لطالما وقف باراك أوباما معارضًا إرسال السلاح إلى المعارضة السورية، لكن التغيرات على الأرض، ودخول إيران وحزب الله على الخط، أجبره لاتخاذ قرار تسليح الثوار بأسلحة خفيفة، تعيد بعض التوازن إلى الميدان.
عبد الاله مجيد من لندن: ظل الرئيس الأميركي باراك اوباما طيلة عامين يقاوم التدخل بدور أشد فاعلية في الحرب الأهلية السورية. ونُقل عنه قوله لمساعديه إنها مشكلة تعيسة، لا يعتقد انه قادر على حلها، وأقصى ما يمكن عمله هو إدارتها. كما انه كان يريد أن يُذكَر بوصفه الرئيس الذي أخرج الولايات المتحدة من حروب الشرق الأوسط، وليس رئيسًا أقحمها في حروب جديدة.
لذا، حين قرر اوباما لأول مرة ارسال اسلحة وذخائر إلى المعارضة السورية، فانه عمليًا دُفع دفعًا إلى هذا القرار، في وقت كان منتقدوه وبعض مستشاريه، بل وحتى الرئيس السابق بيل كلنتون، يضغطون عليه للقيام بتحرك أشد فاعلية.
وإذ جاء اوباما إلى النزاع في مثل هذا الوقت المتأخر، فإنه لم يعرب عن ثقته بأن القرار سيغير النتيجة النهائية للنزاع، لكنه أعرب في مجالس خاصة عن الأمل بأن القرار قد يكسب وقتًا لتحقيق تسوية عن طريق المفاوضات.
وتبدى موقفه المتردد بشأن القرار حتى في طريقة اعلانه. إذ ترك المهمة لأحد نواب مستشار الأمن القومي، هو بنجامين رودس، الذي اعلن مساء الخميس أن النظام السوري تجاوز الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس بشأن استخدام الأسلحة الكيمياوية، وأن الولايات المتحدة ستزيد دعمها للمعارضة المسلحة. وكان اوباما يحضر وقتذاك حفل زواج مثلي في الغرفة الشرقية من البيت الأبيض. وحين أُرسل رودس للدفاع عن القرار في حديث آخر للصحفيين يوم الجمعة، كان اوباما يرعى مأدبة غداء بمناسبة يوم الأب.
الرئيس الداخلي
يرى مراقبون أن قلة من المشاكل دوخت اوباما مثلما دوخته سوريا، وأن قلة تحدَّت رغبته في خفض الوجود الاميركي في العالم للتركيز على قضايا الداخل مثلما تحدتها الأزمة السورية. وبقدر ما كان يريد أن يتفادى التورط في ما يعده مستنقعًا آخر، كان يجد نفسه امام نزاع تمتد نيرانه خارج سوريا إلى عموم المنطقة، ويختبر ارادة الولايات المتحدة.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز اميل هوكايم، عن الباحث المختص بشؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله: quot;كانت المسألة مسألة وقت، لعل البيت الأبيض لم يكن يريد التدخل ولكن التدخل كان يلاحق الادارةquot;.
اضاف: quot;استهان البيت الأبيض بخطورة هذا النزاع وتداعياته العميقة على المنطقة والمصالح الاميركية نفسها، ثم وجد نفسه بلا مجال للحركة وبلا وضوح استراتيجي وبلا زخم للقيام بأي شيء ذي معنىquot;.
وفي حين أن احد مساعدي اوباما قال إن الرئيس اتخذ قراره حتى قبل تصريحات كلنتون الذي ضم فيها صوته إلى دعاة التدخل، فإن المآل انتهى به إلى اخفاقه في إرضاء أي من طرفي السجال حول الأزمة السورية. فبالنسبة لمن كانوا يضغطون على البيت الأبيض لعمل المزيد، تبدو موافقته على ارسال اسلحة خفيفة بعد مقتل نحو 93 الف شخص قليلة جدًا ومتأخرة جدًا. وبالنسبة لمن يحذرون من أن سوريا قد تصبح عراقا آخر أو ليبيا أخرى، فإن القرار يأتي بوصفه خطوة أخرى على منزلق يؤدي إلى نهاية ملغومة بالمطبات.
وقالت آن ماري سلوتر، المديرة السابقة لقسم التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الاميركية في ادارة اوباما، انه كان يريد بكل وضوح أن يكون رئيسًا داخليًا، لكنه لم يتمكن من البقاء بعيدًا عن النزاع السوري الذي يمكن أن يشعل الشرق الأوسط برمته.
صعبة وباهظة
نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن سلوتر، التي ستصبح رئيسة مؤسسة اميركا الجديدة للأبحاث في ايلول (سبتمبر) المقبل قولها: quot;أنا قلقة حقًا من أن هذا سيُذكَر على انه وقوف الولايات المتحدة متفرجة على اشتعال حرب شرق اوسطية، وأخشى أن يظن الرئيس انه يستطيع الوقوف جانبًا، فهو القائل دائما إن القوة تأتي مصحوبة بالمسؤوليةquot;.
لكن مساعدين للرئيس في البيت الأبيض استبعدوا الجمعة أن ترسل الولايات المتحدة قوات إلى سوريا، ورفضوا الدعوات المطالبة بفرض منطقة حظر جوي قائلين: quot;انها اصعب وأخطر وأبهظ كلفة بكثير مما كانت في ليبيا في العام 2011quot;.
وقال زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في ادارة الرئيس كارتر، انه يقف حائرًا إزاء قرار اوباما بالتورط أعمق في سوريا، متسائلًا: quot;ما هو هدفنا على وجه الدقة؟quot;.
واضاف انه لا يرى أن كل نظام لا ديمقراطي يجب أن يُسقط بالقوة. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن بريجنسكي قوله إن الحرب السورية صراع على السلطة وليس من اجل الديمقراطية، quot;فهل هذا أمر علينا أن نتدخل فيه؟quot;
وكان قرار اوباما جاء قبيل مغادرته الأحد لحضور قمة مجموعة البلدان الصناعية الثمانية في ايرلندا الشمالية، حيث من المتوقع أن تكون سوريا القضية الأولى في مناقشات القمة. وابدت الحكومة البريطانية التي تستضيف قمة الثمانية دعمها لقرار اوباما، فيما قالت روسيا إن معلومات الولايات المتحدة عن استخدام النظام السوري اسلحة كيمياوية ليست مقنعة.
من المقرر أن يجتمع اوباما، على هامش القمة، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي رفض الضغوط الاميركية للتخلي عن رئيس النظام السوري بشار الأسد. وتعتبر ادارة اوباما أن روسيا عامل حاسم في مفاوضات السلام، للتوصل إلى حل رغم تلاشي فرص انعقاد مؤتمر جنيف من اجل هذا الهدف تحديدًا.
ولم يقتنع اوباما بفكرة تسليح المعارضة، على تواضع هذا التسليح، إلا بعد اشهر من الرفض. ويعود اقتناعه، من بين اسباب اخرى، إلى تأكيد أجهزة الاستخبارات بأن قوات الأسد استخدمت غاز السارين ضد شعبه. وإذا لم يرد اوباما على نحو ما فان هذا سينال من مصداقية الرئيس لأنه سبق وأن أعلن أن مثل هذا التطور سيقلب حساباته كلها.
لكن القرار يعكس قلق البيت الأبيض من تدخل ايران وأداتها حزب الله تدخلًا متزايدًا في القتال بجانب الأسد. فان انتصار الأسد سيكون انتصارًا لايران ايضًا، وبتقديم اسلحة محدودة يأمل اوباما بتعزيز قوات المعارضة بما يكفي للحفاظ على التوازن واعطاء النظام السوري حافزا للقبول بحل.
وقال نائب مستشار الأمن القومي ردوس الجمعة إن ادارة اوباما تعتقد انها تستطيع أن تحدث تغييرًا على الأرض، مشيرا إلى أن تسليح المعارضة سيضمن قدرتها على ترصين موقفها ويجعلها أكثر تماسكًا. واضاف: quot;ما زلنا نعتقد بأنه ليس هناك سيناريو نستطيع أن نرى فيه بقاء بشار الأسد في السلطة في بلد يرفض حكمه بهذا الوضوحquot;.
لكن رودس قال إن الرئيس يريد أن يتفادى ارسال اسلحة أثقل، مدركًا أنها قد تقع بأيدي جبهة النصرة التي ترتبط بتنظيم القاعدة. واضاف أن ارسال قوات اميركية غير مطروح على الطاولة، مشيرًا إلى المصاعب التي واجهتها في العراق. وعن فرض منطقة حظر جوي، قال رودس: quot;في هذه المرحلة، لا نعتقد أن لدى الولايات المتحدة مصلحة قومية في المضي نحو تدخل عسكري مفتوح من خلال اقامة منطقة حظر جوي في سورياquot;.
التعليقات