عنوان الكتاب: مأزق برنامج إيران النووي الانعكاسات الإقليمية وتداعيات الحرب.
المؤلف: فرانك برنابي وبول روجرز.
ترجمة: عماد شيحة.
الناشر: المركز العربي للدراسات الإستراتيجية، دمشق، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 120صفحة.


أعادت حادثة اغتيال عالم الفيزياء النووية والأستاذ في جامعة طهران، وأحد كبار علماء البرنامج النووي الإيراني (مسعود علي محمدي) تسخين الأجواء الإقليمية، وتفعيل الخيار العسكري والأمني ضمن مجموعة الخيارات التي تلوح بها منظومة الدول الغربية في مفاوضاتها مع إيران بخصوص برنامجها النووي. إذ دشن الاغتيال حرباً جديدة خفية لعرقلة البرنامج النووي الإيراني من خلال اغتيال واستهداف العلماء المشاركين فيه.
يحتوي الكتاب على دراستين مهمتين لفرانك برنابي (عالم الفيزياء النووية)، وبول روجرز (مستشار الأمن العالمي لمجموعة أكسفورد للأبحاث)، لبحث أزمة برنامج إيران النووي وآفاق حلها من خلال منهجين متباينين، أولهما علمي تقني، وثانيهما سياسي عسكري. تقدم الدراسة الأولى مسحاً تفصيلياً شاملاً بالمنشآت النووية الإيرانية المعروفة, ويدرس أياً من المنشآت ينبغي تدميره لقطع الطريق على إمكانية تصنيع إيران لسلاح نووي، ثم يحدد فرص الضربات العسكرية في تحقيق الهدف المتمثل في إيقاف برنامج إيران النووي.

ويأتي في مقدمة هذه المنشآت، منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، والتي تبعد 41 كيلومتراً عن كابشان، إذ تحوي المنشأة على وحدتين للطرد المركزي، إحداهما وحدة تخصيب وقود أولية، والثانية وحدة تخصيب وقود تجارية. ويتم بناء المنشأة جزئياً تحت الأرض، وأعلنت إيران أنها ستقوم بتركيب أكثر من خمسين ألف جهاز طرد مركزي في وحدة التخصيب التجاري. كما تخطط إيران، بحسب الدراسة، لبناء مفاعل يعتمد على التبريد بالماء الثقيل في (آراك) ستبلغ استطاعته 40 ميغاوات وسيتم تبريده بالماء الثقيل ويزود باليورانيوم الطبيعي كوقود، ويمكن للمفاعل إنتاج حوالي ثمانية كيلوغرامات من البلوتونيوم سنوياً، مما يكفي لتصنيع سلاح نووي كل عام.
كما تمكن الروس من بناء مفاعل يعمل بالماء الخفيف لإنتاج ألف ميغاوات من الكهرباء في محطة بوشهر، سيستخدم اليورانيوم المنخفض التخصيب كوقود للمفاعل وسيحتوي قلب المفاعل على ما يقارب 108 طن، وإذا تم تشغيلها لتوليد الكهرباء، فسينتج ما يقارب 250 كلغ من البلوتونيوم سنوياً، وفي حال تحويلها لأغراض عسكرية، فستكون كمية البلوتونيوم كافية لتصنيع ما بين 40 و50 سلاحًا نووياً في العام. وهناك بالإضافة إلى ذلك موقع ساغاد قيد التشغيل ويستخرج اليورانيوم فيه من عمق 350 متراً، ويحتوي على 5000 طن من احتياطات اليورانيوم. ووحدة الوقود النووي في أردكان قرب يزد، حيث تحضر العجينة الصفراء من اليورانيوم المستخرج في ساغاد. ومنشآت تحويل اليورانيوم في أصفهان لتخصيبه في نطنز. ووحدة فصل النظائر الليزري في لاشكار عباد لتخصيب اليورانيوم.
ويرى الباحث أنه يجب على الأميركيين مهاجمة الحد الأدنى من المنشآت النووية ذات الصلة، إلا أن ثمة عوامل تطرح شكوكاً في إمكانية نجاح الضربات العسكرية الوقائية، منها العدد الكبير من الأهداف النووية والذي قد يتطلب عدة مئات من الضربات الجوية. وحسن تمويه وحماية المنشآت الإيرانية، والتقارير الاستخبارية غير الكاملة في هذا الصدد. ورجحان نجاة التقنية والعلماء، وتمكنهم تالياً من إعادة تشييد البرنامج النووي. وإذا كانت التقديرات العسكرية تؤكد أن من شأن الضربات العسكرية أن توقف برنامج إيران النووي لعامين أو ثلاثة، إلا أنه من غير الممكن تدمير قاعدة المعارف النووية في إيران بالكامل، وبالتالي سيكون بوسع العلماء الناجين إصلاح الأضرار التي أصابت المنشآت النووية أو تشييدها بالكامل مجدداً أو استئناف البرنامج النووي، وقد يدفع ذلك إيران على تبرير هدف الحصول على سلاح نووي ردعي. وفي حال التدمير الكلي للمنشآت النووية، وهو أمر يستبعده الباحث، سيكون بوسع إيران، باستخدام مخزونها من الوقود النووي لإنتاج اليورانيوم العالي التخصيب بوساطة منشآت صغيرة للطرد المركزي وتصنيع سلاح نووي.
يسلط القسم الثاني من الكتاب الضوء على عواقب القيام بعمل عسكري على إيران، فمن وجهة نظر أميركية، هناك سببان للقيام بعمل ضد منشآت إيران النووية، أولهما إلحاق أضرار بالغة بالبرنامج النووي تعيق محاولات إنتاج أسلحة نووية لمدة خمس سنوات على الأقل، وثانيهما إظهار أن الولايات المتحدة بصدد القيام بعمل عسكري وقائي. وتكمن المشكلة الرئيسية في أن أي عمل عسكري يتضمن أكثر من سلسلة من الهجمات على المواقع النووية، في وقت يعاني فيه الجيش الأمريكي من الإرهاق، ولذلك فإن هجومًا على المنشآت النووية الإيرانية سيقوم به غالبًا سلاح جو الأسطول.
ولتحقيق ذبك، سيتم اللجوء إلى استخدام القوى الجوية الأميركية في المنطقة بالطائرات الهجومية البعيدة المدى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وقاعدة ديغو غارسيا والقوات البحرية الضاربة، ومن ضمنها طائرات القصف وصواريخ كروز ذات منصات الإطلاق البحرية. واستخدام قاذفات من طراز ب2 وب1 التي تستطيع العمل من خارج المنطقة، وستتركز الضربات الجوية على المرافق النووية لتدميرها دون أن يقلل من حجم التسرب الإشعاعي المحتمل لمفاعل بوشهر على الخليج العربي برمته، وعلى مرافق وسوق نقل النفط في المنطقة.
ويرى الباحث أن من أهداف الهجوم سيكون إخماد القدرات الدفاعية الإيرانية، وذلك للحد من مخاطر قتل أو أسر الطواقم الجوية في المقام الأول، وسيتضمن ذلك استهداف مواقع الرادارات ومراكز القيادة والتحكم، مثل قواعد القيادة الجوية الغربية في طهران وتبريز وهمدان وشيراز وأصفهان، وكذلك قواعد القيادة الجوية الجنوبية في بوشهر وبندر عباس وشاه بهار. وسوف يستهدف كذلك برنامج الصواريخ البالستية المتوسطة المدى في مواقع إنتاجها وتطويرها والأبحاث الخاصة بها، واستباق أي ردود إيرانية فورية، من خلال تدمير بطاريات الصواريخ الساحلية الإيرانية المضادة للسفن، وقوات إيران الصغيرة من السفن الحربية التي تقع في بوشهر، ومقر عملياتها في بندر عباس، وأسطول إيران من الغواصات الروسية، وبقية قواعد البحرية الإيرانية.
ولا يغفل الكتاب التأكيد على خيارات إيران في الرد، ومنها إعادة تطوير البرنامج النووي، والرد عبر حزب الله الذي يمتلك أعداداً كبيرة من صواريخ أرض أرض ذات مدى يكفي لبلوغ حيفا وشمال quot;إسرائيلquot;، وإغلاق مضيق هرمز الذي سيكون لأي هجوم إيراني عليه تأثير هائل على أسواق النفط. ومهاجمة منشآت النفط الواقعة في الخليج من خلال مجموعات شبه عسكرية، وقيام الحرس الثوري بعمليات عسكرية وأمنية في العراق بالتعاون مع الميلشيات الشيعية المتحالفة معه.
أما عن احتمال قيام quot;إسرائيلquot; بضرب المنشآت النووية بدلاً من أمريكا، فيعتقد المؤلف أن الضربة الإسرائيلية ستركز على كل منشآت البحث والتطوير والدعم وحتى الأشخاص، وعلى القوات الصاروخية الإيرانية ومواقع إنتاجها وتطويرها، وسيتم التركيز على الحرس الثوري أو حماية منشآت النفط الخليجية بشكل محدود، فيما سيكون الرد الإيراني مركزاً على القوات الأميركية ومنشآت النفط الخليجية، مستخلصاً أن أي هجوم عسكري أميركي أو إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية سيكون بداية مواجهة عسكرية إقليمية طويلة الأمد، قد تشمل جميع دول الشرق الأوسط والخليج، الأمر الذي يستدعي التريث وعدم المجازفة أياً كانت عقبات التفاوض القائمة حالياً.

...كاتب وباحث
[email protected]