في أول تصريح يحمل ما يواجهه الأردن من تحديات صعبة ومعاناة حقيقية جراء الصراع في سوريا، عبّر وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني ناصر جودة عن خشيته من التأثيرات السلبية على المملكة الهاشمية الفقيرة الموارد.


نصر المجالي: دعا وزير الخارجية الأردني المجتمع الدولي إلى ضرورة الاستجابة العاجلة لحاجات اللاجئين السوريين والحكومات المستضيفة في دول الجوار الآن أكثر من أي وقت مضى.

جاء كلام الوزير الأردني خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري، الذي عقد في نيويورك بمشاركة 40 دولة ومنظمة دولية الخميس حول الوضع الإنساني في سوريا ودول الجوار، برئاسة مشتركة بين الأردن والاتحاد الأوروبي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والستين.

وأكد جودة أهمية التعامل مع آثار استضافة اللاجئين على الدول المضيفة، وأن لا تقتصر الاستجابة على الآثار الآنية أو قصيرة الأمد، وإنما أيضًا على المديين المتوسط والطويل.

أبعاد الصراع
وحذر وزير الخارجية الأردني، حسب تقرير لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) من أن الوضع في سوريا يزداد خطورة وتفاقمًا بوجود عاملين رئيسين يدفعان المخاطر وأبعاد الصراع إلى أبعد من حدود سوريا والمنطقة، ويتمثلان في تغيير طبيعة الصراع، الذي تحوّل من طبيعته السياسية إلى صراع أيديولوجي طائفي، ما يزيد من مستويات العنف وتدهور الظروف الإنسانية وتدويل هذا الصراع، فيما يتجلى العامل الثاني في دخول الأسلحة الكيميائية إلى حلبة الصراع، ما يخلق ديناميكيات جديدة على مختلف المستويات من حيث الآثار الإنسانية داخل أو خارج سوريا والمخاطر على الدول المجاورة، وكذلك آثارها على المجتمع الإنساني والحاجة لمواجهة فاعلة لتهديد استخدام تلك الأسلحة على سوريا والمنطقة.

وقال quot;إننا في الأردن نتحمّل أكبر تبعات لهذا الصراع بعناصره وأوجهه كافة، حيث نستضيف ما مجموعه 1.3 مليون سوري، ويشكل هذا التدفق 11% من سكان المملكةquot;.

مخيم الزعتري
أضاف جودة أن مخيم الزعتري، الذي أُقيم قبل عام ونيف، بات رابع أكبر مدينة في المملكة، من حيث عدد السكان، مشيرًا إلى أن تلك الزيادة الهائلة في عدد السكان أدت خلال فترة قصيرة جدًا إلى استنزاف الموارد، ورتبت أعباء إضافية على البنية الأساسية وأثقلت كاهل الخدمات.

وعرض الضغوطات التي تتعرّض لها قطاعات المياه والصحة والتعليم جراء ذلك، والزيادة في استهلاك الطاقة بسبب النمو السكاني، في وقت يمر الأردن بأزمة طاقة، بسبب انقطاع إمدادات الغاز المصري، ما رتّب أعباءً على شبكة الكهرباء الوطنية وارتفاعًا في عجز الميزانية، إضافة إلى مزاحمة الأردنيين على فرص العمل.

وأكد جودة أن الأردن، وبتوجيهات من الملك عبدالله الثاني، مستمر في استقبال الأشقاء السوريين، على الرغم من كل هذه الضغوطات، مثلما شدد على أن الأردن لم ولن يُغلق حدوده في وجه النساء والأطفال الفارّين من العنف والدمار بحثًا عن الأمان والأمن في المملكة، مشيرًا إلى أن المسألة ليست فتح الحدود، وإنما قدرة قطاع الخدمات والبنية الأساسية والموارد الأردنية على تحمّل تلك الضغوط.

وأكد على أهمية دعم الأردن، ليتمكن من الحفاظ على تقاليده في استضافة اللاجئين، وهي تقاليد تمثل شخصيته الوطنية ومصدر فخر قومي للأردنيين، مبيّنًا أن هذه التقاليد تقف اليوم أمام تحدٍّ تفرضه حقائق الأرقام والإحصاءات، التي تفوق قدرة الأردنيين على التحمّل، في وقت تمر فيه المملكة بظروف اقتصادية قاسية.

تفوق الإمكانيات
وقال وزير الخارجية الأردني إن الأزمة في سوريا أثبتت أنها بحجم يفوق إمكانيات بلد بمفرده، وتنطوي على آثار تفوق مهام المنظمات، وتتعدى الحدود، وتتجاوز فاعلية الآليات والأدوات المخصصة للتعامل مع الأزمات الإنسانية، لذلك فإنه لا بد أن تكون هناك استجابة من المجتمع الدولي للوضع الإنساني في سوريا والدول المجاورة شاملة، تأخذ بالاعتبار كل تلك العوامل، والشروع في صياغة استجابة متعددة الجوانب لمواجهة الوضع الإنساني في الداخل السوري، والحيلولة دون تدفق اللاجئين إلى دول الجوار.

وأضاف إنه في ظل غياب حل سياسي للأزمة السورية يحقق انتقال السلطة، فإنه ليس هناك حلّ إنساني للأزمة، وإلى أن يحين ذلك، على المجتمع الدولي أن يترجم تقاسم الأعباء إلى عمل ملموس على أرض الواقع، لتخفيف معاناة السوريين داخل وخارج سوريا، ودعم الدول المضيفة، ورفع بعض الضغوط عن المجتمعات المضيفة، التي هي أيضًا تدفع ثمنًا باهظًا.

مسؤولية المجتمع الدولي
من جانبها، أكدت مفوضة الاتحاد الأوروبي للتعاون الدولي والمساعدات الإنسانية والاستجابة للأزمات كريستالينا جورجيفا، على ضرورة أن يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته في مساعدة الأردن ودول الجوار المضيفة للاجئين لتمكينها من الاستمرار في تقديم الخدمات واستمرار قيامها بالدور الإنساني المهم.

وأشارت إلى العبء الكبير الذي يتحمّله الأردن ودول الجوار المضيفة للاجئين السوريين، مؤكدة أنه يجب أن لا تترك هذه الدول وحيدة من دون مساعدتها.

وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيرس، إن الأزمة السورية هي أسوأ كارثة إنسانية في تاريخ البشرية، مشيرًا إلى الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في مساعدة الدول المضيفة لهؤلاء اللاجئين، والتنسيق والتعاون المستمرين بين منظمات الأمم المتحدة وهذه الدول.

وأعرب عن شكره لجهود السلطات الأردنية والدول الأخرى في خدمة اللاجئين السوريين وتسهيل عمل منظمات الأمم المتحدة.
وأخيرًا، حذر المدير التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة quot;اليونيسفquot; أنتوني ليك من جهته من خطورة الأزمة الإنسانية السورية، خصوصًا وأن النسبة الكبرى من المتضررين واللاجئين من الأطفال، ويجب أن يحظوا برعاية خاصة، وأن تقدم إليهم الخدمات اللوجستية والاجتماعية.