لقد بدأ دون شك موسم الهجرة العراقية لطهران، فما أن ظهرت نتئائج الإنتخابات التشريعية العراقية و التي أظهرت متغيرات ملفتة للنظر على صعيد إختفاء بعض الوجوه و صعود وجوه أخرى و ملامح التغيير الكبير في المزاج الشعبي العراقي رغم أنه ليس تغييرا حاسما بالمطلق لإستحالة ذلك أصلا في أي عملية إنتخابية إلا فيما ندر، حتى يمم العديد من السياسيين العراقيين وجوههم صوب اللاعب الإقليمي الأقوى في الشأن العراقي وهو النظام الإيراني، فترتيبات البيت العراقي لما بعد الإنتخابات من حيث توزيع المناصب و المسؤوليات و تقاسم الوزارات و المؤسسات هو أمر لا بد أن يمر من تحت الطاولة الإيرانية و لا بد أن تتم التوافقات في طهران للأسف!، فمهما علا الحديث و الصراخ عن السيادة الوطنية العراقية وعن وطنية القرار العراقي إلا أن ألأمور تبقى نسبية للتداخل الفظيع بين الإشكاليات الوطنية و الطائفية وحتى القومية المكونة للحالة العراقية، فقيام الرئيس العراقي جلال طالباني برفقة نائبه عادل عبد المهدي بزيارة طهران في هذا الوقت بالذات قد تم إدخالها ضمن إحتفالية ( إحتفالات عيد نوروز القومية للشعوب الآرية ) التي تضم الفرس و الأكراد و غيرهم من شعوب أواسط آسيا! و من الملاحظ أن النظام الإسلامي الإيراني متعلق حتى النخاع بتلك الإحتفالات القومية الصرفة القديمة الجذور التي عود لحقب سحيقة سبقت الإسلام، بل أن تلك الأعياد مفضلة قوميا و شعبيا على الأعياد الإسلامية و أيام عطلاتها أكثر بكثير من عيدي الفطر و الأضحى اللذان يمران بإيران دون طعم و لا رائحة بينما تحظى أعياد النوروز و مهرجانات ( النيران ) ذات الأصول المجوسية القديمة بأهمية قصوى لا تعادلها أية أهمية لأية مناسبات أخرى طبعا سوى مناسبات ( اللطم ) التي تستثمر سياسيا و مذهبيا، فالسياسة العنصرية القومية هي التي توجه و تحدد محاور السياسة الإيرانية لذلك فإن الرئيس الحرسي أحمدي نجاد قد شدد خلال إستقباله لنظيره العراقي على دور ( عيد نوروز ) العالمي في التقارب بين الشعوب!! لاحظوا أنه قد إعتبر العيد القومي الفارسي عيدا عالميا!
الطريف في تلك الإحتفالية هو إن إيران قد دعت لتأسيس حلف دول النوروز التي إجتمعت في طهران وهي إيران و أفغانستان و طاجيكستان و تركمانستان و طبعا ( عراقستان )!!، و الأشد طرافة هو أن الرئيس طالباني وهو يحتفل بالنوروز يعبر عن ذاته بإعتباره كرديا آريا.. و لكنني لا أدري ما هو موقع نائبه عادل عبد المهدي وهو من جنوب العراق و من الناصرية تحديدا من الإعراب في تلك الإحتفالية؟ إلا إذا أدخلنا في الحساب كونه من قيادات المجلس ألأعلى للثورة الإيرانية في العراق وهو المؤسسة الإيرانية الرائدة في العمق العراقي فسيصبح ألأمر مفهوما وقتذاك لأنه في رف أهل المجلس ألأعلى الذي جاء في المرتبة الثالثة في الإنتخابات فإن ( حلال طهران حلال ليوم القيامة.. وحرام طهران حرام ليوم القيامة )!! عندئذ تصبح ألأمور مفهومة، و يبدو أن دبلوماسية النوروز قد سمحت للرئيس العراقي بأن يستقبل في مطار طهران ليس بنفس المستوى البروتوكولي بل أنه أستقبل من قبل وزير الصناعة الإيراني!! وهو إستقبال ذو معنى كبير لمن يفهم العقلية الإيرانية معناه و لله الأمر من قبل و من بعد؟ وفي الواقع لا أدري حقيقة لماذا يطير الرئيس العراقي الساعي لولاية رئاسية جديدة لطهران في هذا الوقت بالذات وحيث تتصاعد الخلافات العميقة في ظل إصرار أهل حزب الدعوة على التشبث بالسلطة حتى النفس الأخير وفي ضوء الرغبة المالكية المعلنة بأنه سوف لن ( ينطيها ) أي يسلمها لأحد أسوة بمنهج الرفاق السابقين في البعث الراحل! و تيمنا بسيرة كل من جعلته الظروف ( الطايح حظها ) حاكما على العراق !!
من الواضح جليا إن صناعة حكومة عراقية جديدة وقادمة هو أمر سيقرر في طهران التي تحاول جاهدة توزيع الأدوار على حلفائها و أنصارها في العراق الذين لهم حظوتهم ووجودهم الميداني وهم بالتالي يستطيعون قلب الطاولة على رؤوس الجميع، فالطالباني يحاول التجديد لرئاسته رغم ظروفه الصحية الحرجة و تقدمه في العمر ورغم كونه سابقا قد أعرب عن عدم رغبته بالتجديد بل فضل أن يتفرغ في كتابة مذكراته لما بقي من أيام العمر!! و لكنه تراجع عن تلك الرغبة مؤكدا دخوله معركة التجديد بكل قوة و لو عن طريق الإستعانة بحلف ( النوروز ) الجديد مستبعدا بالكامل فكرة أن يكون هنالك رئيس عربي للعراق العربي حتى النخاع!!، وذلك طبعا يصب في المصلحة ألإيرانية القومية و الستراتيجية العليا فالطالباني حليف قديم جدا للنظام الإيراني أيام الحرب مع العراق و هو مصدر للثقة الإيرانية المطلقة رغم ظروفه الصحية المتردية كما يبدو من عصاه التي يتكأ عليها و التي لها فيها مآرب أخرى بطبيعة الحال!!
( فحلف النوروز ) الجديد سينبثق من خلال الساحة العراقية معلنا تحويل العراق لملعب واسع للدهاقنة الجدد في إيران و مؤذنا بنشوب صراع داخلي عراقي حاد الله وحده يعلم مدياته، ومؤكدا على حرص بعض الأطراف بإبعاد العراق عن هويته العربية المميزة!!.
فهل سينجح أهل حلف نوروز في تحقيق مآربهم؟ أم أن للشعب العراقي قول آخر ستقرره الأحداث؟.. الجميع في حالة ترقب و النيران القادمة من بلاد فارس وهي تقود حلفها النوروزي الجديد ستحدد الشكل القادم لملف إدارة الصراع الإقليمي الساخن في العراق المبتلي بألف مصيبة و مصيبة و لغم... و أخرها مصيبة ( حلف نوروز )...
التعليقات