وصل رجب طيب أردوغان على السلطة بعد الانقلاب الابيض على نجم الدين أربكان رئيس حزب الفضيلة ورئيس الوزراء الذي كان يمثل الاسلام المحافظ، والمزعج للمؤسسة العسكرية على اعتبار انه مناوئ للعلمانية. استغل أردوغان هذا الموقف بعد انشقاق حزب الفضيلة على نفسه وزيادة التوتر داخله، وتمكن من تأسيس حزب العدالة والتنمية بتبنيه العلمانية والاسلام الليبرالي المعتدل ارضاءا للمؤسسة العسكرية من خلال إبعاده للجناح الاسلامي المحافظ، وهكذا تمكن حزب العدالة والتنمية من الوصول الى السلطة.
شخصية أردوغان: من الناحية المذهبية ينتمي الى الطائفة النقشبندية المتطرفة ويتسم بالصوفية يأخذ أفكاره ومبادئه من تعاليم زعيم الطريقة النقشبندية quot;عزت زاهد كوكتوquot; الذي كان يعتقد ان التنمية الاخلاقية شرط مسبق للتنمية المادية والاستقرار السياسي. من هذه الاعتبارات الدينية تبنى أردوغان فكرة ان كل الناس متساوون في المجتمع الاسلامي، ولم يكن له اهتمام بالاسلام السياسي سوى مرجعيته على المستوى الفردي، مضيفا الى ذلك ان الدستور والديمقراطية هما مرجعيتان على المستوى السياسي. هذا الدستور الذي يريد أردوغان اجراء بعض التغييرات فيه لصالح البقاء في السلطة. أما الحقيقة في شخصية اردوغان فتٌظهر ان توجهاته وتصرفاته الدينية والحزبية والسياسية فردية وديكتاتورية بلا منازع او معارض، ان كان داخل الحزب او في الحكومة، ولهذه الاعتبارات أسس مستشارية النظام والأمن القومي تحت سقف وزارة الداخلية لتشترك فيها الهيئات الامنية والاستخباراتية والعسكرية ولجنة مكافحة الارهاب، وكل ذلك تحت اسم الامن القوي في البلاد، ولكن في حقيقة الامر هو مركزية السلطة لصالح حزب العدالة والتنمية. الى جانب ذلك اعاد مناقشة الكتاب الاحمر او ما يسمى بالدستور التركي السري تحت رعاية عبد الله غول تخوفا من انقلاب على الحزب.
نظرا لعنصرية رئيس الوزراء أردوغان كغيره من الاتاتوركيين وغروره فانه يغض النظر عن تنوع المجتمع التركي المكون من قوميات ومذاهب وطوائف عديدة ومختلفة، فبدلا من حل المشاكل المطروحة والمستعصية في الساحة السياسية التركية بالاسلوب الديمقراطي والحوار السلمي، يلجأ الى صهر هذه الاطراف قسوة في البوتقة الطورانية التركية تحت اسم الاسلام العثماني الليبرالي، مستخدما كل الاساليب الغير مشروعة لكل من يقف في وجهه او يخالف اطماعه ورغباته في استمرارية السلطة.
ان رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب اردوغان يعاني من عقدة احياء الامبراطورية العثمانية الاسلامية، ولحل هذه العقدة وتحقيق اهدافه القريبة والبعيدة طرح فكرة الثورة الصامتة وهي الثانية بعد ثورة اتاتورك في تركيا، وهذا يعني انه يريد ان يقوم بدور مميز يدهش كل متابع لتاريخ الدولة العثمانية منذ تركهم للخلافة، ويدعي بأنه ميراث للاتراك نستطيع ان نفتخر به وان نكون من العثمانيين الجدد.
يقول اردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية: ان هدف الثورة الصامتة هو بدء حركة احياء للاسلام العثماني على اسس جديدة ومقبولة من المجتمع التركي والاسلامي والدول الاقليمية وامريكا والاتحاد الاوروبي، واتخذ العلمانية والليبرالية سقفا لثورته الصامتة، وغطاء للاسلام السياسي الذي يقوده بإسم حزب العدالة والتنمية ارضاءا للمؤسسة العسكرية وتجنبا لشرها. ان اردوغان يريد ان يجعل من تركيا مركزا للاسلام التركي المعتدل، ليفسح له المجال تصدير هذا النموذج من الثقافة العثمانية لكل العالم الاسلامي وتوثيق العلاقات معها،حتى انه جعل من اسطنبول مقرا للمؤتمرات الاسلامية.
استراتيجية الدولة التركية: في السياسة الداخلية هي استمرارية الحرب العنصرية المبيدة والمستمرة على الكرد، والخضوع للارادة العسكرية كباقي الحكومات السابقة، رغم الخلافات ووجهات النظر بين الطرفين، لكن تبقى محاربة الحركة الكردستانية عامل مشترك بينهما. أما في السياسة الخارجية تبنت الدولة التركية مشروع سياسة اللامشكلة مع دول الجوار، وديناميكية هذا المشروع في الشرق الاوسط الى آسيا الوسطى ودول المشرفة على بحر قزوين ودول البلقان امتدادا الى المغرب العربي، بالاضافة الى ذلك الصداقة للغرب لان المسالة مسالة مصالح، وهذا لا يتعارض مع الايديولوجية الاردوغانية لأن اي طرف اسلامي يلبي المصالح الغربية ولا يعارض مصالحه الجيو الاستراتيجية والسياسية مثلما يفعل اردوغان يجد لنفسه مكانا بين الدول الغربية وفي نفس الوقت تزداد فيه الحاجة الامريكية للدور التركي باسم الاسلام المعتدل والليبرالية كركيزة للتوازن داخل الانظمة الاقليمية كون تركيا تعتمد في العلاقة على الدبلوماسية والحلول السياسة، وهذا النموزج التركي يقدم الخدمة لتحقيق الاهذاف الامريكية ومصالحها في المنطقة والبلدان الاسلامية.
أسباب الانطلاقة التركية:
1ـ تطورات النظام الاقليمي الغير متكافئ، فالدول العربية تعيش حالة الركود الاقتصادي والوهن السياسي، تعتمد في الحفاظ على السلطة بالاساليب المخابراتية والمحاكم الامنية والاعتقالات الكيفية للمعارضة وحالة الطوارئ والاحكام العرفية، سجونها مليئة بالسياسيين، وهي مشغولة بنظام التوريث للابناء اكثر من انشغالها بمصالح الشعب الذي يعاني من الفقر والجوع والمرض، ان هذا الوضع خلق فراغا سياسيا واقتصاديا وثقافيا في المنطقة، مما أدى بدول غير عربية لملئ هذا الفراغ مثل تركيا وايران، وبسبب طبيعة الخطاب الايراني المتطرف مع كثير من الدول العربية والغربية، تمكنت تركيا كمنافسة لايران مد نفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي في المنطقة وبين الدول الاسلامية.
2 تبني الدولة التركية بعض القضايا العربية والدفاع عنها مثل قضية فلسطين والحرب الاسرائيلية على غزة ولبنان والوساطة بين سوريا واسرائيل، وايران والعالم الغربي، والعراق وسوريا، ثم استغلال هذه المواقف اعلاميا وسياسيا لمد نفوذها على المنطقة، مثال على ذلك انسحاب اردوغان من مؤتمر دافوس الاقتصادي بسبب خلاف مع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز، عمليا ان هذا التصرف لا يليق برئيس دولة بالانسحاب من المؤتمر ولكنه اراد بذلك الاستغلال السياسي والاعلامي على الساحة التركية والعربية. ثم رفض وزير خارجيته داود اوغلو الاجتماع في مؤتمر الامن الدولي في ميونيخ بسبب وجود نائب وزير خارجية اسرائيل. استغل اهانة السفير التركي في اسرائيل اعلاميا لدعم سياسته في المجتمع التركي.
3 استثمار تركيا لموقعها الجيوستراتيجي، وعضويتها في الحلف الاطلسي، وارتباطها جغرافيا بشكل مباشر عبر البوابة الاوروبية مع الغرب لمصالحها السياسية والاقتصادية، ومحاولة فرض انتسابها الى الاتحاد الاوروبي، ومحاربة حزب العمال الكردستاني وحركة حرية كردستان.
4 تزايد الحاجة الامريكية والدول الاوروبية الى الدور التركي في المنطقة كوسيط بين كثير من الدول كون الحكومة التركية تعمل تحت ستار العلمانية والليبرالية والاسلام المعتدل، وهذا يعني تحسين العلاقات التركية مع حلفاء امريكا على مستوى الدول والمستوى الشعبي، كما تبين ذلك في منتدى أميركا والدول الاسلامية في الدوحة عاصمة قطر بحضور رئيس وزراء تركيا أردوغان ووزير خارجيته داود اوغلو وعن الجانب الامريكي وريرة الخارجية هيلاري كلينتون، وقد تناولت المباحثات بين الطرفين العديد من القضايا الثنائية والاقليمية. في نفس الفترة وصل داود اوغلو الى طهران قادما من قطر لبحث الملف النووي الايراني والعقوبات الدولية، ومسألة الانتخابات في العراق مع المسؤولين الايرانيين. على هذا الاساس تثني واشنطن على دور تركيا وبالاخص في افغانستان كونها اقترحت تسليح العشائر ضد الطالبان على غرار حراس القرى في كردستان ضد حزب العمال والقوى الكردية المناضلة.
5 ابراز اهمية الدور التركي كقوة استقرار في المنطقة على الصعيد السياسي والاسلامي. ان وزيرة الخارجية الامريكية كلينتون أعطت اهمية كبيرة للمؤتمر الاسلامي كونه تحت النفوذ التركي، فقامت بزيارة خاصة للامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي احسان اوغلو وهو من اصل تركي في مقره بمدينة جدة، وقامت خلال هذه الزيارة بتقديم المحامي رشاد حسين الذي عينه باراك اوباما ممثلا خاصا له لدى الامين العام وسيظل مقيما في جدة. قال احسان اوغلو في المؤتمر الصحفي بأن العلاقات بين منظمة المؤتمر الاسلامي والادارة الامريكية ستتعمق بعد اليوم وانهم سيعملون بشكل منسجم ومستمر مع ممثل الرئيس الامريكي رشاد حسين، وهكذا تسير المؤامرة الامريكية التركية على المنطقة تحت غطاء الاسلام المعتدل.
طبيب ومحلل سياسي كردي ألمانيا
التعليقات