يقول تقرير إستخباري فرنسي سري، بعد 25 عامًا من الرصد، إن ترسانة سوريا الكيميائية تتألف من مئات الأطنان من غازات الخردل وسارين وquot;في أكسquot; السام، ما مجموعه نحو ألف طن من العناصر الكيميائية، مع نواقل صاروخية تحولها الى سلاح للدمار الشامل.

تحشد الحكومات الغربية كل ما أوتيت من أدلة وبراهين حسية ودامغة على ارتكاب نظام الرئيس السوري بشار الأسد جرائم حرب بأسلحة محرمة دوليًا، لإثبات مسؤوليته عن مجزرة الكيميائي في ريف دمشق في 21 آب (أغسطس) الماضي، من أجل تبرير الضربة التيلا تزال موقعة للنظام في دمشق.
وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة لو جورنال دو ديمانش الفرنسية وثيقة أعدّتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية، تفيد بأن النظام السوري يملك مئات الأطنان من غاز الخردل وغاز سارين، أي ما مجموعه نحو ألف طن من العناصر الكيميائية التي يمكن استخدامها كسلاح للدمار الشامل. وهذه الوثيقة ملخص وضعته الإدارة العامة للأمن الخارجي وإدارة الاستخبارات العسكرية الفرنسية، وضمنته نتاج آلاف الساعات من العمل الدؤوب الذي قام به عناصر الاستخبارات الفرنسيون لجمع المعلومات عن الترسانة الكيميائية السورية، منذ نحو ثلاثين سنة.
ترسانة غنية
يرد في الوثيقة المنشورة في لو جورنال دو ديمانش الآتي: quot;ومع وجود أكثر من ألف طن من عناصر الحرب الكيميائية، تمتلك دمشق واحدًا من أكبر المخزونات الكيميائية الفاعلة في العالم، لكن من دون سياسة تدميرية مبرمجة مسبقًا، وفي غياب رغبة دمشق في الانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائيةquot;.
ويتضمن هذا القسم تعدادًا للمكونات المختلفة لترسانة سورية مؤلفة من عدة مئات من الأطنان من غاز الخردل المخزنة في شكلها النهائي، وعشرات الأطنان من غاز quot;في أكسquot; الأكثر سمية بين عناصر الحرب الكيميائية المعروفة، وعدة مئات من الأطنان من غاز سارين. كما تشير الوثيقة الاستخبارية إلى أن العلماء السوريين عملوا على الخردل النيتروجيني، وهو عنصر من الجيل الأول اشد سمية من غاز سارين على الأعصاب، يحظر إنتاجه وامتلاكه بموجب اتفاقية العام 1993، التي وقعتها 189 دولة، إلا سوريا وكوريا الشمالية وبعض الدول الأخرى. ويعتبر تكييف الخردل النيتروجيني لسهولة إطلاقه إيغال في خرق المعاهدات الدولية والخط الأحمر الذي وضعه باراك أوباما أمام الأسد.
بيد العلويين
وتركز ملاحظات الاستخبارات الفرنسية في الوثيقة على نواقل هذه العناصر الكيميائية، أي ما يحولها من مجرد عنصر كيميائي سام إلى سلاح للدمار الشامل. إنها صواريخ سكود B وسكود C الروسية، التي يبلغ مداها 300 و 500 كلم على التوالي، وصواريخ M600 و SS21، إلى جانب سلاح الجو الذي يمكنه حمل بين 100 و 300 ليتر من غاز سارين في قنابل أو خزانات ترمى من الجو على المناطق المستهدفة، إلى جانب قذائف مدفعية يقل مداها عن 50 كلم، يمكنها حمل أحجام مختلفة من غازات سارين والخردل و quot;في أكسquot;.
وتقول الوثيقة إن مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري، وخصوصًا فرعه رقم 450، هو المسؤول عن الإمداد الكيميائي وعن أمن المخزون الموجود، وإن الوحدة المنوط بها إدارة هذا الفرع مؤلفة من ضباط وجنود من الطائفة العلوية، وإن أوامر إطلاق هذا السلاح بيد الأسد وبعض قيادات أركانه العلويين وحدهم دون غيرهم.
إنتاج محلي
بحسب ضابط في الاستخبارات الفرنسية من الذين قدموا هذه الوثيقة، وهو مختص في هذا النوع من التحقيقات، كان السلاح الكيميائي السوري تحت المهجر طوال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية. يضيف قائلًا إن الاستخبارات الفرنسية تابعت طرق استحواذ سوريا على عناصر مؤلفة للسلاح الكيميائي منذ عهد حافظ الأسد، والد الرئيس السوري الحالي بشار الأسد، بمساعدة روسية، لكن عجلة إنتاج أسلحة كيميائية تحولت سريعًا إلى دورة انتاج محلية مئة بالمئة.
وبحسب الوثيقة، تنتشر مواقع الإنتاج في جميع أنحاء سوريا، لكن تم تحديد بعضها كموقع السفير بالقرب من مدينة حلب، وموقع حمص، وموقع اللاذقية على الساحل السوري. وقد حصل السوريون على العناصر الاولية من خلال شركات وهمية، بالرغم من أن عمليات جاسوسية عديدة نفذت لعرقلة مرورها في موانئ دول معينة في المنطقة. وتتقاطع المعلومات المتاحة للفرنسيين من قبل أجهزة الاستخبارات الأخرى المتحالفة معها في هذا الاطار مع معلومات أدلى بها ضباط منشقون تركوا سوريا في العامين المنصرمين.
بث الرعب
وحول الهجوم الكيميائي الذي استهدف ريف دمشق في 21 آب (أغسطس) الماضي، تؤكد وثيقة الاستخبارات الفرنسية ما قالته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حول التخطيط المسبق للهجوم. ويقول مسؤول الاستخبارات الفرنسية: quot; في 21 آب (أغسطس)، قرر النظام السوري تغيير قواعد اللعبة، فلم يرد الاستيلاء على حي بعينه، بل أراد بث الرعب بين المواطنين في منطقة واسعة، رعبًا يدفع بالآلاف إلى الإسراع نحو المستشفيات في مدن متعددةquot;.
والاستخبارات الفرنسية تؤكد أن الغازات أطلقت من خلال صواريخ من نوع غراد، وأن القصف المدفعي العشوائي والكثيف ليومين متتاليين بعد المجزرة كان يهدف إلى إزالة أكبر قدر ممكن من الأدلة، التي يمكن أن تؤكد استعمال الغازات السامة في الهجوم.
في هذه الوثيقة، ثمة ما نشر، وثمة ما بقي طي الكتمان. فالصحيفة الفرنسية تشك في أن الجزء غير المنشور من هذه الوثيقة ربما يحتوي على أدلة تدين الأسد نفسه. من جانبه، قال مصدر حكومي فرنسي إن المعلومات الواردة في هذه الوثيقة صحيحة.