الكتاب: التجارة الخارجية في سوريا.
تأليف: سمير سعيفان محمد معمار.
الناشر: دار أطلس، دمشق، طبعة أولى، 2009م.
الصفحات: 230 صفحة.

شهدت سورية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين نهضة اقتصادية ومالية انعكست على مجالات عديدة ابتداء من المصارف والشركات الكبرى، ومروراً باجتذاب رؤوس الأموال إلى سوق يعتبر ناشئاً وغنياً بالإمكانات والفرص والمجالات بعد سنوات من الاعتماد على النموذج الاشتراكي البحت، فتم الانتقال تدريجياً إلى ما بات يعرف في الأدبيات الاقتصادية السورية باقتصاد السوق الاجتماعي.
يحاول هذا الكتاب تقديم مقاربة موضوعية لقضية التجارة الخارجية في الاقتصاد السوري المتحول نحو الأسواق العالمية الحرة، حيث تلعب التجارة دور المرآة الكاشفة لنقاط قوة الاقتصاد وضعفه، وعلى وجه الخصوص لمستوى قدرته التنافسية، مؤكدين أنه ليس أمام سوريا كي لا تصبح جزيرة معزولة وفقيرة، في عصر العولمة، إلا أن تقوم بالتحول إلى اقتصاد السوق وبالتالي تحرير التجارة.
إلا أن هذه الزيادة لم تتم نتيجة زيادة متناسبة بين كل من الصادرات والواردات. فقد تزايدت الصادرات بمعدل 19% بينما المستوردات ازدادت بمعدل 27%. وهذا يعني أن الميزان التجاري لا يزال خاسراًَ. كما استمرت المواد الخام وخاصة النفط، تشكل النسبة الأعلى في الصادرات، والمواد المصنوعة النسبة الأعلى في المستوردات.
يرجع الكتاب النتائج التي توصل إليها إلى النهج التجريبي والانتقائي للحكومات المتلاحقة، والتي تفتقر لرؤية واضحة وشاملة ومتكاملة للعبور الآمن والراسخ للمرحلة الانتقالية. حيث تواجه سوريا مجموعة من التحديات، أهمها: إصلاح القطاع الصناعي العام والخاص من أجل إصلاح الميزان التجاري نحو الربح. وبغية تحقيق النجاح في مواجهة التحديات، فإنه يجب العمل على إنجاز إصلاح اقتصادي وإداري وقضائي وسياسي. وبالتالي يمكن أن تتوفر فرص كبيرة أمام سوريا لنهضة اقتصادية على أسس عصرية حديثة ومتطورة.
ومن وجهة نظر المؤلفان، فإن سوريا تحتاج إلى ثقافة جديدة حول مجمل قضايا الاقتصاد الحر، أو اقتصاد السوق، ومن ضمنها قضايا التجارة الخارجية التي يجب أن تتوافق مع المعايير الدولية في التجارة العالمية مثل: حقوق الملكية، والمنافسة، والمواصفات والمقاييس. وتعد ايطاليا وفرنسا الشريكين الأول والثاني لتجارة سوريا الخارجية. وتحتل السعودية المرتبة الأولى بين شركاء سوريا الأساسيين في تجارتها العربية. وبلغت حصة تركيا (8%) من إجمالي حجم التجارة السورية مع العالم، إلا أنها نسبة مرشحة للزيادة مع توطد العلاقات بين الجارين.
يرى المؤلفان أن الاقتصاد السوري يمتلك العديد من نقاط القوة، تتمثل بتعدد وتنوع قطاعاته ونشاطاته فوق موقع جغرافي متميز والمستند إلى خلفية تاريخية طويلة وعريقة اشتهرت بروح المبادرة في قطاع الأعمال وإدارتها. إلا أنه مقابل ذلك هناك مجموعة من نقاط الضعف التي يجب العمل عليها وتجاوزها، وأهمها: ضعف قاعدته الإنتاجية والخدمية، وتدني قدرته التنافسية، وعدم كفاية الاستثمارات الداخلية والخارجية.
ولعل أهم الصعوبات أو التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري منها: ضرورة زيادة الصادرات لتعديل الميزان التجاري، وهذا لا يتم إلا من خلال إعادة بناء القطاع الصناعي على أسس عصرية حديثة ضمن أسواق داخلية مفتوحة تؤسس لرفع مستوى القدرة التنافسية للصناعة السورية.
قد يؤدي ذلك إلى إفلاس العديد من الشركات التي كانت تعمل في أسواق احتكارية بحماية الدولة. وقد يرافقه المزيد من البطالة وارتفاع نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر، وتدني مستوى معيشة السواد العظم من السكان. إلا أن المؤلفين يتوقعان أن تتحقق آثار سلبية وبشكل خاص على المدى القصير، وآثار ايجابية على المديين القصير والطويل. ويقترحان مجموعة متكاملة من الخيارات للخروج من المرحلة الانتقالية بأمان. إلا أن ما يؤخذ على الكتاب تجاهله لتوضيح مفهوم السوق الاجتماعي الذي تتبناه الدولة السورية حالياً، وهو المفهوم الذي لا يزال ملتبساً بالنسبة لكثير من الاقتصاديين.

...كاتب وباحث
[email protected]