مع تشكيله العملية السياسية، وهندسة عملية القبول الديمقراطي، المفروضة بالقوة العسكرية للقوى العظمى، اتبع بريمر الحاكم الامريكي السابق للعراق، اطار مفاهيمي للاعلام العراقي وفق نموذج الاعلام الامريكي الرسمي الذي يسيطر عليه المحافظين الجدد ليمنع فهم الحقائق والقضايا.

ففي كل عمليات الانتخابات، سواء التي اجريت في عام 2005، وفي عام 2009 او التي ستجري في الشهر القادم، فان اصوات الجماهير الانتخابية تكون بين يدي اللجان الانتخابية التي يقودها المحركون، الذين هم في الغالب، الكتل السياسية الدينية و العرقية وتجار الحروب القادمين مع الاحتلال الانكلوسكسوني. وقد نجح هؤلاء في انتخابات 2005 بتقديم الخداع الضروري الذي يوفر الايمان الذي يجب ان يغرس في عقول المواطنين وتلقينهم، بان الاحتلال تحرير، والمقاومة ارهاب، وتدمير الدولة العراقية ضرورة لاقامة البديل الديمقراطي الجديد! فالمدفع والدين والاعلام ثلاثي متلازم دائما مع الاحتلال لصناعة هندسة القبول الديمقراطي، حسب تعبير الكاتب الامريكي ناعوم تشومسكي.

ان تسخير الإعلام الدعائي/ الترويجي propaganda، المبني على الأكاذيب والخداع.. وتكرارارها وتوكيدها خصوصا من قبل القادة المؤثرين، يكون عنصر النجاح الحاسم على فرض المرشحين انفسهم على الناخبين دون مناقشة، في حين تصبح الموهبة والكفاءة ليست من الشروط المطلوبة للانتخابات التي يشكلها الاحتلال.

يعزي عالم النفس الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير بان سبب ذلك يعود لنفسية الجماهير الانتخابية التي تتميز بالسذاجة وسرعة التصديق. فمن خلال التملق وتوزيع الوعود خصوصا التي تثير عواطف الجماهير يجري خداع الجماهير الانتخابية. فمثلا استخدام عبارة دولة القانون تولد دائما اثار ايجابية لدى الجماهير الذي تعاني من فقدان الامن وانتشار المليشيات وفرق الموت، على الرغم من انها كلمة فارغة وخالية من المعنى، بسبب التناقض بين الصفة والموصوف. فهل يمكن وصف دولة طائفية تحت الاحتلال بدولة قانون؟!!
ولكن مع ذلك، نجح المالكي في انتخابات مجالس المحافظات في كانون الثاني 2009 لاستخدامه عبارة دولة القانون. كما أن حديثه المتكرر عن ضرورة إعادة النظر بالدستور لتقوية الحكومة المركزية على الاقاليم، تحضي بقبول الكثير من العراقيين الذين يتطلعون إلى اعادة الهيبة للدولة العراقية التي دمرها الاحتلال..
وهناك عبارات كثيرة تمارس تاثيرا مماثلا على الجماهير الانتخابية مثل الطائفية البغيضة ومشروع المصالحة والوحدة الوطنية، اضافة الى العبارات التحريضية، مثل البعث النازي والارهاب التكفيري والعرب الطغاة.....الخ. ويجري تكريس مثل هذه العبارات بين جماهير الشعب، من خلال التاكيد والتكرار والعدوى.

ويرى عالم النفس لوبون بان انعدام الروح النقدية لدى الجماهير لا يسمح لها برؤية التناقضات في استخدام مثل هذه العبارات. ومن هنا تاتي اهمية نشر الثقافة النقدية بين الشعب كشرط اساسي من شروط الديمقراطية لكي يتعلم الشعب فن اختيار مرشحيه ولا يقع في شباك التضليل والاحتيال.

ان الشعب العراقي هو الخاسر الاول في لعبة الانتخابات. فانتخابات 2005 وضعت في السلطة الكتل السياسية التي عينها بريمر في مجلس الحكم، وهي نفس الكتل التي نقل اليها بريمر السلطة، بمسرحية نقل السيادة الى العراقيين المضللة، لان السيادة لا يملكها الاحتلال حتى ينقلها الى العراقين!! وتُستخدم كلمة quot;العراقيونquot; بمعنى اخر منفصل عن معناها المالوف، بهدف الجمع بين الكتلة التي نقل اليها بريمر السيادة المزعومة وبين الشعب العراقي المالك الاصلي للسيادة.

وان هذه الكتل المعينة من الاحتلال، لم تنجح في انتخابات 2005 لولا استخدام الرموز الدينية والوعود بالاصلاحات واعادة البناء وتحقيق الامن وتوفير الخدمات، واخراج الاحتلال، وهي وعود لم ينجز اي منها لحد الان، ومع ذلك ترشح نفسها ثانية لانتخابات 2010 مع اجراء بعض العمليات التجميلية على تحالفاتها واسمائها وتستخدم من جديد نفس الوعود وبنفس الالفاظ تماما رغم انها وعود مستهلكة من كثرة الاستخدام!! اي ان جوهر الكيانات لم يتغير وانما تغيرت التسميات او الشكليات.

يعزو الكاتب الامريكي ناعوم تشومسكي في كتابه ارهاب القراصنة وارهاب الاباطرة بان (هندسة القبول الديمقراطي ) تشكل مشكلة عندما يتعذر الدفاع عن سياسة الدولة وتصبح خطرة عندما تمس القضايا المصيرية.

وليس هناك خطورة اكثر من الحرب الاهلية التي يتنبأ بها العديد من مراكز البحوث الامريكية بعد الانتخابات القادمة في العراق، مثلما حدث بعد الانتخابات السابقة واندلاع الحرب الاهلية الطائفية في العام 2006. ولو امعنا النظر الى الحملة الدعائية لانتخابات 2010، وحملة تصفية المعارضة المناهضة للاحتلال والمحاصصة، خلف ستار اجتثاث البعث، وتصوير بعض نواب البرلمان العراقي في الفضائيات، بان رموز البعث هم نفس رموز السنة، واستخدام اسلوب القياس والتشبيه بين اسماء رموز البعث ورموز قادة المسلمين الذين لهم احترام كبير في العالم الاسلامي، لوجدنا ان هذه التنبؤات جاءت في مكانها. وقد اثار هذا التشبيه المسيء الى رموز المسلمين استياء واسع في العراق سيمتد حتما الى عموم العالم الاسلامي، قد تشعل حرب اهلية طائفية على صعيد العالم الاسلامي، تجعل المسلمين يذبح بعضهم بعضا كما فعل الاوربيون فيما بينهم في العصور الوسطى.. وهذا ما يخطط له المحافظين الجدد والصهيونية العالمية للعراق والعالم الاسلامي!

ان المرحلة القادمة تنذر بمزيد من الحروب والدمار والخراب، ولتجنب هذه الكوارث المحدقة بالعراق والمنطقة فان اقل ما يقتضي ان يقوم به الشعب العراقي هو ان يمتنع عن التصويت والمشاركة في الانتخابات القادمة، بغية انهيار العملية السياسية برمتها على راس الاحتلال وحكومته الدمية في المنطقة الخضراء وجميع حلفائفهم!!

باحثة في جمعية الحقوقيين العراقيين - بريطانيا