ينظر العراقيون باستياء إلى امتيازات المسؤولين، ويعتبرونهم مستغلين لخيرات الشعب، لاسيما أنهم يختفون نهائيًا في رمضان بسبب الصيام أولًا، وثانيًا بسبب ولائمهم الضخمة والباذخة، التي يتبادلونها، وتمتد إلى فترة ما بعد الإفطار.


وسيم باسم من بغداد: رغم أن أخبار ولائم السياسيين والنواب العراقيين، التي يقيمونها لبعضهم البعض، تدور في الحلقة الضيقة من النخب، ولا يشارك فيها عامة الناس، إلا أن أخبارها تصل إليهم بتفاصيلها، مع أن هؤلاء السياسيين يسعون إلى التكتم عليها، بعدما أثارت الولائم في رمضان خلال السنوات الماضية استياءً لدى الجمهور من حالة البذخ والصرف الزائد، الذي يكرّم به السياسيون بعضهم بعضًا.

في المقابل، سعت قلة قليلة منهم، لاسيما بعض النواب وأعضاء المجالس المحلية، إلى إقامة ولائم بقاعدة أوسع، في سعي إلى كسب الجمهور، بينما عمل آخرون على حضور ولائم تقام على شرفهم من قبل أصحاب الجاه الاجتماعي، مثل رؤساء العشائر وكبار القوم، إضافة إلى التجّار والناس المؤثرين في المجتمع.

تكرّش بطون السياسيين
يرصد الباحث الاجتماعي إيهاب الزبيدي الكثير من أحاديث الاستهجان عن (تكرش) بطون السياسيين وازدياد وزنهم بسبب الولائم النخبوية طوال العام، والتي تزداد في رمضان، ويتابع: quot;كل الولائم مغلقة ومقتصرة على الحلقات الضيقة من بطانات المسؤولين من معارف وأصدقاءquot;.

ويقول الناشط السياسي والأكاديمي محمد الحسيني إن السياسيين في العراق تنكروا لناخبيهم الفقراء، بل نسوا إنهم ينتمون إلى جذور نمت في الأحياء الفقيرة، فأمعنوا في حياة الترف، ونسوا المواطن.

وبحسب الحسيني، فإنه قياسًا إلى النظام السابق، فإن رجالاته كانوا أقل ترفًا، ومواردهم المالية أقل بكثير من ترف السياسيين والنواب الحاليين.

يتابع: في رمضان تحديدًا، يتذكر العراقيون امتيازات المسؤولين المستغلين لخيرات الشعب، لاسيما أنهم يختفون نهائيًا في رمضان وينقطعون عن ناخبيهم من المواطنين، بسبب الصيام أولًا، وثانيًا بسبب الولائم الضخمة التي تستهلك فترة ما بعد الإفطار.

نسب فقر مرتفعة
بحسب تقرير لجنة حكومية عراقية، فإن نسبة الفقر في العراق بلغت 19 في المئة عام 2012. واعتاد كبار السياسيين إقامة ولائم ضخمة في المنطقة الخضراء وفي المحافظات داخل القصور والمقار المعزولة عن الشعب طوال أيام رمضان، حيث يحضرها القادة والنخب، بينما يعاني المواطن العراقي نقصًا في الخدمات، إضافة إلى تفشي الفقر بنسبة لا يُستهان بها في المجتمع.

لم تثر هذه المآدب انتقاد المواطنين فقط، بل بعض النواب والسياسيين أنفسهم، فقد قال النائب عن كتلة المواطن محمد اللكاش: إن هذه المآدب الضخمة كان الأجدر تقديمها إلى المواطنين الفقراء.

ويبرر هذا البعض اجتماعهم على موائد الإفطار بأنها مفيدة من ناحية تعزيز التفاهم السياسي وتذليل الخلافات، لكن النائب صباح الساعدي يقول إن الأحاديث في ولائم الإفطار والأمسيات الرمضانية للقادة لا يُناقش فيها الوضع السياسي.

صائمون خاشعون إعلاميًا!
ينتقد سعدون حسين (معلم) حرص السياسيين على الظهور الإعلامي عبر شاشات التلفزيون بمظهر الصائم الورع، في حين يتمتع بامتيازات هائلة تجعله بعيدًا عن مقاصد الصوم ومعاناة الفقراء. ويضيف: معظمهم منافق في رمضان، ويحرصون على الظهور بمظهر الناسك المتعبد.

وكشفت صحيفة عراقية رسمية أخيرًا أن أعضاء البرلمان العراقي يتقاضون راتبًا ومخصصات شهرية، تفوق أقرانهم في الكثير من بلدان العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول أوروبية أخرى.

وذكرت صحيفة quot;الصباحquot; الحكومية أن مجموع راتب عضو البرلمان يبلغ 32 مليون دينار بين راتب اسمي ومخصصات الحماية والسكن وغيرها، كما تسلم النواب سلفة مالية تبلغ 90 مليون دينار، حيث تجري تحركات الآن لاعتبارها منحة لا ترد.

يتساءل الإعلامي رياض غريب عن الحرص غير الطبيعي، الذي تبديه القنوات الفضائية في إظهار السياسي العراقي في رمضان وهو في فيلاته وقصره الضخم وعلامات الترف بادية على نمط حياته، وهو يحاور المذيع مؤكدًا أنه صائم، وأنه حقق كذا وكذا من الإنجازات. ويتابع: هذه إهانة لمشاعر معظم العراقيين، الذين يعانون الفقر ونقص الخدمات، كما إن الكثير بلا سكن يأويهم.

استعراض الامتيازات
واعتادت الفضائيات العراقية على الاحتفاء بالنواب والسياسيين أكثر من احتفائها بجموع الشعب عبر برامج حوارية تظهر حياة الميسورين الخاصة، حيث لا يخجل النائب من استعراض امتيازاته.

ولا يستبعد غريب أن تكون هذه البرامج متّفقًا عليها مع السياسيين كمادة دعائية لتلميع صورهم، التي لم تعد جذّابة في نظر غالبية الناس.

ويتساءل رحيم الأعرجي: أين هؤلاء السياسيون والنواب من حديث الإمام علي، الذي يقول فيه إن الصوم لم يشرّع حتى نتذكر المساكين ونشعر بحجّتهم. ويؤكد أن ما يحدث هو العكس، حيث أصبحنا مجبرين على متابعة امتيازات الساسة وترفهم كل رمضان عبر الفضائيات.