لئن كانت النتيجة النهائية التي خلص إليها تقرير مركز دراسات الوحدة العربية الأخير عن حال الأمة العربية خلال عامي 2008 والربع الأول من عام 2009 هي أن الأمة العربية laquo;أمة في خطرraquo;، فإن ثبات هذا الوصف على حال أمة خلال العقود الأخيرة السابقة، يقلل من هالة هذا الوصف، سيما أن التقرير يقر بثبات بؤر التأزم العربية، واستدامة حال الاضطراب والحروب الأهلية والانشقاقات المجتمعية في كل من (العراق ولبنان وفلسطين والصومال والسودان).
يؤطر الكتاب الأحداث التي مرت بها الأمة العربية خلال العام الماضي بحدثين مهمين هما الأزمة اللبنانية والعدوان الإسرائيلي على غزة، فما إن انتهى العدوان على غزة، حتى بدأت دول ما يسمى بالاعتدال العربي بالسعي إلى عزل إيران وتقليص نفوذها في الساحة العربية، عبر سلسلة من الآليات، في مقدمتها المصالحات العربية بهدف تفويت الفرصة على إيران في اللعب على التناقضات العربية. والانفتاح على العراق لمحاصرة النفوذ الإيراني فيه، عبر فتح السفارات العربية في بغداد، وزيارات مسؤولين عرب إلى العراق. وتأكيد الأطماع الإيرانية في الأراضي العربية، عبر استثمار التصريح الذي أطلقه (علي أكبر ناطق نوري) مستشار (خامنئي) الذي اعتبر فيه البحرين المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة. فضلاً عن تشجيع تركيا على القيام بدور أكبر في قضايا المنطقة لموازنة النفوذ الإيراني.
يرى التقرير أن عاما 2008 و2009 هما الأسوأ بالنسبة للقضية الفلسطينية منذ النكبة، إذ عانى الفلسطينيون من الانقسام الوطني وويلات الحصار، وسالت حمامات الدم بالعدوان الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة. ويعرض التقرير للمعاناة التي يعيشها أهالي غزة بفعل سياسات الحصار الإسرائيلي، بدءاً من توقف محطة إنتاج الكهرباء في غزة، وانعكاسات ذلك على كل مناحي الحياة، مروراً بنفاد الغاز المخصص لتشغيلها، وإقفال معظم المراكز الصحية بسبب تعطل عشرات الأجهزة التي تعمل على الكهرباء.
كما يذكر التقرير ما تعرض له سكان غزة من عدوان إسرائيلي نهاية عام 2008 أسفر عن استشهاد 1285 فلسطينياً منهم 281 طفلاً و111 امرأة، فضلا عن إصابة 4336 من بينهم 1113 طفلاً. وقد استخدمت quot;إسرائيلquot; في هذا العدوان عدداً من الأسلحة المحظورة، ويسلط الضوء على وضع الفلسطينيين الداخلي نتيجة الانقسام الوطني الحاصل. ورأى أن النزاع الفلسطيني الداخلي يمثل واحداً من أبرز مشاهد الواقع الفلسطيني المتأزم، وأكثرها تأثيراً في مصالح الشعب الفلسطيني العليا وكفاحه من أجل نيل حقوقه. متوقفاً عند قضية الشرعية التي يعدها لب الصراع الحقيقي ومنفذ خروجه منها، في ظل محاولة كل من الطرفين (حماس) و(السلطة) اتهام الطرف الآخر بمحاولة النيل من شرعيته وصلاحياته.
ينتقل التقرير بعد ذلك إلى الملف اللبناني، فيرى أن الحدث الأبرز في لبنان كان في أوائل شهر مايو/أيار عندما اتخذت حكومة السنيورة قراراً بعزل رئيس جهاز أمن المطار بادعاء أن (حزب الله) يتنصت بالكاميرات على المدرج رقم 17 المخصص لإقلاع وهبوط الطائرات التي تقل شخصيات سياسية، كما اتخذت قراراً آخر يقضي بملاحقة المسؤولين عن شبكة اتصالات حزب الله.
وأن حزب الله والمعارضة وجدت في هذين القرارين محاولة لتعطيل عمل المقاومة وضربها من الداخل، ثم يعرض لأحداث 7 مايو/أيار والتي أحكمت المعارضة فيها سيطرتها العسكرية على الشوارع، الأمر الذي دفع بوفد من الجامعة العربية برئاسة وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني إلى التحرك الفوري والتوصل إلى اتفاق يقضي بسحب المقاتلين من الشوارع، واستئناف الحوار الوطني على أساس المبادرة العربية، وهو الأمر الذي تم بعد اجتماع الدوحة، حيث تم الاتفاق على انتخاب ميشيل سليمان رئيساً للبلاد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها المعارضة بثلث عدد النواب، واعتماد القانون عام 1960 لإجراء الانتخابات النيابية، ومباشرة الحوار الوطني، الذي انطلق في بداية سبتمبر/أيلول، وكان عنوانه الإستراتيجية الدفاعية. إلا أن هذا الاتفاق لم ينه خلافات الطرفين، فكانت المحكمة الدولية أحد أبرز هذه الخلافات.
في الشأن العراقي يشير التقرير إلى حدوث تطورين لعبا دوراً في تغيير وجهة المسار الأمني في العراق في عام 2008، الأول إعلان مقتدى الصدر تجميد أنشطة جيش المهدي بعد معارك طاحنة في كربلاء مع قوات الشرطة العراقية. أما التطور الثاني، فكان تغيير طبيعة العلاقة بين الجيش الأميركي وبعض القوى العشائرية السنية، والتي عرفت لاحقاً باسم الصحوات لمواجهة تنظيم القاعدة.
فقد أدى هذا التحالف إلى تحجيم كل من تنظيم القاعدة ومليشيا جيش المهدي، وتحقيق قدر من الاستقرار الأمني في بعض المناطق، حسب ما يرى التقرير. وعلى الصعيد السياسي، أدت نتائج انتخابات مجالس المحافظات في أوائل عام 2009 إلى تغييرات جديدة في خارطة السلطة قد يكون له أثر مباشر على الانتخابات البرلمانية نهاية العام، بسبب ما أكدته من تجاوز العراقيين لهيمنة الخيارات الطائفية. إذ لعبت الانشقاقات الحزبية دوراً في تغيير الخارطة السياسية العراقية.
ويؤكد التقرير أن المشكلة الدستورية لا تزال تواجه تحقيق الوحدة الوطنية، لا سيما المادة 140 من الدستور الخاصة بمصير محافظة كركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد والتركمان. وهو ما صعد الخلاف أخيراً بين حكومة بغداد وإقليم كردستان حول ما توصف بالمناطق المتنازع عليها، كما تصاعد النزاع بين الطرفين حول حقوق استثمار النفط.
في الشأن السوداني يشير التقرير إلى الهجوم الذي تعرضت له الخرطوم من قبل حركة العدل والمساواة، هو الأول من نوعه منذ عام 1976، وتفجر صراع مسلح بين شريكي اتفاق نيفاشا في منطقة أبيي الغنية بالنفط، ثم جاء يوليو/تموز من العام نفسه ومذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال الرئيس السوداني، والذي اعتبره التقرير أكبر تهديد لحاضر السودان ومستقبله.
فيما شهد عام 2008 تحولات جذرية في المسألة الصومالية، إذ نجحت جهود الوساطة التي قامت بها الأمم المتحدة في الوصول إلى اتفاق سلام بين الحكومة الانتقالية وقطاع من تحالف المعارضة بقيادة شيخ شريف شيخ أحمد، الأمر الذي فتح الباب أمام حدوث انقلاب جذري في تركيبة النظام الحاكم، بدءاً بانسحاب القوات الأثيوبية مروراً بإشراك الإسلاميين المعتدلين في السلطة، وصولاً إلى انتخاب شيخ شريف رئيساً انتقالياً للبلاد، غير أن جماعات المعارضة الأخرى رفضت الانضواء في عملية التسوية، وأصرت على مواصلة الصراع.
ومن المتوقع بحسب تقرير حال الأمة العربية أن يشهد الصراع في الصومال استقطاباً إقليمياً ودولياً، في ظل ما هو متوقع من قيام الأمم المتحدة بنشر قوات لحفظ السلام في الصومال. وفي العام نفسه أصبح الصومال محط أنظار العالم، باعتباره أحد المصادر الرئيسية لتهديد الأمن الدولي، بسبب تفاقم ظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن، الأمر الذي شكل تهديداً حقيقياً لحركة الملاحة البحرية في تلك المنطقة، فأصدر مجلس الأمن الدولي العديد من القرارات بشأن هذه الظاهرة، كان أبرزها القرار رقم 1851 الذي طالب بوضع آليات دولية جديدة للتعاون في مكافحة القرصنة.

عنوان الكتاب: حال الأمة العربية 2008-2009 أمة في خطر.
لمؤلف: مجموعة من الباحثين.
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت, لبنان، طبعة أولى، 2009.
عدد الصفحات: 255 صفحة
.

كاتب وباحث
[email protected]