هل حان الوقت لإنشاء مؤسسة أو هيئة مستقلة تراقب quot;الأداء الإعلاميquot; في مصر، بعيدا عن سلطة الحكومة، أو ضغط جماعات المصالح، أو هيمنة رأس المال الخاص، يشارك فيها أصحاب المهنة عملا بالمثل القائل quot; أهل مكة أدرى بشعابهاquot;؟

إن طرح هذا السؤال بات مشروعا في ظل ما يحدث من انفلات وفوضى في ظل مئات القنوات التي تعمل في فضاء مفتوح دون إدراك لرسالتها، أو مراعاة لقيم المجتمع أو تجاهل للمسئؤلية الاجتماعية الملقاة على عاتقها، في دولة مرتبكة، اعتادت أن تصحو بعد فوات الأوان، وفي توقيت بالغ الحساسية، قبل نحو شهر من انتخابات تشريعية محاطة بكثير من علامات الاستفهام، ثم انتخابات رئاسية لاكتها كثير من الألسن قبل أن يحسم الجدل حولها بإعلان أمين الإعلام بالحزب الوطني د. علي الدين هلال أن مرشح الحزب الوطني في هذه الانتخابات هو الرئيس مبارك.

لا احد ينكر أن السوق الإعلامي في مصر تشعبت، وامتلأت بصحف يوميه تجاوز عددها العشرين، ومجلات وصحف ودوريات أسبوعية تجاوز عددها الخمسمائة، وقنوات مصرية حكومية عددها أربع وخمسون، تبث عبر القمر الصناعي نايل سات، وقنوات خاصة تعدت عددها إحدى وثلاثين، تتباين بين قنوات عامة ومتخصصة، ومعظمها لها مواقع على شبكة المعلومات، هناك خمسمائة وأربعون قناة مصرية وغير مصرية تبث عبر النايل سات بينهم مئة قناة مشفرة، والباقي قنوات مفتوحة مجانا الأمر الذي دفع الأسر المصرية في الريف والحضر إلى اقتناء أجهزة استقبال، ومشاهدة العالم، وبات الخبر الذي يحدث في أقصى الأرض ينقل لايف للملايين في أنحاء العالم.

إذن التنوع في السوق الإعلامي المصري دفع المصري إلى الارتباط بإعلام بلده، ليشاهد نفسه ومشاكله، وآلامه، وأحلامه على شاشات تعبر عنه، وطرحت هذه القنوات قضايا كان الاقتراب منها محرما، قبل أن تتراجع هذه البرامج بفعل ضغوطات وحسابات خاصة لأصحاب هذه المحطات.

لكن المؤسف هو أن الأضواء لعبت بعقول النجوم الجدد، فقد وجدوا أن برامجهم أو صحفهم تقوم بدور الأحزاب، وجماعات الضغط، والجمعيات الخيرية، واختلط السياسي بالاجتماعي والشخصي بالمهني، وقام المذيع والصحفي بدور القاضي، وشاهدنا مذيعاً في برنامج مصر النهاردة يقول quot; لو كنت مكان لاعبي الأهلي لتركت المباراة وعجنت الحكمquot; وزميلته في البرنامج نفسه تبدي حماسا شديدا لإغلاق صفحة التواصل الاجتماعي quot;الفيس بوكquot; دون مراعاة لقواعد المهنة على افتراض أنهم يعرفون هذه الأصول، وبعضهم يصفي خلافاته شخصية على الهواء، أو على صفحات الصحف ورأينا إعلاميين يقومون بدور الأحزاب، وأحزاب تتصارع فيما بينها بغرض الشو الإعلامي، ورأينا صحفيين يختبئون وراء جمعيات خيرية في قراهم ومدنهم من باب الوجاهة الاجتماعية، وهذا لا علاقة له بمهنة الصحافة لا من قريب ولا من بعيد.

كل هذا برز على السطح وغصت الساحة الإعلامية بكثير من القضايا من بينها النزاع بين صحفي الدستور وملاك الجريدة الجدد عقب إقالة إبراهيم عيسى رئيس التحرير، وإقدام شركة نايل سات إغلاق اثنتي عشرة قناة تليفزيونية، وإنذار عشرين آخرين لإخلالها بشروط التعاقد ومن بينها قنوات دينية كالناس والرحمة والبركة والحكمة والبدر والأخيرة قيل إنها استضافت رجال دين صبوا الزيت على النار، وهم يناقشون ما يصدر عن علماء ورجال دين مسلمين ومسيحيين، وقنوات أخرى مثل سترايك تبث مواد إباحية ورسائل بها كلمات خارجة وغيرها تروج للخرافة، وتبيع الوهم للمرضى عن طريق نشر وصفات علاجية من الأعشاب، فضلا عن قرار الهيئة القومية للاتصالات فرض ضوابط جديدة للرقابة علي خدمة رسائل الهاتف المحمول الدعائية والإخباريةrlm;،rlm; وسبقه قرار قضائي بمنع تصوير المحاكمات في ساحات المحاكم، ووقف بث قناة أوربت.

تباينت الآراء إزاء هذه الخطوة بين من يرى ضرورة التدخل لتنظيم البث، وتطبيق ميثاق الشرف الإعلامي، ومن يعارض ذلك ويعده ضربة لهامش الحرية، الذي ميز عهد الرئيس مبارك لكن التوقيت جعل البعض يتهم الحكومة بأنها تريد أن تكمم الأفواه قبل الانتخابات التشريعية المقبلة، وهي ترتكب بذلك خطئاً لا يغتفر لان المشاهد في هذه الحالة سينصرف إلى البديل، وسيعود إلى قنوات أخرى لها أجندة معينة ليعرف ما تريد أن تخفيه عنه حكومته، ومن ثم تصبح الحاجة ماسة لإنشاء مجلس أو مؤسسة لمراقبة quot;أداء الإعلام المرئي والمطبوع والمقروءquot;، وتقويمه إذا انحرف عن المسار الصحيح، ولكي يقوم الصحفيون بدورهم في البحث عن الحقيقة، ولا يقدمون أي ذرائع للسلطات كي تحرمهم من هذا الحق، وليعلم كل صحفي أن البطولة الحقيقية لا تكمن في فرض أرائه ومعتقداته على مشاهديه مستغلا واقع الإحباط السائد في مصر، بل في قدرته على الوصول إلى حقائق تفرض نفسها على العقل لعله يساهم في إزالة هذا الإحباط وتغيير إدراك المصري لهذا الواقع المرير.

إعلامي مصري