فيما تستعد الجهات الدولية المانحة لتقديم المال بهدف مساعدة السوريين في مؤتمر المانحين في الكويت، هناك الكثير من الأسئلة التي تحيط بكيفية استخدام هذه المساعدات، وعلى يد من وكيف ستصل إلى الفئة المستهدفة.


تحولت سوريا إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، مع فرار أكثر من مليوني سوري من البلاد، و6.5 مليون آخرين داخل سوريا هُجّروا من منازلهم، في حين يتوقع أن يكون ثلاثة أرباع السكان في حاجة إلى المساعدات الإنسانية في العام 2014.

تدهور الوضع

يوم 16 كانون أول (ديسمبر)، استجابة للأزمة السورية، أصدرت الأمم المتحدة نداءً غير مسبوق للتبرعات الدولية، وطلبت 6.5 مليون دولار لمساعدة السوريين. ومن المقرر تخصيص 2.3 مليون دولار من هذا المبلغ لإيصال الغذاء والوقود والرعاية الطبية والمياه داخل حدود البلاد (والباقي لمساعدة اللاجئين).

واليوم، في 15 كانون الثاني (يناير)، اجتمعت الدول المانحة في الكويت لجمع الأموال لمساعدة الشعب السوري. لكن الوضع الانساني في سوريا يتدهور بسبب برد الشتاء القارس وعدم توفر طعام للسوريين الذين لجأوا إلى أكل أوراق الأشجار، ويتزايد القلق بشأن تداعيات إعطاء المال لسوريا في ظل عدم وجود ضمانات بأن مبلغ 2.3 مليون دولار المخصص لمساعدة السوريين سوف يصل إلى جميع المحتاجين.

ويقلق المراقبون والخبراء من أن هذه المساعدات يمكن أن تستخدم لدعم حكومة الرئيس بشار الأسد التي تعمل على جعل حياة السوريين بائسة جدًا، وفقًا لما نقلته صحيفة تايم الأميركية عن جماعات المساعدة الإنسانية العاملة في المنطقة.

حكم النظام

الأموال المخصّصة لسوريا يمكن أن تستخدم فقط من قبل وكالات الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الإنسانية المحلية والدولية التي وافق عليها النظام، والتي لا تسمَح الحكومة السورية سوى لعدد قليل منها بالعمل في البلاد.

هذه المجموعات تقوم بأعمال حيوية وضرورية في ظل ظروف صعبة وهي بحاجة إلى التمويل، لكن يتم احتجازها كرهائن للحكومة التي تتلاعب في توزيع المساعدات لأغراضها الخاصة.

فالنظام السوري يحد من عدد التأشيرات التي تعطى للعاملين في مجال المعونة الدولية، كما يتحكم في وصولهم إلى المناطق التي مزقتها الحرب، وهذا يعني أن المنظمات تُمنع في أغلب الأحيان من تقديم الإسعافات إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار، ولا تتجاوز حركة العاملين فيها خمس عشرة دقيقة من مكاتبهم في دمشق، وفقًا لممثلي عدة منظمات إغاثة عاملة في سوريا، طلبوا عدم الكشف عن اسمائهم نظرًا لحساسية الوضع.

ويصر المسؤولون الحكوميون على أنهم يمنعون وصول المساعدات إلى المناطق المأهولة فقط بالمتمردين المسلحين، على اعتبار أنهم لا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها السكان المدنيين. لكن بعد العديد من التقارير القادمة من هذه المناطق المحاصرة، يتبين أن المدنيين يعانون كذلك.

خرق سيادة

قال رئيس الشؤون الانسانية للامم المتحدة فاليري آموس لموقع هيئة الاذاعة البريطانية الاحد: quot;المرضى والجرحى لم يتمكنوا من المغادرة، هناك أناس على شفير الموت جوعًا، ولم يكن بإمكاننا أن ندخل الطعام والمواد الغذائية إليهمquot;. وأضاف: quot;هناك تقارير على أن الناس على شفا الموت جوعًا، بما في ذلك في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بالقرب من وسط دمشقquot;.

وأشارت تايم إلى أن العديد من المنظمات انتهكت القيود الحكومية على المساعدات عبر الحدود السنة الماضية، وذلك بسبب مساعدة المدنيين الذين هم في أمس الحاجة. لكن دمشق بدأت بتضييق الخناق، واصفة تسليم المساعدات إلى مناطق المتمردين من تركيا مثلًا بمثابة quot;خرق للسيادةquot;، وهددت بطرد أي منظمة تتخذ من دمشق مقرًا لها وتواصل برامج مساعداتها في الشمال.

ويقول خبراء القانون الإنساني الدولي إنه في حين أن تقديم المساعدات الانسانية عبر الحدود يحتاج إلى التفاوض بشأنه مع الحكومة، إلا أن الأخيرة ليس لديها الحق في منع الوصول إلى المساعدات الإنسانية بدون سبب مشروع. وتقول الخبيرة القانونية إيمانويلا غيلارد، زميلة أبحاث في معهد أكسفورد للقانون والأخلاق والصراعات المسلحة: quot;رفض السماح للوكالات الإنسانية بتقديم الإغاثة اعتباطًا، بهدف إضعاف أو معاقبة العدو، هو انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدوليquot;.

ثواب وعقاب

تصل بعض المساعدات الإنسانية إلى المناطق الموالية كوسيلة مكافأة للمؤيدين، بينما يتم حجبها عن الآخرين عقابًا لهم، وفقًا لأحد العاملين في مجال الإغاثة الذي قال إن النظام يتبع نهجًا واضحًا: quot;إذا كنت معنا سنساعدك، وإذا لم تكن معنا فسنحاصرك ونجوعكquot;.

هذا الحال لا يختلف عن استراتيجيات الجماعات المعارضة، لا سيما جماعات المتمردين الاسلاميين في الشمال الذين يقدمون المساعدات للناس مقابل ولائهم ولدعم مواقعهم في البلدات والقرى التي يسيطرون عليها. وهذا الواقع جعل عمال الإغاثة يشعرون بالكثير من الإحباط والعجز.

ويقول بعضهم: quot;إذا أرغمت سوريا على تدمير ترسانة أسلحتها الكيميائية وفتح أبوابها أمام المفتشين الدوليين، فهذا يعني أنه من الممكن إرغامها على السماح بوصول المساعدات الإنسانيةquot;، وهذا لا يعني تهديد الأسد بالعمل العسكري اذا لم يخفف القيود المفروضة على توزيع المساعدات. لكن مبلغ 2.3 مليار دولار، حتى لو كان يقتصر على المساعدات الإنسانية، من شأنه أن يمثل حقنة كبيرة من السيولة في الاقتصاد السوري المتداعي، وبالتالي يعطي الجهات المانحة بعض النفوذ.

بناء على ذلك، وقبل توقيع أي شيكات كبيرة، ينبغي أن تصر الدول المانحة على الأسد بتحسين ضمان وصول عمال الإغاثة إلى المدنيين وتقديم المساعدات بشكل أفضل. هناك حاجة ماسّة لأن تتأكد الجهات المانحة من أن كرمها يذهب إلى حيث تشتد الحاجة إليه بدلًا من أن يتم استغلاله من قبل الأسد لمكافأة الموالين له ومعاقبة خصومه.