بغداد: في خطوة مفاجئة، غادر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الحياة السياسية في العراق، بعد مسيرة حافلة بالنزاعات العسكرية والسياسية، من دون ان يتضح ما اذا كان قرار رجل الدين النافذ، ورئيس التيار السياسي، وقائد الميليشيا المسلحة، مؤقتا او نهائيا.
واحدثت هذه الخطوة الاستثنائية على الساحة العراقية، صدمة لدى مسؤولي تيار الصدر، احد ابرز الشخصيات التي لعبت دورا اساسيا في اعادة بناء النظام السياسي بعد سقوط صدام حسين في العام 2003، وقائد احد اكثر الحركات الشيعية نفوذا وشعبية في البلاد.
ويسدل هذا القرار في حال كان نهائيا، الستار على مسيرة بدات بمعارك ضارية مع القوات الاميركية التي اجتاحت العراق عام 2003، وانتهت بنزاع عسكري-سياسي مع رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي الذي يحكم البلاد منذ العام 2006.
وقال مقتدى الصدر المولود في مطلع السبعينيات في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه اليوم الاحد quot;اعلن عدم تدخلي بالامور السياسية كافة وان لا كتلة تمثلنا بعد الان ولا اي منصب في داخل الحكومة وخارجها ولا البرلمانquot;.
واضاف quot;اعلن اغلاق جميع المكاتب وملحقاتها على كافة الاصعدة الدينية والاجتماعية والسياسيةquot;، علما انه ابقى على بعض المؤسسات الخيرية والتعليمية والاعلامية مفتوحة.
وبرر الصدر قراره بالقول انه جاء quot;حفاظا على سمعة ال الصدر (...) ومن منطلق انهاء كل المفاسد التي وقعت او التي من المحتمل ان تقع تحت عنوانها (...) ومن باب الخروج من افكاك الساسة والسياسيينquot;.
ويتمتع الصدر المولود مطلع السبعينات، بشعبية هائلة في اوساط فقراء الشيعة وخصوصا في مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية العالية في بغداد، وقد ورث هذه الشعبية عن والده المرجع محمد محمد صادق الصدر الذي قتله النظام السابق في 1999 مع اثنين من ابنائه.
ويملك الصدر الذي غالبا ما يرفع ابهام يده اليمنى خلال خطاباته، مكاتب سياسية في معظم انحاء البلاد، ويتمثل تياره في البرلمان ب40 نائبا من بين 325، وفي الحكومة بستة وزراء، ابرزهم وزير التخطيط علي شكري، اضافة الى منصب النائب الاول لرئيس مجلس النواب الذي يتولاه قصي السهيل.
وبرز اسم مقتدى الصدر، السريع الغضب والقليل الابتسام، في العام 2003 بعدما اسس وحدات مسلحة تضم عشرات الالاف من الشبان الشيعة تحت اسم quot;جيش المهديquot;.
وسرعان ما خاضت هذه الميليشيا تمردا ضد القوات الاميركية في النجف في آب/اغسطس 2004 قتل فيه ما لا يقل عن الف من انصار الصدر، الذي اعتبرته وزارة الدفاع الاميركية في العام 2006 من اكبر التهديدات التي تعيق استقرار العراق.
وتوارى الصدر عن الانظار في اواخر العام 2006 ولم يعرف مكان اقامته حتى عودته الى حي الحنانة في النجف حيث مقر اقامته في بداية العام 2011، ليتبين لاحقا انه امضى اكثر من اربعة اعوام في مدينة قم الايرانية لمتابعة دروس في الحوزة العلمية.
وظهر الصدر الذي يكثر من استخدام كلمة quot;حبيبيquot; التي ورثها عن ابيه، وجملة quot;اذا صح التعبيرquot;، للمرة الاولى بعد ذلك خلال زيارته الى تركيا عام 2009، وتلا ذلك زيارتان لسوريا واخرى للبنان.
ورغم ذلك، خاض جيش المهدي الذي كان يعتبر الجناح العسكري لتيار الصدر، معارك قاسية مجددا مع القوات الاميركية والحكومية العراقية ربيع العام 2008 في البصرة ومدينة الصدر، قبل ان يامر مقتدى الصدر في آب/اغسطس 2008 بحل quot;جيش المهديquot;.
وبعيد عودته الى العراق، وانسحاب القوات الاميركية من البلاد نهاية 2011، دخل مقتدى الصدر في نزاع سياسي طويل مع رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي الذي يحكم البلاد منذ العام 2006، حيث نعته بquot;الكذابquot;، وquot;الديكتاتورquot;.
وكان مقتدى الصدر في منتصف 2012 احد ابرز السياسيين العراقيين الذي عملوا معا على الاطاحة برئيس الوزراء، المدعوم من طهران واشنطن، عبر سحب الثقة منه في البرلمان، من دون ان ينجحوا في ذلك.
وبعيد فشل هذا المسعى، ابتعد الصدر صاحب العمامة السوداء، واللحية الكثة، والذي دائما ما يبوخ مساعديه بشكل علني، شيئا فشيئا عن العمل السياسي، وقلل من ظهوره الاعلامي، وصب تركيزه على متابعة دروسه الدينية في العراق وايران.
وقد وصول مقتدى الصدر الذي يسعى لبلوغ مرحلة الاجتهاد التي تمهد له الطريق ليصبح مرجعا، الى مرتبة البحث الخارجي، والتي تعرف ايضا بمرحلة الدراسات العليا وهي اخر مراحل الدراسات في الحوزة العلمية لدى الشيعة.