبيب في الحصول على عمل عالية جدًا. وبحسب محمد فان دراسات مثل طب الاسنان، والهندسة والقانون تحتل المقام الاول في اهتمامات الطلاب.

ويؤكد الطالب علي عبود، في الصف السادس الاعدادي - الفرع العلمي، على أن البكالوريا تمثل انعطافة حقيقية في حياة الشاب العراقي، لأنها ستنقله إلى الحياة الجامعية التي تختلف تمامًا عما ألفه من نظام في المرحلة المتوسطة والإعدادية.

ينتقد المدرس حاتم محي المستويات الدراسية الضعيفة للطلبة، مؤكدًا أن معاناتهم من الاسئلة ليست ناجمة عن صعوبتها، بل عن قلة الدراسة والمطالعة وضعف المهارات التدريسية. ويرى محي أن المعاناة الخاصة للطالب العراقي تجعله قليل العطاء، إذ تقل عدد ساعات دراسته بسبب القطوعات المستمرة في الكهرباء، والأحداث الامنية، اضافة إلى ازدحام الطرق.

ويصل الاجهاد النفسي لدى الطلبة أن البعض تنتابه حالات نفسية بسبب نقص الخدمات من جهة، وضغط الاهل في دفعه للحصول على معدلات عالية من جهة اخرى.

تسرب الاسئلة

ويقلق الطلبة من الاخبار والإشاعات التي تنتشر كل عام حول بيع الاسئلة، وحصول البعض عليها عن طريقة معارفهم العاملين لدى الوزارات والأحزاب المتنفذة. وتقول المدرسة كوثر حسون: quot;حتى لو لم تصح هذه الاشاعات فانها تؤثر سلبيًا على الطلاب، حتى المجدّين منهمquot;.

ويؤكد المدرس سليم الحسني أن احتمال تسرب الاسئلة وارد جدًا، وهذا الاحتمال يؤثر كثيرًا على الحالة النفسية للطلاب، quot;فقد شهد العام الماضي تسرب الاسئلة الخاصة بمادة الاقتصاد بين طلاب السادس الأدبي قبل ساعات من موعد الامتحان، فساد هرج ومرج وكنت مراقبًا لإحدى القاعات في حي الشعب في بغداد، ونقلنا الامر إلى الجهات المعنية في وزارة التربية، فاشارت تحقيقات لجنة التربية في مجلس النواب حصول تسريب للأسئلةquot;.

وأضاف: quot;اغلب حالات تسريب اسئلة الامتحانات تحدث عبر الجهات المتنفذة إلى طلاب معيّنين، ثم تنتشر بسرعة البرقquot;.

... وغش أيضًا

ويجد بعض الطلاب في انتشار مزاعم تسريب الاسئلة فرصة في الغش ايضًا، كتبرير غير منطقي لسلوكهم غير السوي. وفي حديث مع شاكر نعمة عبد عون، نائب رئيس اللجنة الدائمة للامتحانات في وزارة التربية، قال إن الوزارة استعدّت بشكل استثنائي لامتحانات السادس الاعدادي، مع التركيز على التعامل الشديد مع حالات الغش والحرص على عدم تسرب الاسئلة.

ويعترف احمد عبود، مدير مدرسة، بتفشي ظاهرة الغش الذي ينتشر بشكل كبير بين الطلاب وبأساليب يصعب اكتشافها في بعض الاحيان. وفي الوقت نفسه، لا يخجل الطلاب من الاعتراف بأنهم يمارسون الغش حتى أمام اساتذتهم، بحسب عبود، عبر الكتابة على اجسادهم او اصطحاب قصاصات الورق معهم او عن طريق الرسائل النصية في الهواتف المحمولة.

ويدعو عبود إلى زيادة الاهتمام بالطالب، ومراعاة الظروف الصعبة التي ترافق متابعته للتعليم، فما زال الطالب العراقي يعاني من نقص الكهرباء والازدحام والانفجارات التي تعوق وصوله في الكثير من الاحيان إلى قاعة الدرس، والأخطر من ذلك كله، الوضع الامني غير المستقر والذي يجعل الطالب يعيش في خوف دائم حتى في الاوقات التي لا تحدث فيها تفجيرات.