بصرف النظر عن أية إعتبارات سياسية أو مسوغات فكرية و عقائدية، فإن الإنتخابات العراقية القادمة في السابع من شهر مارس القادم ستشكل على صعيد الفعل الستراتيجي في العراق فرصة لربما تكون ألأخيرة للخروج من حالة شبه السيطرة الإيرانية المطلقة على حلقات مفصلية ومهمة على الحكومات التي تقوم في العراق، فالهيمنة الإيرانية وهذا واقع ملموس جاءت بفعل حالة التخادم السياسي و العقائدي الطويل و الوثيق الصلة بين النظام الإيراني عبر أجهزته الإستخبارية و السياسية ومجموعة الأحزاب الدينية و الطائفية التي سادت في العراق بعد إنهيار نظام البعث الشمولي في ربيع ( حرية العراق ) و التي ستتحول لحالة ( الفجر الجديد ) عام 2003 عبر الإحتلال ألأمريكي الذي هشم كل أسس وقواعد الدولة العراقية الحديثة التي كانت مهترأة أصلا بفعل التخريب الكبير الذي مارسه نظام صدام حسين بسبب حروبه و مصائبه وحالة الحصار الدولي الطويلة و المرهقة، فحالة الفراغ المرعب و غياب القوى ألأمنية و تبخر الجيش العراقي القديم و إنهيار الدولة الموحدة المتماسكة وسيادة الميليشيات و الفرق الطائفية من مختلف الملل و النحل العراقية إستطاعت إيران من خلال إمكانياتها المادية و ( إحتياطياتها المضمومة ) في القوى السياسية و الدينية العراقية أن تسد الثقوب الخطيرة و أن تفرض ليس ظلالها بل حضورها الميداني و الفاعل وفي ظل رقابة ( بلهاء ) من الإدارة الأميركية التي كانت تراقب الموقف و تسجل كل شيء و لكنها كانت عاجزة عن الفعل الصريح و الحاسم حتى بدا للمراقب و كأن هنالك تناغما أمريكيا / إيرانيا في تدمير العراق!! رغم أن هذه النظرة كما نعتقد ليست صحيحة بالمرة سوى أن الإيرانيين يمتلكون ستراتيجية و رؤية واسعة للحالة العراقية و برنامج عمل قديم وواسع و طموح يهدف لإحتواء العراق بالكامل وضمه تحت الجناح الإيراني نهائيا! فيما افتقدت الإدارة الأميركية لأي رؤية ستراتيجية حقيقية و فاعلة في ظل تضارب المصالح و تناقض الإدارات و الحيرة الكاملة في التعامل مع ملفات الإرهاب و إدارة الصراع في المنطقة، الولايات المتحدة بذلت جهودا مضنية وقدمت خسائر كبيرة وهي تدير الملفات المرهقة في العراق وهو الأمر الذي أشار إليه صراحة السفير الأمريكي في بغداد المستر هيل و الذي أعرب بصراحة و شفافية عن خيبة أمل بلاده في القوى العراقية الحاكمة التي تنكرت لجميل الولايات المتحدة التي أسقطت النظام العراقي و قدمت السلطة على طبق من ذهب لمجموعة الأحزاب الطائفية التي كانت لا تجرؤ على مجرد الحلم بإمكانية ملامسة حافات السلطة و بثمن غالي تكلف أكثر من أربعة آلاف جندي أمريكي قضوا في ساحة المواجهة و بتكاليف كونية مرهقة لجميع الأطراف! ومع ذلك ورغم كل ما حصل فإن أحد الأحزاب في العراق وهو ( المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق ) أي جماعة حجة الإسلام عمار الحكيم ( دامت بركاته ) و على لسان أحد أعضائه ( الشيخ همام حمودي ) كان قد أصدر بيانا ينتقد فيه ( تدخل الولايات المتحدة بالشأن العراقي )!! وهو إنتقاد مثير للسخرية فضلا عن الغثيان لأن ( حمودي) و من هم خلفه يعلمون جيدا بأنه لولا الولايات المتحدة و ما فعلته لما تسنى لهم تسلم قمة المسؤولية في العراق و التي تحولت لكارثة حقيقية تمثلت في حملات النهب و الفساد و الإفساد و القتل الطائفي و فتح العراق على مصاريعه للنفوذ الإيراني بكل أشكاله الإستخبارية أو الطائفية المدمرة! وكذلك كان الحال مع الحزب الطائفي الآخر ( حزب الدعوة ) بكل فروعه و تشققاته العديدة و المتناحرة فكريا و المتفقة منهجيا ( الشفط و اللهط )! فقيادات حزب الدعوة العديدة ما فتأت توجه التحذيرات للولايات المتحدة و لسفيرها متجاهلة حقيقة أن القوات ألأمريكية الموجودة في العراق كفيلة تماما بإرجاع الحزب و قادته لمنطقة ( السيدة زينب ) في ريف دمشق ليعود قادة ذلك الحزب المتآكل لمهن بعضهمالقديمة كسماسرة للمخابرات السورية في بيع الجوازات المزورة، وفي بيع ( السبح ) و ( الخواتم )!! و الإستجداء من جماهير الزوار..! إذا تطلبت المصلحة الستراتيجية ألأمريكية ذلك، فالأميركان هم اليوم في حيرة قاتلة من مستقبل الأوضاع في العراق وقد أصدر قادتهم العسكريين و المدنيين تحذيرات من تنامي الهيمنة الإيرانية و التي تمت واقعيا أمام العيون الأمريكية و ليس في السر؟ فكل شيء يجري بعلانية ملفتة للنظر في العراق بل أن الإيرانيين أضحوا الرقم الصعب حتى في الدائرة الإنتخابية فهم يحددون من يدخل المنافسة أو يخرج منها؟ كما أنهم يديرون محاور و ملفات الصراع المحتدم في العراق بحرفنة و تمكن و أطلاع و سيطرة، و إذا كانت ألأحزاب الطائفية في المرحلة الماضية قد إستفادت من تهلهل الدولة ومن الروح الطائفية التي كانت محتدمة فإن فرصتها اليوم لإعادة و إستمرارية تلك الهيمنة الكارثية تبدو في خطر حقيقي إذا تمكنت جماهير الشعب العراقي المتضررة فعلا من إطلاق كلمتها و التعبير عن رأيها و معاقبة كل من أساء و سرق وهرب و مارس الإرهاب، و الفرصة حقيقية لإخراج العراق من النفوذ العنكبوتي الإيراني من خلال إبعاد رجاله و عيونه و غلمانه و مؤسساته و إنتخاب من هو الأقدر و الأجدر و ألأكثر إلتزاما بالمصالح الوطنية العراقية البعيدة كل البعد عن الوصاية الإيرانية و برنامجها الرهيب لتهميش دور العراق الستراتيجي المؤثر في المنطقة / إنها فرصة الساعة الأخيرة فالشعب إن قرر معاودة التجربة الفاشلة و إنتخاب من نعلم و تعلمون و تسليم العراق لقمة سائغة لأهل الغل و الحقد التاريخي المعجون بأوهام و خرافات التاريخ فهذا شأنه وهو من سيتحمل في النهاية مسؤولية خياره... فهل سنشهد تمزق خيوط الشرنقة الإيرانية؟ أم أن النتيجة ستكون وبالا على وحدة العراق الذي نعرفه؟ ذلك هو خيار الشعب العراقي وحده!!
- آخر تحديث :
التعليقات