تعلم باراك أوباما من تجربة ثورة 25 يناير، فأسرع في الطلب من صديقه محمد مرسي التنحّي وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، كما رحّبت إدارته بتدخل الجيش، مع بعض الخوف على الديمقراطية.


مرّ تخلي البيت الأبيض عن الرئيس المصري محمد مرسي من دون أن يلفت الانتباه، في غمرة الأحداث المتلاحقة التي تشهدها مصر. فلم تجاهر الولايات المتحدة بنفض يدها من مرسي، الذي كالت وزارة الخارجية الأميركية المديح له مرارًا بوصفه أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيًا.

لكن البيت الأبيض أوصل الرسالة بوساطة متحدثين مجهولي الاسم والهوية. وجاء نأي الإدارة بنفسها عن مرسي في وقت قياسي، هو ثلاثة أيام فقط، بعد اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية.

الخبرة المكتسبة
يلاحظ مراقبون أن الولايات المتحدة، وعندما اندلعت الاحتجاجات ضد الرئيس السابق حسني مبارك في كانون الثاني (يناير) 2011، عملت جاهدة على وقف المدّ الشعبي ضده. وذاع صيت نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بتأكيده في اليوم الثاني من الاحتجاجات على أن مبارك ليس دكتاتورًا، رغم كل الأدلة التي تثبت العكس، وأنه يجب أن يبقى رئيسًا.

ولم يبدأ ممثلو إدارة أوباما بالحديث عن ضرورة الإصلاح وتنفيذ انتقال منتظم من دون الخوض في التفاصيل إلا بعد خمسة أيام من التظاهرات. ولم تعلن الإدارة صراحة أن على مبارك الرحيل إلا في اليوم السابع عشر، عندما كان مصيره قد حُسم أصلًا، وأُسدل الستار على عهده فعلًا.

لكن أوباما ومساعديه ازدادوا خبرة منذ العام 2011، وهم يتعاملون مع شرق أوسط جديد، ويدركون الآن أن احتجاجات بحجم احتجاجات 30 حزيران (يونيو) ضد مرسي تكتسب زخمًا ذاتيًا يتكفل باستمرارها. ولا شك في أن أوباما وطاقمه تعلموا من الخبرة السابقة في محاولة وقف المدّ، ثم الفشل في وقفه.

يضاف إلى ذلك أن رهان الولايات المتحدة على مرسي ليس كبيرًا، كرهانها على مبارك، الذي كان رجل أميركا في القاهرة طيلة أكثر من 30 عامًا، بالمقارنة مع عام من رئاسة مرسي، الذي ينتمي إلى حركة معادية لأهداف الولايات المتحدة في المنطقة، بحسب صحيفة كريستيان ساينس مونتر.

المسؤول الرفيع
وفي حين أن إدارة أوباما أمضت شطرًا كبيرًا من العام الماضي في التغنِّي بديمقراطية مصر الناشئة، ولاقت قدرًا معقولًا من تعاون مرسي في ملف العلاقات مع إسرائيل، فإنها لا بد أن تنظر إليه الآن كما ينظر إليه قادة الجيش المصري، رئيسًا لا يستطيع أن ينفذ ما التزم به أمام شعبه.

في هذا الإطار، تنقل شبكة quot;سي إن إنquot; عن مسؤول رفيع قوله إن مساعدي أوباما أبلغوا مرسي أن يُجري انتخابات جديدة في وقت قريب. وعندما ينسب صحافيو واشنطن مثل هذه المعلومة إلى quot;مسؤول رفيعquot; من دون الكشف عن هويته، فإنه عادة لا يكون مسؤولًا مسرّبًا، بل يكون مسؤولًا مخوّلًا بالكلام، من دون توريط الإدارة وتعريض نفسه للمحاسبة على تصريحاته، لأنها لم تكن للنشر، كما تلاحظ كريستيان ساينس مونتر.

جاء هذا بعد يوم على الإنذار الذي وجّهته قيادة الجيش المصري بالاستجابة لمطالب الشعب والتوصل إلى اتفاق بين مرسي والمعارضة في غضون 48 ساعة، انتهت بعد ظهر اليوم الأربعاء. وفي الواقع، فإن المسؤولين الأميركيين الذين يتحدثون مشترطين عدم الكشف عن أسمائهم يحذرون أيضًا من القيام بانقلاب عسكري سافر، رغم أن البعض يرى أن الجيش تحرك بالفعل عندما أمهل الرئيس المدني فترة محددة، وأبلغه بمعالم خريطة الطريق التي أعدّها الجيش في حال عدم الالتزام بالموعد.

هلا بالجيش
ومما نقلته شبكة quot;سي إن إنquot; عن المسؤولين، الذين لم تذكر أسماءهم، قولهم: quot;إننا بقدر ما نثمّن بيان الجيش المصري في عزمه حماية الشعب، فمن الضروري أن يتوخّوا الحيطة بشأن طريقة تدخلهم في الوضع، ونحن نقول لهم إن القيام بدور من خلال إنذار الفرقاء أن يتفاهموا خطوة مناسبة تمامًا، لكن كل ما يبدو استيلاءً من جانب الجيش على مقاليد الحكم إنما هو مشي على حبل رفيع جدًاquot;.

ولاحظ مراقبون حرص المسؤولين الأميركيين في هذا التصريح على المظاهر وغطاء الدعم الشامل لتدخل الجيش في السياسة المصرية، بوصفها quot;خطوة مناسبة تمامًاquot;. فإن إدارة أوباما ليست قلقة في هذا الوقت على مراعاة الأصول القانونية أو الهوس بالسيطرة المدنية على الجيش في مصر.

في هذه الأثناء، يستمر الاقتصاد المصري في التردي، وتتزايد الدلائل على فشل السياسة المدنية لجملة أسباب، لا سيما أن الدستور الذي مرّره مرسي والإخوان المسلمون على النحو المعروف تسبب باستقطاب المجتمع المصري وأثار سخط المعارضة.

قد يحاول مرسي التمسك بالتفويض الديمقراطي، الذي ناله من الناخبين بعد فوزه على منافسه بفارق ضئيل في العام الماضي، لكنه لا يبدو قادرًا على مواصلة الحكم بمصداقية في هذه المرحلة، وليس معروفًا كم من الوقت تستغرق تنحيته، لكن الموقف يتطور متسارعًا.