أثرت حادثة قتل رجل دين شيعي في مصر، على المواطنين المصريين في العراق، ممن باتوا يعانون نظرات الريبة والشكّ ورفضًا اجتماعيًا من طرف العراقيين بعد استهداف حسن شحاتة.


بغداد: في وقت يتابع فيه المصريون في العراق احداث بلادهم في قلق بالغ، فإن وضعهم الداخلي اصبح على المحك بعد ازدياد ظاهرة quot;الرفض quot; الاجتماعي لهم، بسبب حادثة زاوية quot;أبو مسلمquot;، والتي أودت بحياة أربعة مصريين وعلى رأسهم الداعية الشيعي حسن شحاتة.

وعلى الرغم منأن المواطن المصري حلمي سعيد يقيم في العراق منذ عام 1980، ويتقن اللهجة العراقية الى درجة كبيرة مع (بعض) مِن لكنة مصرية، فإنه الى الآن لم يكتسب الوضعية القانونية لاقامته بسبب فقدانه لاوراقه quot;الثبوتيةquot;، حيث تجددت لديه فكرة العودة الى مصر بسبب الفوضى الامنية في العراق، والمضايقات التي يتعرض لها من قبل البعض بين الفترة والاخرى، لاسيما عقب حادثة زاوية quot;أبو مسلمquot;. ويعترف سعيد انه طوال عقود عاش مع العراقيين، الذين وجدهم طيبين، لكنّ هناك بعض المواقف التي تشعرك بالغربة وانك لست في بلدك.

وتابع: عشية مقتل الشيخ شحاتة قابلني شخص اعرفه منذ فترة طويلة وعاتبني على الحادثة، واصفًا المصريين بأسوأ الصفات، فكأنني اشتركت في حادثة زاوية quot;أبو مسلمquot;. وقال : موقف واحد محرج من بين آلاف المواقف الطيبة من العراقيين يجعلك تشعر بالألم والحزن ويدفع بك الى التفكير في العودة الى وطنك .

ضحايا

وبحسب سعيد، فإن المصريين طوال عقود كانوا ضحية الخلافات والأحداث السياسية، فقد جنّد نظام الرئيس العراقي السابق المئات من المصريين اثناء حربه مع ايران، وتم تدريبهم في معسكرات الجيش العراقي، كما تحمّل العمال المصريون اعباء احداث الغزو العراقي للكويت في 1990-1991.

وأضاف: تدربت على السلاح لمدة ستة اشهر في منطقة النهروان في بغداد عام 1984، لكني لم اشترك في الحرب العراقية الايرانية.

ويعترف سعيد أن القليل من المصريين اشتركوا في الحرب من الذين دربهم النظام السابق، حيث هيّأهم بحسب الموقف القتالي وطلب منهم الاستعداد في أي وقت يتم فيه استدعاؤهم.

عمليات انتقامية

وقالت مصادر مصرية لوسائل الاعلام الشهر الماضي، إن المصريين في العراق قد باشروا في المغادرة خشية تعرضهم لعمليات انتقامية بعد أن قام سلفيون بقتل حسن شحاتة أحد اقطاب الأقلية الشيعية في مصر.

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية أن الوزير محمد عمرو اتصل بنظيره العراقي، هوشيار زيباري، طالبًا منه توفير الحماية للمصريين المقيمين في العراق، بعد مقتل مواطنين مصريين في العراق على خلفية مقتل أربعة من الشيعة في مصر.

لكن عطا الله الذي يعمل خبازاً في بابل (100 كم جنوبي بغداد)، وهو مقيم في العراق منذ عام 1985، يقول إنه لم يتعرض للمضايقات بشكل جدي في العراق، لكنه بدأ يسمع كلامًا طائفيًا واضحاً بعد حادثة الشيخ شحاته . وأضاف قائلاً: يشتم البعض المصريين امامي، في محاولة لتعمّد اسماعي.

وعلى الرغم منأن عطا الله يستنكر ما حدث من عملية قتل مأساوية، الا أن ذلك لم يساعد في ابتعاد البعض عنه ممّن بدأوا يشعرون أن المصريين يكنّون الكره للطائفة الشيعية في العراق.

ويؤكد عطا الله أن اغلب المصريين في العراق هم اناس (غلابة) انقطعت بهم السبل في العودة الى بلادهم، إما لأسباب امنية أو اقتصادية أو بسبب عدم صلاحية جوازات سفرهم وأوراقهم الثبوتية.

وادى فقدان عطا الله لرقمه القومي وفقدانه جواز سفره الاصلي الى انقطاع امله في العودة الى بلاده، بعدما راجع السفارة المصرية في العراق ووجد أن الامر يتطلب اجراءات ادارية طويلة ومعقدة.

واشترك عطا الله مع نحو عشرة من المصريين في مظاهرات احتجاجية نظمها المئات من أهالي مدينة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) على خلفية حادثة مقتل الشيخ شحاتة، الشهر الماضي.

هجرة جديدة

وشهد العراق في فترة منتصف السبعينات الى منتصف الثمانينات هجرة ملايين المصريين الى العراق، بينهم كسبة ومدرسون ومعلمون وأطباء وعمال مهرة وتجار، لكن هجرتهم انحسرت قبيل انتهاء الحرب العراقية الايرانية(1980 - 1988) لتتلاشى تمامًا في التسعينيات.

وفيالسنوات الخمسالاخيرة بدأت ملامح هجرة جديدة للمصريين الى العراق، مع تحسن الاقتصاد العراقي وازدياد فرص العمل، لكن الفوضى الامنية والانفجارات اضافة الى قوانين العمل حالت دون تدفق كثيف للعمالة الى العراق.

ولا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد المصريين بالعراق حاليًا، ولكن البعض يتحدث عن 70 ألفاً في حين يشكك آخرون في هذا الرقم ويرونه أقل، بينما وصل عددهم الى نحو خمسة ملايين في بداية ثمانينيات القرن الماضي.

الشكاوى تتصاعد

ضابط الشرطة احمد فاضل في بابل (100 كم جنوبي بغداد )، يؤكد أن الشكاوى بشأن تعرّض مصريين الى الاعتداء المادي والمعنوي ازدادت في الايام الاخيرة بعد حادثة زاوية (أبو مسلم)، وبعد استضافة مصر لمؤتمر اسلامي دعا الى (الجهاد) في سوريا، وجه خطابًا وُصف بـ(الطائفي) ضد الشيعةquot;.

لكن بالمقابل، فليس كل العراقيين، يحملون المصريين في العراق وزر الخلافات السياسية والتناحرات المذهبية التي حدثت في مصر، حيث يقول الباحث الاجتماعي رحيم الاسدي إن اغلب المصريين يشعرون بالأمان في ما يتعلق بعلاقتهم بأبناء البلد، عدا المخاوف من الفوضى الامنية التي تطال الجميع.

ويتابع الاسدي: كلنا قرأنا في وسائل الاعلام عن تشييع اهالي الزعفرانية في بغداد الاسبوع الماضي لاحد المواطنين المصريين المقيمين في العراق منذ فترة طويلة، والذي وافته المنية بعد مرض عضال.

وكان محيط السفارة المصرية في بغداد، شهد نهاية الشهر الماضي، تظاهرة حاشدة منددة بقتل الداعية الشيخ حسن شحاتة واربعة من شيعة مصر على يد عناصر متطرفة.

الشعب المصري بعيد عن التعصب

يقول فؤاد صلاح الدين، المصري الذي يبيع الشاي من احد الدكاكين الصغيرة في المحمودية ( 15 كلم جنوب بغداد) ويقيم في العراق من ثلاثين سنة، إن العلاقات الاجتماعية التي تربطه بالعراقيين لا تختلف عن تلك التي بين العراقيين انفسهم لاسيما في المناسبات الاجتماعية والدينية.

وتزوج فؤاد امرأة عراقية quot; شيعية quot;، على الرغم منأنه سني حنفي، كما يقول، مؤكداً أن الشعب المصري بعيد عن التعصب وأنه استغرب أشد الاستغراب من واقعة حادثة الجيزة.

ويعترف فؤاد أن بعض العراقيين يتداولون امامه وهو يبيعهم الشاي احاديث (استفزازية) بسبب الحادث، مؤكدًا أن التوترات الطائفية في العراق قبل هذا الحادث أثرت على ابناء مصر بالعراق ايضاً.

وتابع القول: في السنوات التي تلت العام 2003 قُتل الكثير من المصريين وتمت مضايقة الآخرين، حيث يعتقد البعض أنهم كانوا من مناصري الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

واكد فؤاد أنه مع ازدياد العمليات الارهابية في العراق التي ينفذها (عرب) في بعض الاحيان ازدادت حملات الطرد والتفتيش للمصريين، واعتقل الكثير منهم بسبب عدم حوزته على الاوراق الثبوتية وأوراق الاقامة.

ويؤكد فؤاد أن الفترة الماضية لم تثبت اشتراك المصريين في اعمال ارهابية وأن اغلب المصريين في العراق منشغلون على الدوام بكسب لقمة العيش، وأنهم لا يعيرون السياسة ادنى اهتمام.

الجنسية العراقية

مصري آخر هو ابراهيم بركات ويعمل خبازًا وطباخًا في مطعم في كربلاء، يؤكد على أن علاقته ببلده انتهت بشكل كامل منذ عقد ونصف بسبب فقدانه اوراقه الثبوتية مشيرًا الى أنه سعى الى الحصول على الجنسية العراقية لكن دون جدوى.

لكن ابراهيم يرى أن هناك تضخيماً في الاخبار التي تقول إن المصريين يتعرضون الى مضايقات كثيرة في العراق مؤكدًا أن هناك حالات فردية وهي تحدث في كل بلد . ويتابع : في كل المواقف الصعبة أجد العراقيين من حولي يساعدونني حتى هذه اللحظة.

ويعمل اغلب المصريين في العراق في الاعمال الصعبة مثل البناء وبيع السلع وصيد الاسماك وبيعها والمطاعم وبيع الشاي ، وفي بغداد فإن اغلبهم يعمل في بيع السلع في البسطات والمطاعم و( كافتريات) الشاي الصغيرة.