ماذا يعني للبشرية التأكد من وجود حضارات أخرى عاقلة وذكية في الكون؟ وهل يمكن أن يصدق الناس في يوم ما هذه الفرضية التي باتت بالنسبة لبعض العلماء حقيقة ثابتة تحتاج للبرهان المختبري ليس إلا.

كرست مجلة السماء والفضاء Ciel et Espace عددها لشهر نوفمبر سنة 2005 لهذا الموضوع بيد أنها لم تتمكن من تقديم إجابة ناجعة على مسلمة أن البشرية ليست سوى جنس عادي مبتذل من بين عدد هائل من الأجناس والكائنات التي يزدحم بها الكون المرئي الشاسع وبالذات في مجرتنا درب التبانة بالرغم من تحفظات أنصار مفارقة فيرمي paradoxe de Fermi الذين يدعون إن أياً من تلك الحضارات أو سكان الكواكب الأخرى لم يتصل بنا ولم يهبط على الأرض بينما يشير الواقع إلى عكس ذلك والشواهد عديدة لا تعد ولا تحصى، وهناك آلاف الشهادات والصور والتقارير التي تثبت ذلك. يتحجج أتباع مفارقة فيرمي بأنه لا يمكن للكائنات الفضائية القدوم إلينا لأن الرحلات الفضائية بين الكواكب والنجوم في الكون، وبين مكونات مجرتنا يحتاج لسنوات طويلة وتتطلب عدة أجيال من رواد الفضاء القادمين من تلك الكواكب، والحال أن هذه الذريعة تستند لمعدل عمر الإنسان على الأرض وهي قصيرة جداً بالمقارنة بعمر الكائنات الفضائية Extraterrestres الذي قد يكتد البعض منها إلى آلاف السنين بفضل تقنية تجديد الخلايا، والاستنساخ، ومن البديهي الاعتقاد أن حضارات متقدمة علمياً بإمكانها إمتلاك تقنية التجميد للكائنات الحية لإبقائها على قيد الحياة لعقود، وربما لقرون طويلة. كما أن لديها من التقنيات العلمية العالية جداً مما يؤهلها لحماية نفسها من مخاطر الإشعاعات لكونية وتستطيع توليد طاقة عالية ومستدامة وبلا حدود لتسيير مركباتها، كالوقود النووي وطاقة المادة المضادة والسيطرة على طاقة البلازما والتنقل بين الأبعاد الكونية وإلغاء الجاذبية الخ... فمنها من يكتف بالمراقبة والتأمل والدراسة عن بعد ومنها من يحاول، وبسرية تامة، الاقتراب من الجنس البشري والاختلاط معه بحذر شديد تبعاً لاختلاف الأهداف والأغراض المحددة لرحلاتهم. وهناك مستويات متنوعة ومتباينة للتقدم التكنولوجي والعلمي لتلك الحضارات الفضائية العديدة. ولو عدنا 13 مليار سنة إلى الوراء واتخذنا سنة رمزية لأمكننا القول أن الأرض تكونت في 13 أيلول من تلك السنة وإن أول كائن بشري ظهر فوقها كان في 31 تشرين الثاني/ ديسمبر في الساعة السابعة وعشرين دقيقة مساءاً، وهذه حسابات علمية أعدت بواسطة برامج المحاكاة بواسطة كومبيوترات عملاقة وقوية جداً، وهذا يعني أن الحضارات الكونية لم تظهر في آن واحد وفي نفس الوقت، فالحضارة التي ولدت قبلنا بأربع وعشرين ساعة في تلك السنة الرمزية ستكون متقدمة علينا بخمسة وثلاثين مليون سنة. منها من غادر بعد إنتهاء مهمته البحثية ومنها ما يزال يعمل فوق كوكبنا دون أن يؤثر وجودها على مسار حياتنا وتطورها بالإيقاع الطبيعي المرسوم لها. فمنذ فجر الإنسانية كنا هدفاً وموضعاً للدراسة والمراقبة ويكفينا الرجوع للدراسات التاريخية والآركيولوجية لظواهر الأجسام المحلقة المجهولة الهوية OVNI عبر العصور وفحص الأساطير والخرافات القديمة جداً والروايات الفلكلورية والتاريخية والدينية لمختلف شعوب الأرض وبالذات تلك التي وردت في الكتب المقدسة وغيرها والتي أشارت كلها إلى زيارة الآلهة للأرض واتصالها بعض الأفراد المنتقين بعناية وتعمد مسبق حتى أن بعض البشر غادر الأرض بصحبة تلك الكائنات في مركباتها النارية أو عربات الآلهة كما كانوا يسمونها. والسؤال الذي يعيد نفسه بلا انقطاع لماذا لم يتصلوا بنا على نطاق واسع وعلني ورسمي ملموس وبمعرفة جميع سكان الأرض؟

من الممتع محاولة معرفة رأي الكائنات أو المخلوقات الفضائية أو اللاأرضية بهذه القضية أي عدم الاتصال المباشر والعلني والملموس مع سكان الأرض وقادة الأمم والزعماء السياسيين والدينيين الذين يقودون مليارات من البشر على هذا الكوكب؟

هناك أحد أشهر الحضارات الكونية الـ extraterrestres وهم الأومييون Les Ummites من سكان كوكب أومو Ummo الذي يدور حول شمس أخرى بعيدة عن شمسنا ويقع في نظام شمسي يشبه نظامنا الشمسي نوعاً ما. وسبب اختيارهم هنا لأنهم مثلنا وعلى هيئة البشر ويشبهوننا بالمظهر الخارجي لكنهم متقدمون علينا بآلاف السنين حيث قاموا بأول محاولة اتصال معنا عبر البريد وإرسال رسائل من مختلف المناطق في الأرض لعدد من الأشخاص الذين اختاروهم بعناية فائقة وقصتهم معروفة في العديد من التحقيقات والكتب والبرامج التلفزيونية والحلقات البحثية الجادة، بيد أن الذي يهمنا هنا هو الإطلاع على موقفهم ورأيهم هم بمسألة عدم الاتصال العلني الواسع والملموس. يقول الأوميون في إحدى رسائلهم حول هذا الموضوع أنهم تعهدوا بعدم التدخل في التطور الإجتماعي لكوكبنا الأرض لسببين جوهريين أولهما بسبب وجود ميثاق كوني أو أخلاق كونية تمنع التعامل مع مختلف التكوينات الإجتماعية أوالكائنات الأدنى تطوراً التي تعيش على كواكب أخرى بطريقة التعالي أو الأبوية والوصاية كما لو أنهم قاصرون، ثانياً بسبب تقديرهم لما يمكن أن يسببه مثل هذا التدخل العلني من تداعيات سلبية وخطيرة على التفكير الجمعي لتلك المجتمعات وما يمكن أن يحدثه من انهيارات لمجموعة القيم الاعتقادية والفكرية والدينية والفلسفية والعلمية. فالقانون الأخلاقي لدى الأوميون يمنعهم من التدخل والتأثير على الصيرورة التطورية لثقافة ونمط تفكير مجموعة بشرية أو غير بشرية تعيش في مكان ما في هذا الكون، فهم واثقون من التشويهات الرهيبة التي ستحدث في طبيعة التركيبات الإجتماعية والنتائج السلبية جداً التي ستنجم حتماً من جراء مثل هذا التدخل المباشر والعلني المكثف، وقد كتبوا بهذا الصدد ما نصه:quot; إذا رغبنا بدراسة حضارة كوكبية ما بكل نقاوتها سيتعين على حضورنا أن يكون سرياً وأن نتفادى إحداث اضطرابات اجتماعية، وعدم التسبب بحدوث ديناميكيات غير طبيعية في الوسائل التقنية والدفاعية وفي أساليب الرصد والاعتراض وحصول اضطرابات في وسائل الاتصال وشبكات الإعلام ذات التأثير الجمعي الكبير على الناس. فمجتمع مضطرب بسبب وجود كائنات غريبة عنه سيكون غير قابل للدراسة بكل نقاوته، كما لو أن عالم بكتريولوجي يرغب بدراسة خلية جذعية أو ظاهرة بكتريولوجية ما فعليه أن يحافظ عل نقاوتها لا أن يثير اضطرابها بإضافة جراثيم أو مكونات جرثومية غريبة عنها ستؤثر حتماً على الصيرورات البيولوجية للخلية موضوع الدراسة حيث ستفقد خصائصها الأصلية إذ ستتكون كينونة جرثومية أخرى مختلفة هي التي ستكون موضع الدراسة تحت الميكروسكوب. لهذا السبب، من بين أسباب كثيرة أخرى ارتأينا أن يكون حضورنا بين البشر على الأرض سري وبدرجة عالية من الكتمان وبصورة غير رسمية باستثناء بعض الشخصيات المنتقاة بعناية كبيرة. وقد طلب منا البعض منهم، خاصة من أمريكا الشمالية واستراليا، عن السبب الحقيقي الذي يمنعنا من الكشف عن حقيقتنا أمام الملأ الأرضي والعمل بصورة علنية ورسمية، وأن نعمل بمبدأ فرض الأمر الواقع كأن نهبط بمركباتنا في عز النهار ووسط الناس، في ملعب لكرة القدم، أو ساحة عامة، أو حديقة عامة كبيرة جداً في مدينة عالمية كنيويورك، مرتدين أزياءنا الفضائية الغريبة، حاملين بنادق الليزر الفتاكة أو الرهيبة لردع المعتدين أو المهووسين كما يحدث عندكم عادة في أفلام الخيال العلمي. الحقيقة أن رغبتكم البدائية للتواصل وفق هذا السيناريو المضحك تدل على عدم استعداد البشر للتصديق بوجود حضارات ذكية أخرى في الكون في الوقت الحاضر، ولسان حالهم يقول: إذا كنتم كائنات فضائية فلماذا لا تعرضون أنفسكم أمامنا مع أدلة على ذلك لا تقبل الدحض؟ وللرد نقول : quot; ليس لدينا أية رغبة، لا نحن ولا غيرنا من الكائنات التي زارتكم قبلنا أو بعدنا، وليس من مصلحتنا البتة، أن تتأكد التركيبات الإجتماعية البشرية على الأرض من صحة وجودنا على الأرض فهذا ليس من أهدافنا على الإطلاق. فمنذ البداية اخترنا أن نعمل في الخفاء وبصورة سرية تامة وأخذ الوقت اللازم للتعرف تدريجياً على ثقافاتكم ولغاتكم وقوانينكم والسيكولوجيا الإجتماعية الأرضية التي تتحكم بتصرفاتكم وسلوككم، ودراسة ردود الأفعال المتوقعة، وانتهينا إلى حقيقة هي أن الكشف عن وجودنا لبضعة أشخاص مختارين بعد دراسة تركيبتهم الدماغية وسيرتهم العلمية لن يشكل أي خطر على خطتنا ومهمتنا البحثية لأننا واثقون أن باقي البشر سوف يشككون بأقوالهم ويسخرون منهم ويتهكمون عليهم ولا يصدقون ما يمكن أن يكشفه البعض ممن اخترناهم واتصلنا بهم، وهذا ما حدث بالفعل عندما خرق بعض أصدقائنا من سكان الأرض ميثاق السرية ونشروا الرسائل التي تلقوها في بولونيا وإسبانيا وكندا حيث سخر منهم القراء واتهموهم بالجنون أو بمخيلة فنتازية وهو الأمر الذي يناسبناquot;. ويعتقد الأوميون أنه لا ينبغي أبداً تغيير صيرورة التطور الطبيعي الجاري على الأرض بإيقاعه المطلوب واللازم، من خلال إدخال أفكار جديدة ومفاهيم جديدة وحقائق جديدة وغريبة عن الأرض سواء على الصعيد الديني أو السياسي أو الاقتصادي أو العلمي أو التقني التكنولوجي. ويواصل الأوميون :quot; لم نأت إليكم بصفة آلهة هبطوا من السماء ولا أنبياء أو رسل أو ملائكة قادمين من الفضاء الخارجي لنجلب لكم عقيدة جديدة أو فيزياء جديدة أو دين جديد أو مفاهيم رياضية جديدة استناداً إلى نضوجنا وتطورنا وتقدمنا الثقافي والعلمي والطبي والبيولوجي الذي لا يمكن مقارنته بما توصلتم إليه لحد الآن. ولكي نقرب لكم ما نقصد تصوروا مهندساً أرضياً متخصصاً بالمعمار والبناء وتشييد الجسور، يزور روضة للأطفال ويباشر بشرح كيفية بناء جسر باستخدام القياسات والمعادلات الرياضية والتصميمات العلمية والحسابات التقنية والرسوم المهنية والحرفية المتعلقة بذلك والمصطلحات المحترفة المتداولة في المهنة التي يمارسها وشرح خصائص الإسمنت المسلح ومقاومة الحديد والفولاذ للمتغيرات المناخية وعمليات التمدد والتقلص تبعاً لدرجات الحرارة لأطفال لا يستطيعون تناول الطعام بأنفسهم الخ... نرجو أن تكون الصورة قد وصلت واضحة إلى الأذهان. وحتى لو قررنا التدخل وزرع جزء مما توصلت إليه حضارتنا من إنجازات وتقدم في مختلف المجالات وعلى كافة الصعد فسوف نحتاج إلى 250 أو 300 سنة على الأقل لتحقيق نتائج ملموسة فمستوى الاستيعاب لدى البشر لا يزال في بداياتهquot;.فنحن لا نرغب بأن نجعلكم تشعرون بأننا نعاملكم كالأطفال. إلى جانب ما تتمتعون به من غرور وخيلاء وكبرياء يمنعكم من تقبل الوصاية ويدفعكم للثورة والمقاومة وعدم الانقياد والاستسلام بسهولة وليس من أخلاقنا إرغام الأجناس والكائنات الأخرى على الخضوع لنا بالقوة والإكراه وإن كنا قادرين على ذلك بسهولة، إلا في حالة واحدة فقط هي أننا نتأكد من أن أن تقوم حضارة أو مجموعة من الكائنات بتدمير نفسها بنفسها بأسلحة الدمار الشامل حينذاك سنتدخل لمنعها من ارتكاب مثل هذه الكارثة التي تبيد جنسهم وتنهي حضارتهم.quot;

أخذ نص هذه الرسالة من كتاب العالم الفرنسي جون بيير بتي Jean-Pierre Petit بعنوانquot; لغز الأوميون : علم جاء من كوكب آخر؟ le Mystegrave;re des Ummites، une science venue drsquo;une autre planegrave;te ?quot;.

ويسرد الأوميون بهذا الصدد قصة متخيلة تتحدث عن وصول بعثة فضائية إلى الأرض في فترة القرون الوسطى واتصالهم علنا بالسكان ومساعدتهم في شفي الأمراض المستعصية باستخدام معلوماتهم الطبية المتقدمة جداً فاعتبرهم السكان آنذاك سحرة من أتباع الشيطان وحكموا عليهم بالحرق وهم أحياء بتهمة الهرطقة وهي قصة طريفة وذات دلالات عميقة، وفيها الكثير من التفاصيل الممتعة تنم عن معرفة عريقة بتاريخ البشر وحضاراتهم القديمة والحديثة ومستوى تفكيرهم وردود أفعالهم. فبلغة القرن العشرين والواحد والعشرين لايمكن للبشر فهم واستيعاب قواعد الحساب الرياضي والمعادلات الفيزيائية والمعدلات التفاضلية eacute;quations diffeacute;rentielles المستخدمة لقياس الزيادات الضئيلة جداً في الدوال والمتحولات وتطابقها أو استخدام إشعاعات معينة معقدة للقضاء على خلايا السرطان والتي يمكن استخدامها أيضاً كأسلحة دمار شامل وإبادة في نفس الوقت. وهناك وصف دقيق لبعض النماذج التكنولوجية الأومية وردت في رسائل الأوميين ووردت في كتب مخصصة لهم مثل كتاب العالم الفرنسي جون بيير بتي المشار إليه أعلاه وكتابه الآخر :quot; فقدنا نصف الكون On a perdu la moitieacute; de lrsquo;Universquot; وكتابه :quot; تحقيق حول كائنات فضائية تعيش بيننا : لغز الأوميين le Mystegrave;re des Ummites Enquecirc;te sur des Extraterrestres qui sont parmi nous quot;. والتي تشرح رؤيتهم ونظريتهم العلمية للكون والميتافيزيقيا والتطور البيولوجي والتنظيم الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع شبه المثالي بالنسبة لنا الذي يعيشون فيه حيث استطاعوا القضاء على الأمراض والجريمة والفساد. ويقدمون نصيحة لسكان الأرض تقول إنه إذا أرد سكان كوكب آخر متطور حضارياً وتقنيا على الأرض بآلاف السنين أن يؤذوا البشر فسوف لن يكونوا بحاجة إلى استخدام أسلحة فتاكة كالتي نراها في أفلام الخيال العلمية بل يكفيهم أن يظهروا أنفسهم وبصورة مفاجئة واستعراضية مع بعض الأدلة التي تعكس قوتهم الحقيقية لخلق الهلع والذعر والهيجان والاضطراب الشامل بين سكان الأرض مما سيكون لذلك تداعيات وانعكاسات كارثية. فالتطور البشري على الأرض يشبه نمو الطفل من الحيمن إلى الإنسان البالغ والمفكر والعاقل والذكي ذو الوعي المتطور، فالجينات التي تتحكم بسلوك الفرد لها تأثير على المستوى الجماعي والمجتمعي. وكذلك فإن نقل المعلومات العلمية والتكنولوجية المتطورة جداً وبصورة مفاجئة على طريقة القفزات السريعة من شأنه أن يخلق مشاكل عويصة يستحيل حلها.
.
..يتبع

د. جواد بشارة
[email protected]