لن تحكم انغيلا ميركل ألمانيا وحيدة، بل من ضمن ائتلاف موسع سيضطرها إلى بعض الليونة أوروبيًا، لكنه سيخفف عنها ضغط المشككين بجدوى منطقة اليورو من معسكرها.


لطالما كانت ألمانيا الأكثر تشددًا في التعاطي مع الدول الاوروبية التي تعاني أزمات ناتجة من تفاقم ديونها السيادية، لأنها الاقتصاد الأوروبي الأكبر والأكثر تحقيقًا للنمو، ما يضعها في فوهة المدفع في كل مرة تتفق دول منطقة اليورو على إنشاء حزمة إنقاذ لدول أكلتها ديونها.

فالمستشارة الحديدية كانت الأكثر تمسكًا بقوانين الاتحاد الأوروبي، التي تضع ألمانيا خارج دائرة تحمل ديون الآخرين. وقبل الأحد، رفع أنصار quot;حزم الانقاذquot; أيديهم إلى السماء تضرعًا أن لا تحقق ميركل أغلبية إنتخابية، إذ أدركوا أنه من المستحيل أن تخسر الانتخابات.

فعدم تحقيقها غالبية مطلقة يمكن أن يطوّعها. وما أن أمسى الأحد، حتى كان لهؤلاء ما أرادوا. فتشكيل ائتلاف كبير يضم المحافظين والاشتراكيين الديموقراطيين وهو الاحتمال الاكثر ترجيحًا في المانيا غداة الانتخابات التشريعية، ما يوحي بمواقف ألمانية اكثر تساهلًا حيال دول الاتحاد الاوروبي التي تواجه أزمة مالية.

سقف التغييرات

كادت ميركل وحزبها أن تحقق الأغلبية المطلقة، لكنها لم تستطع، فكان لها أن تأتي في مقدمة الفائزين. ومن الاثنين، بادرت المستشارة المجدد لها إلى البحث عن شريك لها في الحكم، ومن الاحتمالات الأكثر ورودًا إعادة تشكيل ائتلاف كبير كالذي حكم ألمانيا بين العامين 2005 و2009، بحسب توقعات المحللين الاقتصاديين، ومنهم هولغر شميدينغ، خبير الاقتصاد في برنبرغ بنك، الذي توقع بناء هذا الائتلاف، كما توقع أن يدخل هذا الائتلاف تعديلات شبه جذرية في الموقف الالماني، باتجاه تليينه إزاء الدول الاعضاء في منطقة اليورو التي تواجه أزمة، كاليونان وأسبانيا وإيطاليا، وإلى حد ما فرنسا. أما الخبير اندرياس ريس من يوني كريديت، فيتوقع ان تواصل ألمانيا بقيادتها الجديدة سياسة مؤيدة لأوروبا ولليورو، ربما تكون بناءة اكثر مما كانت.

والسؤال هنا: ما هو سقف التغييرات التي يمكن أن تطرأ على سياسة المانيا الأوروبية إن أنشأت ميركل ائتلافها؟ فقد لاحظ المراقبون الأوروبيون أن ميركل آثرت في الأشهر القليلة الماضية، أي قبل الانتخابات، أن تخفف من حدة لهجتها حيال دول أوروبية تواجه أزمات ديون سيادية، وذلك من خلال إعطاء أولوية أوروبية لمكافحة بطالة الشباب، لكن من غير المتوقع أن تقدم ميركل تنازلات كبرى، كمحو جديد لديون اليونان، أو تحمل كل البلدان الاوروبية عبء الديون.

خذ وهات

في السنوات الاخيرة، وقف الحزب الاشتراكي الديموقراطي، كحزب الخضر، إلى جانب ميركل، مصوتًا على معظم حزم الانقاذ التي وضعت للدول الاوروبية التي تواجه ازمة. ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية لجيل مويك، من دوتشي بنك، قوله: quot;قاد الاتحاد المسيحي الديموقراطي مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي السياسة الاوروبية لالمانيا، وتشكيل أي ائتلاف بين الحزبين سيجعل الادارة المشتركة رسمية، مع رسالة موجهة إلى باقي أوروبا لن تتغيّر كثيرًاquot;.

ولطالما كانت ميركل وسياستها هدفاً لنقد الحزب الاشتراكي الديموقراطي، خصوصًا أن هذه السياسة تطالب بإجراء اصلاحات بنيوية تلقي بثقلها على المجتمعات المنهارة، وبخفض العجز في ميزانية أي دولة أوروبية مقابل أن تحظى بالمساعدة الالمانية.

وكان مرشح الحزب الاشتراكي الديموقراطي بير شتاينبروك أكد مرارًا خلال حملته الانتخابية أن هذه السياسة تخنق النمو في الدول التي تعاني ازمة، غير أن وصول شتاينبروك إلى قمة السلطة لم يكن ليغيّر في منطق quot;خذ وهاتquot; الذي يحكم المساعدات الاوروبية، وهي السياسة التي أجمع الخبراء الألمان على أنها عام أساس في فوز ميركل الانتخابي.

أكثر تفهمًا

إن كان الائتلاف الموعود سيضغط على ميركل اوروبيًا، فإن المحللين يتوقون منه أن يريحها قليلًا من صولات وجولات المشككين في جدوى اليورو ضمن معسكرها، كما ستكون اكثر استعدادًا لمنح وقت أكثر للدول التي تواجه الازمات، من أجل تحقيق أهداف النمو، وأكثر تفهمًا لبعض المشكلات، على رأسها ما اختلفت برلين وبروكسل حوله، أي مسألة السلطة التي تتولى التصفية، ومسألة الصندوق المختص بإعادة الهيكلة، في مجال الاتحاد المصرفي، إذ يتوقع المحللون التوصل إلى تسوية في المسألتين، بعدما كانت ألمانيا ترفض هاتين النقطتين.

وكان الحزب الاشتراكي الديموقراطي أيّد في السابق إصدار دول منطقة اليورو سندات اوروبية، لكن الحزب سحب هذا الاقتراح من برنامجه، لأن ألمانيا غير مستعدة اطلاقًا لتحمل ديون الآخرين. لكن المسألة الأوروبية لن تكون شغل الائتلاف الشاغل، إذ لفتت أناليسا بياتسا، من شركة نيوادج للسمسرة، إلى أن المفاوضات بين الحزبين لتشكيل الائتلاف ستتركز على مواضيع داخلية، وليس على السياسات الاوروبية، فجدول الأعمال في اجتماعهما سيضم تحديد حد أدنى للأجور وادارة عملية التحول في مجال الطاقة أو الاستثمارات في البنى التحتية والتربية. كما يتوقع شميدينغ إقرار سياسة نهوض محدودة النطاق، من خلال الانفاق في البنى التحتية وشبكة الكهرباء.