شغل سيناريو حرب نووية شاملة محتملة مع روسيا، أذهان المسؤولين في الحكومة البريطانية منذ 30 عاماً، ما دفعهم الى نص خطاب تتلوه الملكة على شعبها عام 1983، وكُشف عنه ضمن مجموعة وثائق سرية أفرج عنها الأرشيف الوطني البريطاني.

لندن: انه خطاب الملكة الذي لا يريد أحد ان يسمعه، ففي عام 1983 أعد مسؤولون كبار في الحكومة البريطانية نص رسالة وضعوا في تصورهم أن على ملكة بريطانيا ان توجهها إلى شعبها عشية حرب نووية شاملة مع روسيا.
وكتُبت الرسالة بقدر متساو من شحذ الهمم والنظرة السوداوية خلال اجتماع سري، عقدته الحكومة لاختبار رد بريطانيا على التطورات الدولية التي دفعت العالم إلى حافة حرب عالمية ثالثة. وتتطرق الملكة في خطابها إلى quot;جنون الحربquot; وquot;القوة الفتاكةquot; للتكنولوجيا ودعوة بريطانيا إلى استجماع روح الحربين العالميتين الأولى والثانية في معركتها من اجل البقاء.
ويشكل الخطاب الاستثنائي جزءا من سيناريو مخيف عن اندلاع حرب نووية يقع في 320 صفحة أعده كبار المسؤولين في أجهزة الاستخبارات ووزارتي الدفاع والداخلية.
شبح الحرب
وكُشف عن الخطاب ضمن مجموعة وثائق سرية أفرج عنها الأرشيف الوطني البريطاني. وكُتب نص الخطاب المصيري تحت ظل حرب نووية ماحقة كان شبحها يطارد بريطانيا قبل 30 عامًا.
الخطاب
تبدأ الملكة خطابها بتذكر الخطاب الملكي السابق الذي بُث على الأثير quot;حين كانت أهوال الحرب تبدو بعيدة وكنتُ أشارك عائلتي أفراح عيد الميلادquot;.
وتواصل الملكة خطابها قائلة quot;يتعين على بلدنا الشجاع ان يستعد مرة أخرى من أجل البقاء في مواجهة أخطار جسيمة، فأنا لم انس قط ما شعرت به من حزن وفخر عندما انكببتُ مع شقيقتي على الراديو في دار الحضانة استمع إلى كلمات والدي الملهِمة في ذلك اليوم المصيري من عام 1939. ولم أتخيل للحظة واحدة أن هذا الواجب المهيب والمريع سيقع على عاتقي ذات يومquot;.

ملفات سرية
وتبين ملفات أخرى أن خلافًا نشأ وقتذاك بين الحكومة والجمعية الطبية البريطانية على تقديرات الجمعية بأن الهجوم النووي سيكلف بريطانيا 33 مليون ضحية، مع مقتل أكثر من مليون شخص نتيجة الانفجارات النووية في لندن وحدها.
وأوضحت وثيقة سرية للغاية لمن يفوز في انتخابات 1983 ان غرفة كوبرا في مقر رئيس الوزراء، مجهزة بمعدات تعطي الضوء الأخضر لاطلاق الصواريخ النووية، وتنصح رئيس الحكومة بأن عليه في حالة وقوع هجوم نووي روسي ان يوزع وزراءه في أنحاء البلاد وأن تُشكل quot;حكومات جنينيةquot; لتولي زمام الأمور إذا دُمرت لندن وقُتل رئيس الوزراء.
وتشير الوثيقة التي اطلعت عليها صحيفة الغارديان، إلى المبدأ القائل بألا يكون أي بلد هو البادئ باستخدام الأسلحة النووية، وهو المبدأ الذي رفض حلف الأطلسي القبول به.
سيناريو حرب محتملة
وكُتب خطاب الملكة بعد ان حذر السفير البريطاني في موسكو من ان اللهجة الحربية للزعيم السوفيتي يوري اندروبوف اصبحت quot;مبعث قلق بالغquot;، وعلى هذه الخلفية أعد المخططون الاستراتيجيون البريطانيون سيناريو تسيطر فيه قيادة سوفيتية متعنتة وتشن هجمات على ألمانيا الغربية والدول الاسكندنافية وايطاليا وتركيا، تعقبها ضربات أخرى بالأسلحة الكيمياوية والنووية.
ويتخيل السيناريو توجه نصف مليون بريطاني إلى مرتفعات مقاطعة ويلز وغرب انكلترا، هربًا من القصف الذي يُقتل فيه آلاف الأشخاص، وتهتز لندن وقواعد عسكرية في اسكتلندا باحتجاجات عنيفة مناهضة للحرب في حين ترتفع مبيعات الكحول في انحاء البلاد بحدة وتُنهب مخازن الأدوية.
وخلص القادة العسكريون البريطانيون إلى ان على حلف الأطلسي ان يوجه الضربة النووية الأولى أو يواجه الهزيمة أمام قوات سوفيتية ساحقة.
وتابعت الملكة في خطابها quot;ان العدو ليس الجندي الذي يحمل بندقيته ولا الطيار الذي يحلق في الأجواء فوق مدننا وبلداتنا، بل القوة الفتاكة للتكنولوجيا حين يُساء استخدامها. ولكن اياً تكن الأهوال التي تنتظرنا جميعا فان الصفات التي ساعدتنا على صون حريتنا سالمة مرتين خلال هذا القرن الفاجع، ستكون مرة اخرى موطن قوتناquot;.
وتختتم الملكة بالقول quot;إذ نسعى معا إلى محاربة هذا الشر الجديد لنبتهل من اجل بلدنا وذوي الارادة الطيبة أينما كانوا، بارككم الله جميعاquot;.
ومع اتضاح تفاصيل الحرب المتخَيَّلة في هذا السيناريو يدرك المسؤولون البريطانيون أنهم ارتكبوا اخطاء استراتيجية فادحة ليس أقلها امتلاك عدد كبير من الصواريخ النووية قصيرة المدى، التي إذا استُخدمت في ساحة المعركة ستكون وبالا على حلف الأطلسي قبل العدو. ويختتم السيناريو بتوقعه انتشار الفوضى في الغرب وقرار حلف الأطلسي توجيه الضربة النووية الأولى ضد دول الكتلة الشرقية quot;لتذكير موسكوquot; بأن حلف الأطلسي لن يكف عن المقاومة.