في 30 أبريل \عام 2010م كنت على الفضائية (دليل) يناقشني القاسم حول بركان آيسلندا هل هو غضب من الله عارم غشى أوربا بدخان مبين؟ أم سنة من سنن الله تضرب آيسلندا وأغادير واستنبول والحسيمة وذمار والأصنام وبامان في إيران وكيوتو في اليابان.
وعند التصويت جاءت النتيجة بـ 53% أن الله غاضب هذه الأيام؛ فحرك براكين آيسلاندا إلى الجنوب الشرقي من ريكيافيك؛ فانهزمت أنا ودعوت كما دعا نوح فقال رب إني مغلوب فانتصر؟
وفي الرياض في 3 مايو \ 2010م فتحت السماء بماء منهمر وفجرت الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر، وبقيت أنا في الطريق لبيتي ساعتين فلم أغرق، وكل ما دعوت فيه أن أصل بالسلامة ولو بعد عشرين ساعة؟
ولا يستبعد أن يأتي من يفسر ماحدث على نفس ماحدث في آيسلندا. والناس تدعو منذ فترة بأن ينزل المطر فلا يكونوا من القانطين فقد تأخر نزوله هذا العام.
وفي جدة مع مطلع عام 2010م غرقت المدينة ومات العشرات بطوفان من ماء عرمرم يذكر بقصة سبأ، بفارق انتقاله 1200 كم إلى الشمال.
وبالطبع ومرة أخرى يأتي المفسرون بالبحث عن الأسطورة والتفسير الغيبي في حدوث المشاكل، فيختفي المجرم الحقيقي من الساحة، طالما عثر على مصدر الجريمة، وهل يبحث الشرطة عن المجرم بعد إلقاء القبض عليه.
وفي لشبونة عام 1755 م وفي صباح يوم عيد كل القديسين فيتيوس اجتمع كل الناس في الكنائس في عاصمة من أجمل عواصم العالم وعند الساعة العاشرة إلا خمس دقائق ارتجت الأرض وهبطت قبب الكنائس على رؤوس الناس فهل ثلاثون ألفا من الأنام.
ومعها هلل أهل المغرب بأن الله انتقم لهم من محاكم التفتيش، فأجابهم الرب بعد أسبوع بأن هبط قبة مسجد المنصور في طنجة على رؤوس المصلين؟
وفي بوسطن حيث خصوم الكاثوليك قالوا إن الرب هذه المرة نزل شخصيا للانتقام من الكاثوليك المجرمين على لسان الكاهن جريدا، فأجايهم الرب بعد 18 يوما بأن زلزلت الأرض زلزالها في بوسطن حيث البيوريتانيون فهلك منهم أكثر من أهل لشبونة.
ووقف فولتير يضحك على الجميع ويكتب روايته كانديد ويقول مابال الرب غفل عن المعربدين والفاسقين والزناة في باريس وهم يعبون الخمرة ويراقصون المومسات؟
وأمام هذه العقلية الأسطورية علينا أن نبحث في آليات عمل الوجود وميتافيزيقيا التاريخ..
عند الساعة الخامسة و28 دقيقة من صباح 26 ديسمبر 2003 زلزلت الأرض زلزالها في مدينة (بام) الإيرانية، فانتهت حياة أكثر من ثلاثين ألف إنسان تحت الأنقاض، مع أن قوة الزلزال لم تزد عن 6.3 وهي بعرف الجيولوجيين متوسطة القوة.
وقبل سنوات اهتزت الأرض في تركيا فقتل فيها عشرون ألفا.
وبعد زلزال بام توجه الزلزال إلى أقصى الأرض فضرب جزيرة (بالي) في اندونيسيا، ثم قفز إلى غرب الأرض فضرب مدينة (مكسيكو سيتي). وخلال الشهر الفائت لوحده اهتزت الأرض أكثر من 200 مرة، منها عشر مرات بقوة تجاوزت 6 ريختر.
وفي عام 1992 ضرب الزلزال (القاهرة) فخرت الأبنية الضعيفة ونجت القوية.
وما حدث للمسلمين في إيران وتركيا والقاهرة، حدث للمسيحيين في (سان فرانسيسكو) عام 1906 فارتجت الأرض وأصبحت المدينة كومة أشباح.
وفي عام 1995 ضرب الزلزال مدينة (كوبي) اليابانية وهم ليسوا مسلمين ولا مسيحيين.
لا يفرق الزلزال بين الناس، فهم جميعا خاضعون لقانون واحد. وعندما تجتاح الكوليرا بلدا فبسبب القذارة.
وفي عام 1905 كان يموت من أهل مدينة هامبورج الألمانية كل يوم ألف مريض بالكوليرا.
وعندما ينفجر الطاعون في الهند فبسبب عبادة الجرذان.
وكنيسة (أيا صوفيا) أنهى بناءها عام 537 مهندسان عبقريان هما (انتيميوس) و(ازيدوريس) بعدما حسب حساب الزلازل قبل كل شيء. وكان الناس في أيامهم إذا بنوا زادوا في الحجارة فجعلوها أثقل وأقسى، أما هما ففعلا العكس بالانتباه إلى أن ما يصمد في الزلازل ليس الثقل بل الدينامية والخفة، وهكذا بنيت الكنيسة من مواد خفيفة فنجت. وقام المهندس التركي (أحمد جقمق) عام 1992 من جامعة برنستون بدراسة تحمل (أيا صوفيا) للزلازل فوضع أجهزة حساسة في كل البناء ثم قام بإدخال المعلومات إلى الكمبيوتر، ثم أجرى اختبارا تخيليا في ما لو تعرضت المنطقة لزلزال مخيف من عيار 7.5 ريختر، فكانت النتيجة صمود البناء.
وفي أغسطس عام 1999 جاء وقت الاختبار الفعلي فاهتز كل شيء بما فيها (أيا صوفيا) وهلك آلاف الناس تحت الأنقاض أما (أيا صوفيا) فلم يسقط منها حجر ولم يتصدع فيها جدار، ويبدو أنها ستعيش ألف سنة أخرى.
وهكذا، فالزلزال لا يميّز بين الناس على اساس الدين، وهو غير حزبي، وغير متحيز، ويضرب الجميع وفق قانون يعرفه العلماء في تصدع الصفيحات القارية واصطدامها ببعض. وحيث يغضب ينفجر. ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
ومنذ القديم يذهب الناس في تفسير الزلازل مذاهب شتى. ونحن نعلم اليوم أننا نسكن فوق فرن يقذف بحممه بين الحين والآخر. وليس بيننا وبين باطن التنور إلا قشرة رقيقة من الأرض، وما تحتنا نار تتلظى والزلزال. وفي اليوم الواحد تهتز الأرض أكثر من 27 مرة في أماكن شتى. وفي السنة ترتج أكثر من عشرة آلاف مرة بقوة 4 ريختر منها عشرون هزة (رئيسية) ومائة (قوية) وآلاف (المتوسطة) وعشرات الآلاف من التي لا يشعر بها الناس. وما زاد عن 8 ريختر يحدث مرة في كل عام.
وقبل 75 ألف سنة انفجر بركان كراكاتو في اندونيسيا فأهلك معظم البشر، ولم يبق على ظهر الأرض أكثر من بضعة آلاف تابعوا رحلة الجنس البشري.
وهناك تصدعات ومسارات للزلازل معروفة، مثل صدع اندرياس والبحر الأحمر.
والخسائر تحدث نتيجة لضعف المباني اكثر من كونها بسبب قوة الزلزال، كما يحدث في المرض، فانهيار الجهاز المناعي يهيئ للمرض أكثر من قوة الجرثوم. وسبب سماع الناس بالزلزال هو المكان والإصابات.
وفي الخامس من ديسمبر 2003 ضرب الزلزال جزر الكوماندورسكي بقوة 6,6 ريختر ولكن لم يسمع به أحد.
وقد يستفيد العلماء في يوم فيوظفون هذه الطاقة الفلكية من قوة الزلزال ويفجرون البراكين في أماكن معينة من قشرة الأرض كما تفعل المرأة مع الطنجرة البخارية بالتنفيس فيستخدمونها كما حدث مع الطاقة النووية والبخارية، فسارت القطارات وأمكن لمفاعل نووي تزويد مدينة بالطاقة لمدة عام. وفي يوم كانت الكهرباء صواعق تحرق المباني وتقتل الناس، واليوم حبست الكهرباء في سلك ولا نستغني عنها لحظة.
وهناك أفكار جريئة عن استخدام السلاح النووي في جراحة المناخ، إذ يمكن بتفجيرات نووية مدروسة إذابة القطب الشمالي وقلب كامل مناخ سيبيريا وشمال كندا، فتصبح حدائق ذات بهجة للناظرين.
وهكذا، فالظواهر الكونية قد تكون مصدر رعب للأميين فيعبدون الحجر والبشر أحياء وأمواتا. وقد يفكر عبقري في شوك الحدائق فيستخرج منه نظاما جديدا للأحذية فتشد بشريط يتشابك فيه سطح خشن مع ناعم بدون خيطان.يجب فتح العقل على فهم سنن حدوث الأشياء، وإلا كنا نكذب على الله.
وفي يوم دعيت يوما إلى مجلس تحدث صاحبه عن الصالحات والذنوب، فأشاد بذكر الصلاة، ثم كرر كل أنواع الصلوات بما فيها النوافل، وأنا أسمع وأؤمن، ثم فاجأته بسؤال عن مفهوم الذنب والمعصية حين قلت له ما رأيك في الكسل أليس ذنبا؟ ثم بناء المؤسسات العلمية أليست من الصالحات؟
ووجهة نظري أنه لابد من تعميم مفهوم العبادة والمعصية، فالكون يقوم على خمس حقائق؛ من المادة والطاقة والزمان والمكان والقوانين، والطاقة خمس؛ من قوى النواة الضعيفة والقوية والجاذبية والكهرباء والمغناطيس، والأخيرتين دمجهما مكسويل في قانون أو طاقة واحدة؛ هي الكهرطيسية (الكهربائية ـ المغناطيسية)، وقد حاول ستيفن هوكينج البريطاني وآينشتاين دمج قوى الكون كلها في قانون واحد فعجزا، وهي ما تحاوله كل من النسبية وميكانيكا الكم اليوم، وهما طرفا السكة التي يمشي عليها قطار الفيزياء الحديثة.
والقوانين هي التي تحدث عنها القرآن بكلمة سنة الله، ووصفها بأمرين أنها لاتتبدل ولا تتحول، فلا يرفع قانون قط من مكانه، بل هو ماض في سبيله، ولا يغير طبيعته أو يحول مجراه بل يسري في قناته الطبيعية.
ومن الملفت للنظر أن القرآن وهو يتحدث عن القوانين، كان يؤكد على مفهوم القانون النفسي ـ الاجتماعي، وليس الفيزيائي الكيماوي؟
تأمل قوله تعالى؛ وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لايلبثون خلافك إلا قليلا.. سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا.. فالحديث هنا عن صراع اجتماعي وأين ينتهي، وليس عن تمدد المعادن بالحرارة، وطبقات الأرض التكتونية، أو تركيب الكود الوراثي في البيولوجيا..
فهذه هي الفلسفة العظمى؛ قدرة تطويع الأفكار الكبيرة بكلمات قليلة واضحة، وهو ماقال عنه عالم الاجتماع العراقي الوردي أنها كانت أيام نهضة الفكر اليوناني وظيفة السوفسطائيين في تبسيط العلوم للجماهير، خلاف السمعة السيئة التي قيلت في حقهم، أنهم يقلبون الحقائق بالكلمات، وهو مرض معروف.
وهذه المهمة أي تبسيط العلوم من جهة، وشحنها بروح القرآن والإيمان هي التي ندبت نفسي لها منذ أربعين سنة، من أجل نهضة العالم الإسلامي.
إن مفهوم المعصية والذنب والإثم، يتم الدخول إليها ليس من خلال الكلمات كما أراد الشحرور الشامي اللعب بالألفاظ، فتغيب الحقائق تحت غبار الكلمات وضبابها، بل الدخول إلى الواقع، فالوضوح هو من مفصلية الكلمات في واقع الحياة وليس اللعب بالكلمة.
إذا كان الكون الذي نعيش فيه كما وصفه هوكينج يخضع لقانون الله الذي لايتبدل ولا يتحول، فإن مخالفة القانون هي المعصية الكبرى حين يتم ارتكابها عن عمد، وهي أخف حين يتم ارتكابه غفلة بالنسيان، ولذا جاء في آخر سورة البقرة عرض لهذين المرضين الخطأ والنسيان.
ولكن الغفلة عن قوانين الكون لاتعني أن الكون غافل عنا، فإذا لسعت النار يدا ممتدة غافلة حرقتها فبصمت آثارها على الجلد بقية الحياة، وإذا حمل أحدنا بيده قدح ماء فلم ترتج يده وترجف وشربه فهو يطيع قانون الله، وإذا لم يلتزم بقوانين الله في رفع القدح فسقط فانكسر ارتكب معصية مخالفة قانون الله فجاءته العقوبة في صورة من الصور.
وينطبق هذا على القتل والزنا والفاحشة والخنا ومخالفات المرور، وكل المخالفات معصية تقود إلى كارثة، بمخالفة سنة الله في خلقه؛ الزنا بالمرض، والكحول بتشمع الكبد، والاستبداد بالانهيار الاجتماعي، وانفجار السدود بشقوق الأهمال، وانهيار الحضارة بالانتحار الداخلي. كان ذلك في الكتاب مسطورا. وهل نجازي إلا الكفور؟
ووضع هذا القانون عن مفهوم الذنب والمعصية يعمق المعنى تماما، ويرشد الرؤية والمنهج، فما حصل من زلزال آيسلندا وبركانها والأرض وأمطارها وجدة وفيضانها، ليست عقوبة من الله في شيء، فهي حركات وأمطار وفيضانات ومجاري موجودة في الأرض منذ أن خلق الله الأرض، وحين يموت الناس في القاهرة والأصنام وذمار وبامان وأغادير فلعلة في بناء البيوت.. وحين يغرق الناس في التسونامي فلجهل بطبقات الأرض حين تتحرك فتقذف بجبالها على رؤوس الناس.
إن اليابانيين اليوم لايرون في الزلازل والبراكين والطوفانات مصيبة، بل نعمة من الله في فهم الكون وتسخيره، ذلك أن فهم آلية عمل السنن يمنح القدرة على تسخيرها، كما ركبوا بيوتهم حاليا على نوابض عملاقة فلا تسقط البنايات، وأمسكوا بالكهرباء وكانت صاعقة فحبسوها في سلك فهم يشغلونها في المصاعد والمعاصر، وأمسكوا بأطنان المياه خلف السدود؛ فحولوها إلى طاقة، وركبوا الصوت والصورة على أمواج الكهرطيس؛ فطاروا بها إلى رؤية التلفزيون في لحظات في كل مكان لنقل أي خبر في أي ركن من المعمورة.
من نظر إلى الطاقات بهذه الصورة حقق العبودية الفعلية لله تعالى فهما وعبادة وخشوعا وذكرا للرحمن الرحيم، وليس على صورة المتحدي والجبار الذي فعله الأمريكان والإنجليز؛ فتفجر الشالنجر مع سبعة أرواح وسبعة مليارات دولار، وغرقت التيتانيك في أول رحلة.
إنه ليس شماتة بهم بل تقعيد فهم سنن الكون والتعامل معها..
يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون..
إن خطورة العقل الخوارقي أنه يعطل كل جهد بشري، والعقل العربي اليوم مغتال بسموم من التصور الخوارقي للأشياء والفهم المقلوب للتاريخ. فحينما سقطت المركبة (كولومبيا) في منطقة اسمها فلسطين في أمريكا حسبها العرب انتصارا للانتفاضة.
وعندما زحف الأمريكيون على بغداد في ربيع 2003 ثار الغبار فاعتبر البعض ذلك انتصارا لصدام.
وعندما انفجر شالينجر مكوك الفضاء اعتبره البعض عقوبة إلهية. ونظر الأمريكيون إلى الحدث أنه خطأ فني وأرسلوا بعده العشرات، فأرسلوا المكوك الفضائي الأمريكي روفر ليبعث صورا من المريخ؛ فمن يبني عقله على العلم يبني لنفسه بيتا في المريخ، ومن يبنيه على الخرافة ينحبس في خانة المجهول والتخلف ومرض القراد الذي يضرب النحل فيقص أجنحتها فلا تطير ولا تجني الرحيق. ولا يبقى قفيرا ولا عسلا.
ومن يمشي على رأسه يخسر رأسه ورجليه معاً.